القائمة الرئيسية

الصفحات

لماذا نخاف من الوقوع في الحب؟

يقول جلال الدين الرومي "لا تجزع من جرحك، وإلا فكيف للنور أن يتسلل إلى باطنك؟"، ومن هنا يتساءل بعضنا "لماذا تفشل العلاقات، ولماذا الحب مفقود؟"، وأسئلة أخرى كثيرة نطرحها في عقولنا صمتا بحثا عن إجابات بدون علم أنها تكمن داخلنا.
وسواء كنت تعرف أم لا، فكثيرون هم من يخافون من الوقوع في الحب، وهذه المخاوف تعبر عن نفسها بطرق متنوعة وتظهر في مراحل مختلفة من العلاقة، فيما نحن نحاول البحث عن ميناء دفاع بقاعدة قوية معتقدين أنها ستحمينا على المدى البعيد من التعرض للأذى.
وهذه الدفاعات تقدم لهم بشكل واهم مساحة من الأمان والسلامة، ولكنها تبعدنا عن تحقيق أي تقارب مع من نحب، وعليه ما الذي يعزز مخاوفنا من الاقتراب ممن نحب ومن الشعور بتلك الحميمية والمشاعر الجميلة ويحرمنا من لذة الوقوع بالحب واختباره بقدر ما حلمنا به:
- الحب الحقيقي يشعرنا بالضعف، فأي علاقة جديدة تكون مجهولة لكلا الطرفين، وغالبيتنا العظمى يحمل مخاوف طبيعية من المجهول، والسماح لأنفسنا الوقوع في الحب يعني مخاطرة حقيقية ربما، حيث نضع ثقة في شخص آخر ونتيح لهم التأثير بنا، ما يجعلنا نشعر بالضيق والضعف.
وهنا تشعر الدفاعات الأساسية لدينا بالتحدي، فأي عادة نمارسها منذ مدة طويلة تشعرنا بالثقة والقوة وبأننا مكتفون ذاتيا، وحين تدخل هذه المشاعر الجديدة نميل للاعتقاد بأنه كلما زاد الاهتمام الممنوح من قبلنا زاد حجم الألم والضرر الذي سينجم عن منح مثل هذه المشاعر.
- الحب الجديد يوقظ آلام الماضي، فحين ندخل في علاقة نادرا ما نكون مدركين كيف نتأثر بتاريخنا السابق وماضيه على كل ما هو آت. فأي أذى سابق تعرضت له من علاقة خضتها في الماضي بدءا من الطفولة يملك تأثيرا قويا على طريقة تصورنا للناس وقربنا منهم وتحديدا الطريقة التي نتصرف بها في العلاقات الرومانسية.
فالديناميات السلبية من الماضي تثير مشاعر قديمة ترتبط بالألم والفقدان وغياب الثقة بالنفس والغضب والرفض، فحين تتوق لشيء مثل الحب، فإنه غالبا ما يرتبط بالألم، وهو أمل يستحضر كل ما لم تحصل عليه سابقا.
- الحب يتحدى هويتك السابقة، فكثير منا يناضل مع مشاعره الكامنة التي ترتبط بشعوره بأنه غير محبوب، ويواجه مشكلة في الشعور بقيمته وبأن يصدق بأن هنالك شخصا سيعجب به ويحبه أو يهتم به.
وكلنا نملك ذلك الصوت الداخلي الذي ينتقدنا ويتصرف كمدرب قاس داخل رأسنا ويخبرنا بأننا لا نستحق أي اهتمام ويقلل من استحقاقنا للسعادة. وهذا المدرب أو الصوت النقدي داخل رأسك كونته تجارب مؤلمة في الطفولة، ومواقف محرجة تعرضت لها في مرحلة مبكرة فضلا عن مشاعر الوالدين إزاء أنفسهم.
وهذا أمر مرتبط بالتنشئة بالأسر المفككة والمحيط الأسري غير صحي، وفيها عملية النضوج والتطور العاطفي لم تفهم بشكل صحيح، وحينها يكون الطفل لم يفهم ويدرك غاية وأهمية احترامه كفرد، وفي هذا النوع من الأسر، تكون احتياجات الوالدين والبالغين أهم وأكثر أولوية، بحيث تصبح مهمة تربية الأطفال أمرا ثانويا، والخلل الوظيفي هو النتيجة المحتملة.
والطفل في هذه البيئة لن يفهم أهمية الحدود العاطفية، كونه يفتقر للدعم العاطفي من محيط أسرته التي تشعره بهويته الخاصة، التي تحدد بالتعامل داخل الأسرة وتنعكس على الخارج، ولاحقا تسبب له خللا في التعامل مع الآخرين، وسيتصرف كوالديه فيما يتعلق بعلاقاته وعواطفه. وهذا الأمر سيسبب له التأرجح بين مشاعر الإحاطة من جهة ومشاعر التخلي من ناحية أخرى وخلل في علاقاته لاحقا، لأنه سيشعر بالضبابية إزاء الحدود الشخصية الخاصة به.
وهو بهذه الحالة عرضة للصعوبة في علاقاته من خلال بناء جدران عازلة تمنعه من تكوين روابط وثيقة مع الآخرين في مراحل البلوغ والانفصال والانعزال عن والديه والتي تترجم لإحساس الانعدام بالهوية.
فحين نفتقر للإحساس بهويتنا الخاصة بنا وبحدود الذات، التي تحمينا وتحدد فرديتنا، فإننا نميل إلى رسم هويتنا وإحساسنا بقيمة الذات من خلال الشريك أو شخص آخر مهم تماما، كما كنا نفعل في مراحل سابقة من النمو البيولوجي في العائلة؛ إذ إننا نستند للإحساس بقيمة الذات من الطريقة التي ينظرون بها لنا.
وهذه المواقف يمكن أن تكون مؤلمة ومع مرور الوقت تترسخ فينا، وكبالغين نفشل في رؤيتها كعدو، وبدلا من هذا نقبلها كوجهات نظر مدمرة نتبناها، وهذه الأفكار النقدية التي يمارسها الصوت الداخلي في رأسك وهي في الأصل مؤذية، وحين يراك شخص بطريقة مختلفة عن الصورة التي زرعتها في رأسك وكما تراها أنت بطريقة مختلفة عما يصوره لك ذلك الصوت، تبدأ بالشعور بعد الراحة وتتصرف بشكل دفاعي كتحد ورد فعل على هذه النقاط.
- الحب يكون أحيانا غير متكافئ، فبعض من يتورط في علاقة وحب يشعر بأن الطرف الآخر يحبهم بشكل أكثر منه، ويشعرون بالقلق إزاء هذا الأمر، ويقلقون أنهم إن تعمقت تلك العلاقة والمشاعر لن تتطور مشاعرهم بقدر الطرف الآخر، ما يحتم الشعور بالرفض والخوف من الفشل.
والحقيقة هي أنه في الحب لا يوجد توازن بين الطرفين، فأحدهما يحب الآخر بشكل أكبر، وشعورنا إزاء الآخر عرضة للتغير في غضون ثوان معدودة بين مشاعر الغضب والحقد والكراهية.
وهذا القلق بالطريقة التي يشعر بها كل فرد إزاء الآخر وكيف ستتطور يتيح ويعزز الشعور بالذنب ويعيق القدرة على التعبير عنها ويمنعنا من رؤية الطريق وكيفية سير الأمور.. وهذا يعني أنه يجب أن تترك كل شيء مفتوحا بهذا الطريق، خاصة في طريقة تطور المشاعر التي تحتاج دائما لوقت لأنه يمنع من منح الاهتمام للطرف الآخر ويعيق الشعور بالسعادة.
- الحب يثير مخاوف وجودية، فكلما امتلكنا أكثر زادت فرصة فقدانه، بمعنى أنه كلما زاد اهتمامك بالشخص وتعمقت علاقتك به زاد الخوف من فقدانه.
وحين نقع بالحب نواجه فقط خوف فقدانهم ونقدر الحياة أكثر ونتحمل قيمة ومعنى عميقا برفقتهم. وفكرة فقدهم تصبح مؤرقة ومؤلمة وبين محاولات التغطية على هذه المشاعر نميل للابتعاد غير مدركين أننا من ندمر هذه العلاقة. والأصل أن يكون الوقت الذي نمضيه معهم دافعا لعيش كل لحظة وتقديرها وعيشها بكل ما لدينا من حب للحياة تحركنا مشاعر الخسارة فنترك هذا الحب خوفا من عيش ألم فقدانه في وقت نرسم فيه ألما أكبر، وهو الابتعاد عنه بسبب خوف يمكن تجاوزه بعيش اللحظة نفسها، فلا أحد يملك الغيب ولكن على الأقل قادر على امتلاك تلك اللحظات.
Reactions

تعليقات