إن شعرت بأنك غارق في الانشغال، فقد لا يكون ذلك هو واقع الحال، وهناك مجموعة من الحقائق المتعلقة بالحياة المعاصرة تبدو أكثر رسوخاً من حقيقة انشغال الناس بشكل دائم.
ففي أرجاء العالم الصناعي الذي نعيشه الآن، قالت أعداد كبيرة من الأشخاص الذين استطلعت آراؤهم لعدد من الباحثين، إنهم مثقلون بأعباء العمل، على حساب الوقت الذي يفترض أن يقضوه مع العائلة والأصدقاء.
يقول جوناثان جيرسهاني من مركز أبحاث استغلال الوقت في جامعة أكسفورد: "تقلب العناوين الرئيسية على مدار الخمسين عاماً الماضية يفيد بأن النساء يقمن بأعمال أقل بكثير غير مدفوعة الأجر، وأنهن يقمن بأعمال أكثر مدفوعة الأجر، وأن الرجال يقومون بأعمال أقل مدفوعة الأجر، وبأعمال أكثر بكثير غير مدفوعة الأجر".
لكن "مجموع الوقت الذي نقضيه في العمل يبقى كما هو بدون تغيير".
فضلاً عن ذلك، تظهر المعلومات والأرقام أن الناس الذين يقولون إنهم أكثر انشغالاً ليسوا كذلك بشكل عام.
ما الذي يجري يا ترى؟ جزء من الإجابة هو الاقتصاديات البسيطة. فعندما نمت الاقتصادات، وزاد دخل الفئات الميسورة مع مرور الوقت، بات الوقت أكثر قيمة.
فأي ساعة باتت قيمتها تساوي أكثر، لذا فإننا نواجه ضغطاً أكبر لنقوم بأعمال أكثر خلال مساحة أقل من الوقت. لكن ذلك أيضاً ناتج عن طبيعة العمل الذي يقوم به كل واحد منا.
في العصور الماضية، التي ساد فيها العمل في مجالات الزراعة أو التصنيع، كان العمل منهكاً من الناحية الجسدية، لكنه كان يتم وفق حدود معينة.
لكن في العصر الذي يطلق عليه استشاري الإدارة بيتر دراكر "العمل المعرفي"، تغير كل ذلك. فنحن نعيش في "عالم بلا حدود" كما يقول توني كرابي مؤلف كتاب "مشغول: كيف تزدهر في عالم مبالغ فيه".
هناك أيضاً المزيد من رسائل البريد الإلكتروني الواردة، والمزيد من الاجتماعات، وأشياء أكثر تحتاج للقراءة، وأفكار أكثر تحتاج للمتابعة، وتكنولوجيا الموبايل الرقمي تعني أنك تستطيع بسهولة أن تضع قائمة من الأشياء لتفعلها في البيت، أو أثناء الإجازة، أو أثناء ممارستك للرياضية.
نتيجة ذلك حتماً هو الشعور بأنك غارق في المهام وليس لديك متسع من الوقت، فكلنا بشر محدودو الإمكانيات، لدينا طاقة محدودة، وقدرات محدودة، ونحاول القيام بكمية أعمال غير محدودة.
ونشعر بأننا مضغوطون اجتماعياً لننجز كل شيء سواء في العمل أو في البيت، لكن ذلك ليس صعباً فقط، لكنه مستحيل من الناحية الحسابية.
ولا عجب أن نبقي أعيننا مفتوحة على الساعة نراقب مرور الدقائق مع شعورنا بضغط الوقت. لكن الأبحاث النفسية تظهر أن هذا النوع من الوعي بالوقت يقود عملياً إلى أداء أسوأ.
لذا فإن السياق المتناقض لهذا (الشعور بالانشغال) هو أننا نتعامل مع قائمة الواجبات التي يفترض القيام بها، لكن بكفاءة أقل مما لو لم نكن في عجلة من أمرنا.
ويصف كل من العالم الاقتصادي سيندهيل مولايناثان، وعالم السلوك إلدار شافير هذه المشكلة بما يعرف باسم "عرض النطاق الترددي المعرفي" والذي يعني الشعور بالندرة سواء في الوقت أو المال، وضعف القدرة الذهنية على اتخاذ القرار.
عندما تكون مشغولاً، يكون من المرجح أن تتخذ قرارات خاطئة فيما يتعلق بتنظيم الوقت، وتقوم بإلزام نفسك بأشياء لا تستطيع القيام بها، أو تقديم المهمات العبثية على المهمات الأساسية.
شعور مفزع ينتابك، يتمثل في أن إحساسك بأنك مشغول يجعلك مشغولاً حتى أكثر من ذي قبل.
الأسوأ من ذلك كله، هو أن هذه الحالة الذهنية تمتد لتؤثر على وقت فراغنا وراحتنا، بحيث أنه حتى عندما تتيح لنا الحياة فرصة ساعة أو اثنتين من الاستجمام، تجدنا نشعر بأن هذا الوقت ينبغي أن ينقضي "بطريقة منتجة" أيضاً.
من ناحية تاريخية، كانت حرية عدم العمل هي الرمز الأبرز للثراء والإنجاز والتفوق الاجتماعي. وسام الشرف الحقيقي كما عبر عنه الاقتصادي ثورستين فيبلين من القرن التاسع عشر، كان أوقات الفراغ.
في هذه الأيام، بات الانشغال هو المؤشر على المكانة العالية؛ حيث يقول جيرشاني: "ذوو المكانة العالية في مجتمعنا غالباً مشغولون جداً، وهذا ما ينبغي أن يكون. أنت تسألني: هل أنا مشغول وأنا أجيبك: أجل بالطبع أنا مشغول لأنني شخص مهم".
ولكي نرى كم هو عبثي تقييم النشاط الصرف بهذه الطريقة، خذ بعين الاعتبار حكاية رواها عالم السلوك الاقتصادي دان أريلي عن صانع أقفال قابله ذات مرة.
يقول أريلي: "في الأيام الأولى لممارسته هذه المهنة، لم يكن ماهراً كثيراً. فقد كان فتح أحد الأبواب يستغرق معه وقتاً طويلاً، وغالباً ما كان يلجأ إلى كسر القفل".
رغم ذلك كان الناس سعداء بدفع الأجرة له وزيادة عليها البقشيش. وعندما تحسن أداؤه من حيث الجودة والسرعة، اشتكى الناس من الأجرة، وتوقفوا عن دفع البقشيش.
لعلك تعتقد أنهم يقدرون تمكنهم من الدخول إلى منزلهم أو فتح أبواب سياراتهم بسرعة أكبر. لكن ما أرادوه في الواقع هو أن يروا صانع الأقفال يقضي وقتاً وجهداً أكثر في عمله حتى لو طال انتظارهم.
في أغلب الأوقات، يكون لنا موقف مماثل تجاه الآخرين، لكن فيما يتعلق بنا أنفسنا، ترانا نقيس قيمتنا ليس بالنتائج التي نحصل عليها، ولكن بكم الوقت الذي نقضيه في تحقيق تلك النتائج والإنجازات.-(بي بي سي)
ففي أرجاء العالم الصناعي الذي نعيشه الآن، قالت أعداد كبيرة من الأشخاص الذين استطلعت آراؤهم لعدد من الباحثين، إنهم مثقلون بأعباء العمل، على حساب الوقت الذي يفترض أن يقضوه مع العائلة والأصدقاء.
يقول جوناثان جيرسهاني من مركز أبحاث استغلال الوقت في جامعة أكسفورد: "تقلب العناوين الرئيسية على مدار الخمسين عاماً الماضية يفيد بأن النساء يقمن بأعمال أقل بكثير غير مدفوعة الأجر، وأنهن يقمن بأعمال أكثر مدفوعة الأجر، وأن الرجال يقومون بأعمال أقل مدفوعة الأجر، وبأعمال أكثر بكثير غير مدفوعة الأجر".
لكن "مجموع الوقت الذي نقضيه في العمل يبقى كما هو بدون تغيير".
فضلاً عن ذلك، تظهر المعلومات والأرقام أن الناس الذين يقولون إنهم أكثر انشغالاً ليسوا كذلك بشكل عام.
ما الذي يجري يا ترى؟ جزء من الإجابة هو الاقتصاديات البسيطة. فعندما نمت الاقتصادات، وزاد دخل الفئات الميسورة مع مرور الوقت، بات الوقت أكثر قيمة.
فأي ساعة باتت قيمتها تساوي أكثر، لذا فإننا نواجه ضغطاً أكبر لنقوم بأعمال أكثر خلال مساحة أقل من الوقت. لكن ذلك أيضاً ناتج عن طبيعة العمل الذي يقوم به كل واحد منا.
في العصور الماضية، التي ساد فيها العمل في مجالات الزراعة أو التصنيع، كان العمل منهكاً من الناحية الجسدية، لكنه كان يتم وفق حدود معينة.
لكن في العصر الذي يطلق عليه استشاري الإدارة بيتر دراكر "العمل المعرفي"، تغير كل ذلك. فنحن نعيش في "عالم بلا حدود" كما يقول توني كرابي مؤلف كتاب "مشغول: كيف تزدهر في عالم مبالغ فيه".
هناك أيضاً المزيد من رسائل البريد الإلكتروني الواردة، والمزيد من الاجتماعات، وأشياء أكثر تحتاج للقراءة، وأفكار أكثر تحتاج للمتابعة، وتكنولوجيا الموبايل الرقمي تعني أنك تستطيع بسهولة أن تضع قائمة من الأشياء لتفعلها في البيت، أو أثناء الإجازة، أو أثناء ممارستك للرياضية.
نتيجة ذلك حتماً هو الشعور بأنك غارق في المهام وليس لديك متسع من الوقت، فكلنا بشر محدودو الإمكانيات، لدينا طاقة محدودة، وقدرات محدودة، ونحاول القيام بكمية أعمال غير محدودة.
ونشعر بأننا مضغوطون اجتماعياً لننجز كل شيء سواء في العمل أو في البيت، لكن ذلك ليس صعباً فقط، لكنه مستحيل من الناحية الحسابية.
ولا عجب أن نبقي أعيننا مفتوحة على الساعة نراقب مرور الدقائق مع شعورنا بضغط الوقت. لكن الأبحاث النفسية تظهر أن هذا النوع من الوعي بالوقت يقود عملياً إلى أداء أسوأ.
لذا فإن السياق المتناقض لهذا (الشعور بالانشغال) هو أننا نتعامل مع قائمة الواجبات التي يفترض القيام بها، لكن بكفاءة أقل مما لو لم نكن في عجلة من أمرنا.
ويصف كل من العالم الاقتصادي سيندهيل مولايناثان، وعالم السلوك إلدار شافير هذه المشكلة بما يعرف باسم "عرض النطاق الترددي المعرفي" والذي يعني الشعور بالندرة سواء في الوقت أو المال، وضعف القدرة الذهنية على اتخاذ القرار.
عندما تكون مشغولاً، يكون من المرجح أن تتخذ قرارات خاطئة فيما يتعلق بتنظيم الوقت، وتقوم بإلزام نفسك بأشياء لا تستطيع القيام بها، أو تقديم المهمات العبثية على المهمات الأساسية.
شعور مفزع ينتابك، يتمثل في أن إحساسك بأنك مشغول يجعلك مشغولاً حتى أكثر من ذي قبل.
الأسوأ من ذلك كله، هو أن هذه الحالة الذهنية تمتد لتؤثر على وقت فراغنا وراحتنا، بحيث أنه حتى عندما تتيح لنا الحياة فرصة ساعة أو اثنتين من الاستجمام، تجدنا نشعر بأن هذا الوقت ينبغي أن ينقضي "بطريقة منتجة" أيضاً.
من ناحية تاريخية، كانت حرية عدم العمل هي الرمز الأبرز للثراء والإنجاز والتفوق الاجتماعي. وسام الشرف الحقيقي كما عبر عنه الاقتصادي ثورستين فيبلين من القرن التاسع عشر، كان أوقات الفراغ.
في هذه الأيام، بات الانشغال هو المؤشر على المكانة العالية؛ حيث يقول جيرشاني: "ذوو المكانة العالية في مجتمعنا غالباً مشغولون جداً، وهذا ما ينبغي أن يكون. أنت تسألني: هل أنا مشغول وأنا أجيبك: أجل بالطبع أنا مشغول لأنني شخص مهم".
ولكي نرى كم هو عبثي تقييم النشاط الصرف بهذه الطريقة، خذ بعين الاعتبار حكاية رواها عالم السلوك الاقتصادي دان أريلي عن صانع أقفال قابله ذات مرة.
يقول أريلي: "في الأيام الأولى لممارسته هذه المهنة، لم يكن ماهراً كثيراً. فقد كان فتح أحد الأبواب يستغرق معه وقتاً طويلاً، وغالباً ما كان يلجأ إلى كسر القفل".
رغم ذلك كان الناس سعداء بدفع الأجرة له وزيادة عليها البقشيش. وعندما تحسن أداؤه من حيث الجودة والسرعة، اشتكى الناس من الأجرة، وتوقفوا عن دفع البقشيش.
لعلك تعتقد أنهم يقدرون تمكنهم من الدخول إلى منزلهم أو فتح أبواب سياراتهم بسرعة أكبر. لكن ما أرادوه في الواقع هو أن يروا صانع الأقفال يقضي وقتاً وجهداً أكثر في عمله حتى لو طال انتظارهم.
في أغلب الأوقات، يكون لنا موقف مماثل تجاه الآخرين، لكن فيما يتعلق بنا أنفسنا، ترانا نقيس قيمتنا ليس بالنتائج التي نحصل عليها، ولكن بكم الوقت الذي نقضيه في تحقيق تلك النتائج والإنجازات.-(بي بي سي)
تعليقات
إرسال تعليق