كيف أعرف الشخص المناسب للزواج؟
يقضي ملايين البشر قدرًا جيّدًا من أوقاتهم وهم يفكّرون في السؤال الذي طرحناه في العنوان، والحقيقةُ أنّه سؤال معقّد ومتشابك، تتداخل فيه مساحات العلاقات الشخصية بالمجتمع والثقافة وحتى السياسة والعلم.
وهو السؤال الّذي يتوق جميع البشر لمعرفة إجابته، ويتحمّسون عند نقاشه، لأنه ببساطة؛ يمسّهم جميعًا. وبطبيعة الحال، ليس هناك إجابة سهلة أو واحدة تنطبق على جميع البشر.
في هذا التقرير، سنعرض بعض نتائج أبحاث علم نفس العلاقات، والتي درست العوامل الأساسية التي تشكّل العلاقات الناجحة، وحاولت استخلاص أهمّ الملامح التي تتنبّأ بعلاقة ناجحة بين الطرفين. وهكذا، يمكن لهذه المؤشرات العامة أن تكون أحد الوسائل التي يستعين بها الإنسانُ على صنع قراره.
إنه سؤال المليون: كيف تختار شريك حياتك؟
من المهمّ قبل البدء التنويهُ بأنّ المقصود بالعلاقات هنا هو العلاقات الحميمية طويلة الأمد بين الرجل والمرأة، وأن "النجاح" المقصود هو الرضا الزوجي والسعادة على المدى الطويل.
ومن الجدير بالذكر أنّ معظم الدراسات المعروضة في هذا التقرير أُجريَت في سياقات غربيّة، مع بعض الاستثناءات، وبسبب أن هذا الموضوع يتأثر بالثقافة والمجتمع، فربّما يكون من الجيد التعاملُ مع هذه الخلاصات بشيءٍ من الحذر، وتهيئتها وتخصيصها لدى كل شخص بما يناسبه هو.
وأخيرًا، هذا التقرير ليس تبشيريًّا ولا مرشدًا أخلاقيًّا، وإنّما يعرض ما تقدّمه الأبحاث وما يقترحه أساتذة علم النفس للوصول إلى علاقة تمتاز بالاستمرارية الإيجابية والرضا الزوجي للطرفين.
ما يجب أن تعرفه عن أهمية الاختيار الصحيح للشريك الزوجي والعاطفي المناسب
تشكّل العلاقة الزوجية حجرَ أساسٍ في حياة معظم البشر. وقد وجدَت أبحاثٌ في السنوات الأخيرة أنّ نسب الرّضا/السعادة لدى الفرد في العلاقة الحميميّة هي أحد أفضل المتنبّئات بحالته النفسية بشكل عام (إذا ما قارنّاها بنسب رضاه في المجالات والعلاقات الأخرى في الحياة، مثل العمل أو الصداقة أو العائلة أو المجتمع بشكل عام). فإذا قلّ الرضا فيها، قلّ الرضا في الحياة بشكل عام، والعكس بالعكس.
واستنتجت أبحاثٌ أخرى أنّ المتزوّجين يعيشون حياة أطول، تحديدًا حين تقلّ في علاقاتهم نسب الخلاف والعدوانية، وترتفع نسب الرضا والسعادة لدى الطرفين. بل إن بعض الدراسات خَلُصَت إلى أنّ الحالة الصحية ككلّ (بما فيها الجسدية والنفسية) تتأثّر بشكل واضح جدًّا بوجود المشكلات وغياب الرضا في العلاقة الزوجية.
وسواءٌ كنتَ من أنصار الحبّ من نظرة واحدة وتتصوّر أنّ العلاقة يجب أن تُولد من جاذبية وافتتان مباشر لا يمكن تفسيره عقلانيًّا، أو من أولئك الّذين يخطّطون لكل شيءٍ بالتفاصيل الدقيقة قبل الدخول في علاقة، ويرَونَ أنّها مشروع عقلاني للنضج والسعادة الهادئة المشتركة بين طرفين، فإنّك غالبًا ترغب بعلاقة مستدامة وسعيدة قدر الإمكان على الأمد البعيد.
ورغم أنّ هناك قناعة شائعة لدى البعض بأنّ الزواج أيًّا كان يُعتبر أفضل للإنسان من ألّا يكون متزوّجًا، فإنّ هذا كلام غير دقيق إذا ما عرفنا أنّ العلاقات السيئة والمليئة بالنزاعات والخلافات تخلّف آثارًا نفسيةً سيئة وتترك جروحًا غائرة في نفس الإنسان، وتمتد للأبناء والبنات (في حال وجودهم). لذلك، ليس كل العلاقات سواء. ويجادل الكثير من الخبراء الأُسَريّين بأنّ جودة العلاقة أهم من وجود العلاقة بحد ذاتها.
من هنا، تكمن أهمية قرار اختيار شريك الحياة. فهو الشخص الذي نقضي معه أغلب أوقات حياتنا (أكثر حتى من الوالدين والأبناء والأصدقاء)، وهي العلاقة التي تحتوي على أكبر قدر ممكن من الاعتمادية التبادلية بين الطرفين. ولأنّنا مجتمعات محافظة في طبعِها العام، يكتسب هذا القرار أهمية أكبر لعواقبه الكثيرة التي قد تكون إيجابية أو سلبية بحسب الحالة، إلّا أن الاهتمام باختيار شريك الحياة هي ظاهرة إنسانية عابرة للمجتمعات والثقافات، وإذا لم يكن لدى الغرب "داية أم زكي" التي تجمع الأزواج مع بعضهم بالمعنى الموجود لدينا، فإنّ لديهم "داية" إلكترونية تُدعى بمواقع "صانعي الأزواج (Matchmakers)"، وهو مجالٌ يزداد ضخامةً في حجمه والاستثمار به مع ازدياد اعتماد البشر على التكنولوجيا وطرق التواصل الإلكترونية.
ومع كل هذا الاهتمام من قبل المجتمعات وحتى "البزنس" بالعلاقات البشرية الحميمية، ما زال هناك الكثير من العلاقات غير الناجحة وغير السعيدة. فما العوامل الأهم في تنبؤ مصير العلاقات ونسب رضا الطرفين فيها؟
لماذا ينبغي عليّ اختيار شريك حياتي بعناية ولماذا تنجح العلاقات الزوجية؟
اختيار الزوج والشريك المناسب يعني ازدياد فرص واحتمالات نجاح العلاقة واستمرارها ورفع جودتها ومقدار الرضا والسعادة المتحقّق منها. وبالرغم من أنّ الوسط العلمي لم يصل بعدُ إلى مرحلة متقدّمة من تحديد العوامل وبشكل دقيق، فإن هناك دراسات جيدة تُشير إلى أنماط واضحة واتجاهات عامة تتشكل للإجابة عن هذا السؤال.
أوّلًا: من أهمّ هذه الاتّجاهات هي التأكيد على أهمية وجود قدرةٍ على النقاش والتفاوض لحلّ الخلافات وإدارة المشكلات، أي -باختصار- وجود طريقة صحية وفعّالة للتعامل مع الخلافات، بما يشمله ذلك من تقديم تنازلات مشتركة والسعي لفهم الآخر عبر الاستماع الحقيقي له ورؤية الخلاف بوصفه فرصة لتعميق العلاقة بدلًا من دفعها نحو الحافّة/الانفصال. ثمّة أبحاثٌ متزايدةٌ تدعم هذا العاملَ باعتباره الأهمّ، بل وقد قام بعضُها بإجراء تحليل معمّق استنتج أنّ الخلافات في العادة لا تكون هي المشكلة بحد ذاتها، وإنّما الإستراتيجيات التي يتعامل من خلالها الطرفان مع هذه الخلافات، ومدى حضور هذه الخلافات والإستراتيجيات غير الفعّالة في التعامل معها مقارنةً بحضور التفاعلات والمواقف الإيجابية بين الطرفين
. ويبدو أن التفاعل بين الزوجين وطرق حل الخلاف بينهما هو الأمر الذي تزداد أهميته مع مضيّ الزمن على حساب عوامل أخرى.
ثانيًا: تؤكّد أبحاثٌ كثيرة على أهمية وجود إحساسٍ عامٍّ بالأمان (Security) لدى الطرفين تجاه بعضهما بعضًا؛ لأنّ هذا الشعور -كما يقول متخصصون- هو شرطٌ أساسيّ لمشاعر وسلوكات أخرى تعزّز العلاقة ونسب الرضا فيها، مثل: الإفصاح عن الذات (Self-disclosure) دون خجل أو خوف، وتصوّر وجود دعمٍ دائم من الطرف الآخر حتى عند الخطأ والتقصير، والشعور بالأريحية في العلاقة الجنسية الحميمية، وكأنّ هذا كلّه يؤكّد نصيحة: "اقترب عندما تطمئن، لا عندما تنبهر".
ثالثًا: تشير دراساتٌ أخرى إلى مفهوم الصّداقة بوصفها عاملًا وسيطًا يؤدي دورًا مهمًّا في زيادة نسب الرضا والسعادة في العلاقات الحميمية.فإذا وُجدَت "صداقةٌ" بين الطرفين، كانت نسب الرضا أعلى. وهذا أمرٌ أُثبت -حرفيًّا- في دراسة تحليلية استخدمت قواعد بيانات تحتوي على إجابات مئات آلاف البشر(12)، ووجدت أن من تزوّجوا أشخاصًا يعتبرونهم "الصديق المفضل" كانت نسب رضاهم مضاعفةً مقارنةً بغيرهم (حتى عند تثبيت عوامل العمر والجنس والدخل المادي والوضع الصحي ونسب الرضا لدى الشخص ما قبل الزواج).
والصداقة تعني بطبيعة الحال وجود ثقة متبادلة ومتعة في إمضاء الوقت واهتمامات وتجارب مشتركة واحترام عميق للطرف الآخر بمعزلٍ عن العلاقة الحميمية بحد ذاتها. ويدخل تحت هذا الباب أيضًا الأبحاث التي وجدت علاقة مباشرة بين مشاركة التجارب باستمرار (تحديدًا الجديدة)(13).
يبدو أن امتلاك حسّ فكاهة مشترك بين الطرفين يدعم نسب الرضا الزوجي في العلاقة، بينما تلعب سمة القلق العاطفي دورًا سلبيًّا.
رابعًا: يبدو أن من أهمّ أساسات العلاقات الحميمية هو التكافؤ. أيّ أن تكون الاعتمادية متبادلة، وألّا يكون هناك اختلال في التوازن العامّ للعلاقة باتجاه طرف على حساب الآخر، بحيث يشعر أحدهما أنّه يقدّم الكثير دون أن يأخذ أو العكس.
هذا أمرٌ يتّضح أكثر بعد دخول العلاقة نفسها، لكنّ بعض المؤشرات قد تظهر قبل ذلك.)
خامسًا: درَست بعض الأبحاث عددا من الصفات المحددة في الشخصية ويبدو أن النتائج كانت متواترة بشأنها. ومن أشهر الأمثلة على ذلك هما: حسّ الفكاهة، حيث يبدو أن امتلاك حسّ فكاهة مشترك بين الطرفين يدعم نسب الرضا الزوجي في العلاقة، بينما تلعب سمة القلق العاطفي دورًا سلبيًّا، وتحديدًا إذا كان الطرفان يشتركان في تسجيل نسب عاليةٍ منها.
من المهم بعد كل هذا التذكيرُ بأنّ الكثير من الدراسات المذكورة تحيّد عوامل اجتماعية مهمّة، مثل: الوضع الاقتصادي أو الطبقة الاجتماعية أو الظرف السياسي والاقتصادي المحيط، لأنها -بطبيعة الحال- تؤثر على العلاقات. لذلك، ينبغي التنويه إلى أنّ التشابه في الطبقة الاجتماعية والوضع المادي يؤدي دورًا في زيادة نسب نجاح العلاقة.(18).
كيف أختار شريك الحياة المُناسب وما هي الخطوات العملية التي تساعد على ذلك؟
من الجيد التريّثُ والتفكير جيدًا وبتأنٍّ قبل اتخاذ القرارات المصيرية، وإعطاء مرحلة التعارف حقّها.
اعرف نفسك:
ربما تكون هذه النصيحة مبتذلة أو معتادة بعض الشيء، إلّا أنها تبقى -فعلًا- أمرًا مهمًّا في سياق العلاقات الإنسانية، فنحن لا نستطيع التواصل جيدًا مع شخص آخر إذا لم نعرف أنفسنا ولم نعرف كيف نقدّمها له. ومن التناقضات المثيرة للاهتمام -كما يقول متخصصون في علم نفس العلاقات- أنّ الشرط الأساسيّ للاتصال الحميميّ الحقيقي مع الآخر هو قدرتنا على أن نكون وحدنا ومتّصلين مع أنفسنا.
وهكذا، يبدو أن معرفة شخصياتنا ونمط تعلّقنا وطرقنا في حلّ الخلاف والتأمل الذاتي في سماتنا الشخصية هو أمرٌ في غاية الأهمية. وينصح متخصّصون أيضًا بوجود قدر معقول من الرؤية المستقبلية، على جميع الصُّعد (مهنيًّا واجتماعيًّا وعائليًّا).
اعرف الآخر قدر الإمكان دون خجل، ولا تتسرّع في اتخاذ القرارات المصيريّة:
ربّما يتّضح من العوامل التي عُرِضت بوصفها مؤشراتٍ على نجاح العلاقات طويلة الأمد أنّها عوامل تحتاج شيئًا من الوقت لكي تظهر، بل إنّ معظمها لا يظهر بشكل كامل إلا داخل العلاقة. ولذلك، من الجيد التريّثُ والتفكير جيدًا وبتأنٍّ قبل اتخاذ القرارات المصيرية، وإعطاء مرحلة التعارف حقّها. قد يشعر بعض الأشخاص بضغط اجتماعي كبير لإنجاز خطوة ما على هذا الصعيد، لكنّ الصّبر المترافق مع المزيد من التعارف الموجّه بشكل جيد عادةً ما يكون هو الخيار الأفضل بحسب المتخصصين. على صعيد آخر، قد يشعر البعض بخجل من مناقشة أمور حسّاسة أو خلافية، مثل القيم الأساسية ونقاط ضعف الشخصية والمعتقدات الدينية وطرق التعامل مع الغضب والخلافات، إلّا أنّ هذه النقاشات الصعبة والذهاب بها إلى أقصاها هو ما يصنع التفاهمات العميقة والحقيقية في معظم الأحيان.
وتذكّر أن الشعور بالأمان والأريحية هو أحد العوامل المهمّة أصلًا في إنجاح العلاقة.
لا تفقد حبّك ومشاعرك، ولكن لا تدعها تغطّي على رؤيتك العقلانية لطبيعة العلاقات البشرية:
مواضيع العائلة والأصدقاء والتعامل مع الغضب والخلافات تكشف الكثير عن طريقة تفكير الشخص، وتتقاطع مع الكثير من التحدّيات التي قد تواجهها أي علاقة حميمية.
يكاد يُجمع علماء نفس العلاقات على أنّنا سنتعرّض دائمًا لشكوك في دواخلنا بخصوص القرار الذي اتخذناه بدخول العلاقة والالتزام بها، لكن هذه هي طبيعة العلاقات البشرية. لن تجدَ شخصًا كاملًا طوال الوقت، وكلّما عرفتَ "عيوبه" بشكل مبكّر وحدّدت موقفك تجاهها، كان ذلك أفضل. فالنجاح في العلاقات الزوجية لا يكمن في تحقّق الكمال ولا الحياة السعيدة بشكل دائم، بقدر ما يكمن في الشعور بمعنى الاتّصال العميق بشخص آخر، وبناء أسرة، والنمو الذاتي عبر تقديم التنازلات والعطاء والتخلّي عن التمركز حول الذات.
من المهمّ تَبَعًا لذلك أن نبقي توقّعاتنا عقلانية من الآخَر ومن العلاقة ككلّ، وألّا ندع خيالاتنا الحالمة تسيطر على مواقفنا وقراراتنا. يقول "إريك فروم" إنّنا مشغولون جدًّا بإيجاد الشريك المثالي، لكننا لسنا مشغولين بأن نكون نحن الشريك المثالي وأفضل نسخة يمكن أن نكونها.
هناك شخصٌ أفضل من آخر بالتأكيد، لكنّنا عادةً ما نُغفل جانبًا مهمًّا من المعادلة هو: نحن. الكثير من البشر يعتمدون في توقّعاتهم للسعادة في العلاقات الحميمية على أفعال الآخر، لا على أنفسهم أو على تفاعلهم معه، رغم أن الأبحاث تظهر بوضوح أهمية التفاعل المشترك في رفع نسب الرضا وحتى الرغبة لدى الطرفين.
اسأل عن مواضيع "العائلة" و"الأصدقاء"، وكيفية التعامل مع الغضب/الخلافات:
ينصح متخصّصون واستشاريون في العلاج الأسري بالسؤال عن هذه المواضيع تحديدًا وبشكل معمّق، بصفتها تفتح الباب للكثير من الآراء والمواضيع المتّصلة. وهذا بدوره سيجعل التواصل في مرحلة التعارف أو اختيار شريك الحياة أكثر جدوى وفاعليّة. مواضيع العائلة والأصدقاء والتعامل مع الغضب والخلافات تكشف الكثير عن طريقة تفكير الشخص، وتتقاطع مع الكثير من التحدّيات التي قد تواجهها أي علاقة حميمية.
بالطبع هناك العديد من المواضيع الأخرى المهمّة لنقاشها، لكن هذه مقترحات مبدئية لا أكثر.
أدوات قد تساعدك
الأسئلة الـ36 التي طوّرها عالم النفس آرثر آرون لتكثيف الحبّ والتعرّف المُعمّق على الآخر
هي مجموعة أسئلة طوّرها عالم النفس آرثر آرون وزملاؤه عبر سلسلة من الدراسات ووجدوا أنّها فعّالة في خلق المشاعر الحميمية وتقويتها.
وتقوم فكرة هذه الأسئلة على "الانفتاح للآخر"، أيّ أن تكون قادرا على الإفصاح عن نفسك، عن ضعفك وعن مخاوفك وآمالك وتطلّعاتك أمام شريكك دون الشعور بالحرج. تناول أنتَ وزوجك سؤالين يوميا، وحاول أن تكون بالترتيب، حيث إنّ الأسئلة مرتّبة بحسب درجة الإفصاح، وحاولَا أن تمنحا نفسيكما أكثر وقت ممكن في الإجابة، وأن تستوضحا عن كلّ إجابة بالمزيد من الأسئلة، مثل: لماذا؟ وكيف؟ ومنذ متى؟
المصدر : الجزيرة
تعليقات
إرسال تعليق