تأثير الغذاء على الصحة العقلية
يعتبر فرط التوتر والاكتئاب والقلق من أكثر الحالات النفسية شيوعاً، والتي تؤثر سلباً في رفاهية وعمل وحياة نسبة كبيرة من البشر. وفي السنوات الأخيرة، اكتسبت العلاقة بين التغذية والصحة النفسية - العقلية اهتماماً كبيراً. وبالتالي، أهم النقاط التي ذكرها تقرير مفصل نشرته مجلة الجمعية الأميركية للتغذية، يوضح العلاقات المتعددة بين الأنماط الغذائية مع الصحة النفسية – العقلية.
معدل السكر في الدم هو إشارة نسبية إلى كمية ونوعية الكربوهيدرات المتناولة، وله تأثير مباشر على تركيز الأنسولين في الدم. وإضافة الى أخطار الاصابة بالسمنة ومرض السكري، فاتباع نظام غذائي ذي مؤشر سكر مرتفع (تكرار تناول كمية كبيرة من الكربوهيدرات البسيطة والسكريات) له تأثير ضار على الصحة النفسية. وتدل بيانات الأبحاث على ارتباط بين مستوى السكر في الدم مع اضطرابات المزاج وأعراض الاكتئاب. وإليكم أهم ما توصلت إليه:
- خلصت أبحاث عدة إلى أن تعرّض الجسم لتذبذب مستويات سكر الدم، مثلما يحدث عندما يرتفع بشكل كبير ثم ينخفض بشكل كبير، من مسببات المعاناة من اضطرابات مزاجية وفرط التوتر والاكتئاب، مما يدل على أن اتزان معدل سكر الدم هو المفتاح للحفاظ على اتزان المزاج، وهو ما يبرر إيمان بعض الأطباء بأن اتباع المصابين بالأمراض النفسية حمية صحية تحافظ على ثبات معدل السكر أمر ضروري وجزء مهم من العلاج.
- تركيز السكر في الدم يتعلق بالهرمونات التنظيمية، مثل الكورتيزول والأدرينالين وهرمون النمو والجلوكاجون. وبحسب الدراسات فإن مستوى سكر الدم يؤثر في اتزان الهرمونات المضادة للتنظيم، مما قد تسبب تغيرات في القلق والتهيج والجوع والأرق.
- هناك علاقة عكسية، فالحالة المزاجية تؤثر في اختياراتنا الغذائية، كما ان اختياراتنا الغذائية تؤثر في حالتنا النفسية.
- توجد علاقة خاصة بين ارتفاع سكر الدم المرتبط بمرض السكري مع المعاناة من اضطرابات المزاج والاكتئاب. والعكس صحيح، فالإصابة بمرض الاكتئاب يرفع فرصة الإصابة بالسكري ويصعب التحكم به.
تناول أغذية تحفّز الالتهاب والمزاج
دلت دراسات عدة إلى علاقة النظام الغذائي الغربي (تغلب عليه الأغذية السريعة والجاهزة والسكريات) بتأثيرات ضارة على صحة الدماغ، بما في ذلك التدهور المعرفي والاختلال الهرموني وتلف الحاجز الدموي الدماغي. ونسب ذلك جزئياً إلى دوره في رفع وتحفيز العمليات الالتهابية في الجسم وتنشيط مزمن للمناعة المنخفضة.
وفي المقابل، وجدت الدراسات أن اتباع حمية البحر المتوسط (تغلب على الأغذية الطبيعية، مثل الفاكهة والخضار والبروتين الصحي والزيوت المفيدة)، يرافقه انخفاض في العمليات الالتهابية في الجسم عموماً.
وأظهرت دراسات عدة أن المصابين بالاكتئاب يسجلون درجات أعلى بشكل ملحوظ في مقاييس «الالتهاب الغذائي»، بسبب كثرة تناولهم أطعمة مهيجة للالتهاب (أهمها الدهون المتحولة والكربوهيدرات المكررة)، وانخفاض مدخولهم من الأطعمة الغذائية المضادة للالتهابات (مثل دهون أوميغا 3 والفيتامينات).
وفي المقابل، أشارت تجارب عدة إلى أن تناول العوامل المضادة للالتهابات (مثل مثبطات السيتوكين والأدوية غير الستيرويدية المضادة للالتهابات) يساهم بشكل كبير في تقليل أعراض الاكتئاب.
كما أظهرت دراسة أن الأدوية التي تحفز الالتهاب عادةً ما تؤدي إلى حالات الاكتئاب لدى متناوليها، بينما يرتبط تناول مكملات أحماض أوميغا 3 الدهنية (مضادة للالتهابات) مع خفض ظهور الاكتئاب. كل ذلك يفسر علاقة اتباع نظام غذائي غير صحي مع زيادة الإصابة بالاكتئاب.
الميكروبيوم والمزاج
التفسير الأحدث للطريقة، التي قد يؤثر بها طعامنا في صحتنا العقلية، هو تأثير الأنماط الغذائية على ميكروبيوم الأمعاء (تريليونات الكائنات الميكروبية التي تعيش في الأمعاء). وإضافة إلى العوامل الوراثية والتعرض للمضادات الحيوية، فإن النظام الغذائي هو أهم عامل لتحديد اتزان وصحة ووظيفة ميكروبيوم الأمعاء.
ويعرف حالياً بأن ميكروبيوم الأمعاء يتفاعل ويتواصل مع الدماغ بطرق ثنائية الاتجاه، عبر مسارات مباشرة توصل الإشارات العصبية والالتهابية والهرمونية، مما يبرر تسمية ميكروبيوم الأمعاء بـ«الدماغ الثاني في الجسم». وهناك أدلة عدة على هذه العلاقة:
- حدوث تغيرات عاطفية في القوارض تبعاً لحدوث تغيرات في ميكروبيوم الأمعاء.
- أشارت دراسات عدة إلى ارتباط اضطراب الاكتئاب الكلاسيكي مع تغييرات في ميكروبيوم الأمعاء، ومنها دراسة بينت أن نقل ميكروبيوتات الأمعاء من مصابين بالاكتئاب إلى القوارض كفيل بتحفيز سلوكيات الاكتئاب.
- وجدت دراسة أن تناول أشخاص منتجات البروبيوتيك، وهي ألياف نباتية متخصصة توجد في العديد من الفواكه والخضروات (يستهدف تعزيز صحة الميكروبيوم)، يمكن أن يغير استجابة الدماغ لمهمة تتطلب اهتماماً عاطفياً، وقد يقلل من أعراض الاكتئاب.
أهمية اتباع حمية البحر المتوسط
أثبتت دراسات عدة أن اتباع نظام غذائي غير صحي - منخفض الألياف وعالي الدهون المشبعة والسكريات - يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بالكثير من الأمراض، بسبب دوره السلبي على معدلات السكر والدهون والعمليات الالتهابية وتدهور صحة الميكروبيوم. وعلى العكس، فإن استهلاك نظام غذائي غني بالألياف والعناصر الغذائية والأحماض الدهنية غير المشبعة (كما هو موجود في حمية البحر المتوسط)، يعزز صحة الأعضاء، ويقي من الأمراض الجسدية والعقلية، ويعزز اتزان المزاج. وتهدف حمية البحر المتوسط إلى الإكثار من الفواكه والخضروات والبقوليات، مع استهلاك المعتدل للدواجن والبيض والمكسرات ومنتجات الألبان، وتقليل اللحوم الحمراء.
تعليقات
إرسال تعليق