أيقظها المنبه من سباتها مرة أخرى، تنهدت ليبدأ يوم آخر بالعذاب موصول، نهضت من سريرها بدأت بتحضير وجبة الفطور مع الشاي، ينهض بعدها ترى في عيونه الكراهية والضيق وهما يتحضران للخروج إلى العمل، يركبان السيارة تتمنى لو أنها خلقت صماء حتى لا تسمع كلماته التي يلقيها طوال الطريق عن كل من يصادفهم ، يوصلها إلى مكان عملها تلقي تحية الوداع تغلق باب السيارة وتتنفس الصعداء ست ساعات من الراحة الجميلة مع زملاء زميلات العمل، الجميع يحبها ويحترمها تفكر وهي تمشي الخطوات القليلة إلى باب الوزارة استكثر عليّ راحة مشوار الطريق باع سيارته واستولى على سيارتي بحجة - لا داعي لسيارتين في المنزل- هكذا ظنت في وقتها، بعد الراحة العذاب مرة أخرى عليهم تناول طعام الغداء مع والدته وأخوته والتي نكيل لها من لسانها السليط ما يكفي لتدمير اسطولا بحريا، الشجرة التي لا تثمر قطعها حلال، المطر خسارة فيها كيف وانت تسقيها، تسمع ولا تنبس ببنت شفة - بنات الناس تسمع مسبة أبيها وتسكت هكذا قالت لها أمها- تكمل واجبها اليومي بغسل صحون الغداء تنزل إلى سجنها طواعية وهو يخرج مع أصدقائه، يعتقد أنها عديمة الإحساس فقد سمعته أكثر من مرة يتحدث بالهاتف ويصفها بأنها خشبة أو لوح ثلج ومصيبة عليه أن يتحملها، بكت كثيرا بدون دموع فقد جفت دموعها منذ زمن وأصبح شهيقها وزفيرها كصوت ناي حزين أو كمان باكٍ لا يقرأه إلا فنان مرهف الإحساس. قالت لها إحدى زميلاتها يوما وراء هذه الابتسامة حزن كبير من يراك يظنك سعيدة ومن يقترب منك يغرق في حزنك، فأغرقتها في حزنها وأصبحت مستودع أسرارها والصدر الذي تبكي عليه كل يوم، فأخبرتها كيف تحمس والدها عندما خطبها والد زوجها له ، أخبرها هذا ابن صديقي ورفيقي في النضال وأكثر من أخ لي ستكونين مع ولده كأنك في بيتي لن يختلف عليك شيء، والد زوجها توفي بعد أشهر من زواجها ووالدها توفي بعده بعام. أخبرت والدتها بعد عودتها مما يسمى شهر العسل أنها تكرهه، أخبرتها أنَ الحب يأتي بعد العشرة والأولاد، وشاء الله أن تكون ممن قدر لهم عدم الأنجاب وأخبرها طبيبها أن لا جدوى من تكرار المحاولة لأنها تعاني من خلل جيني وأن تستمتع بالحياة وتسافر وتعيش، هو لم يتأثر بما قال الطبيب وكأنه قد سلم منذ زمن. وقدرت ان الله قد حرمها الأولاد لحكمة وأخبرت صديقتها كيف أن معدتها تؤلمها لمجرد سماع صوت زوجها أو أمه، ولكن عندما اشتد عليها الألم أخذتها صديقتها خلال أوقات الدوام إلى الطبيب فأخبرها أنه عليها إجراء كثيرا من الصور والتحاليل والعودة إليه ، لم تكن ترغب بعمل شيء ولكن صديقتها أصرت عليها وكان ما كان وعادوا إلى الطبيب الذي أخبرها أن النتائج جاءت مطابقة لتوقعاته وإنها تعاني من ورم بالمعدة قد يكون ثانويا وعليها مراجعة مركز الحسين، فرحت بالخبر أنه الخلاص أخيرا، ذهبت إلى البنك وأودعت كل ما تملك باسم ابن شقيقتها وربطته لأجل حتى يبلغ الثامنة عشرة، وتقدمت بمعاملة التقاعد ثم أخبرت زوجها بمرضها وأنها يجب أن تعود إلى بيت والدها كي تستطيع والدتها وأخواتها رعايتها لم يعارض وأوصلها إلى اربد وعادت إلى مسقط رأسها ومرتع الصبا والشباب، زارها كل صديقاتها من المدرسة والجامعة وكذلك الأقارب كما زارها جميع رفاق والدها الذي كان يحظى باحترام الجميع، وكانت تذهب إلى جلسات العلاج مع شقيقتها وتلاقيهما صديقتها في المركز ، ستة أشهر من المعاناة لم يأت العلاج بنتيجة وتدهورت صحتها وباتت على عتبة الموت وإذا به يزورها وكانت قد علمت من رفاق والدها أنه كان قد تزوج من زميلة له في العمل بعيد وفاة والده بأشهر وله منها ثلاث أولاد وبنت، وأنه قد أعطاها سيارته التي ادعى انه باعها واستولى على سيارتها، تصرفت كأنها لا تعلم شيئا واستقبلته بالترحاب وسألته عن أموره سكت طويلا ثم سألها أردت أن أسألك عن قطعة الأرض التي اشتريتها عن طريق الوزارة وهل سددت قيمتها وأين يوجد سند التسجيل، يا ويلي لقد نسيت أمرها غابت عن بالي لا يهم ستقاسمه أمي وأخوتي النصف الآخروكنت أظن أنك أتيت لتودعني، ردت عليه لا أعلم ربما بالمنزل أو بالعمل ما عدت أذكر أين وضعت سند التسجيل، غادر على عجل ولم تره بعدها ساءت صحتها كثيرا ودخلت بالنزاع الأخير ودعها جميع الأحبة، هو لم يظهر أبدا، دخلت في غيبوبة أيام قليلة ثم توفيت صباحا، أخبرتها صديقتها وهي تغسلها وتجهزها إلى رحلتها الأخيرة بأنه لم يحضر لوداعها ولا لدفنها، علت وجهها ابتسامة جميلة .....وأخيرا رحلة ذهاب بدون منغصات .
إليها إلى روحها الجميلة التي ترقد بسلام.
نبيلة زيدان
تعليقات
إرسال تعليق