“الله يصبرني على هالعيشة”، “حظي سيئ”، “ليش أنا اللي بصير معي هيك” “كل شي بالحياة سيئ”، هذه هي العبارات التي تتردد على مسامع الأربعيني أسعد علي من قبل زوجته بمجرد دخوله المنزل.
فـ “التأفف” و”التنفيخ” والشكوى والتذمر هو ما يسمعه أسعد طوال الوقت، ما جعله لا يرغب بالعودة إلى منزله، حتى وإن أنهى عمله وأنهكه التعب، لأنه بات لا يجد طعم الراحة مع تصرفات زوجته الشكاءة، فيفضل الذهاب إلى أي مكان بعيدا عن هذه الأجواء المشحونة بالتوتر.
ويؤكد أسعد قائلا “لا يوجد امرأة تتقن الشكوى والتذمر مثل زوجتي، فهي فنانة في التمثيل واصطناع ملامح التعب، وهي دوما تعيش دور الضحية، وترسم ملامح الإرهاق والمرض من العمل وضغوطات المنزل على وجهها وصوتها بمجرد دخولي المنزل، وتردد سؤالها الدائم وهو “متى سأعيش مرتاحة مثل باقي النساء؟”.
أما الثلاثيني مصطفى أحمد فيحرص دائماً على أن يتأكد قبل خروجه مع أصدقائه من أن أحدهم ممن يتقن فن الشكوى والتذمر غير موجود في “الجمعة”، وفي حال كان مدعوا يعتذر بطريقته، مؤكدا أن “ذلك الشخص يشحن الجو بالنكد”.
ويصف إبراهيم هذا الصديق بأنه شخص لا يجيد الحديث إلا بالتذمر وكثرة الشكوى، وفي غير ذلك لا يمكن له أن يشارك بأي موضوع، مبيناً أن الظروف التي يمر بها صديقه هذا يمر بها الشباب كلهم، مؤكدا أن صديقه هذا يفضل أن يعيش دور المغلوب على أمره، وبأنه يضع مشاكل الدنيا فوق رأسه، وهو بذلك يقلب “الجمعة” إلى توتر وكآبة لا توصف.
وكثيرو الشكوى والتذمر في رأي الاختصاصي الاجتماعي د. حسين الخزاعي ينقسمون إلى نوعين؛ منهم من يصطنع الشكوى ليبعد الأنظار عنه، والنوع الآخر هو من يشتكي من واقع يعيشه فعلا، مؤكدا “أنه لا يجوز الاستمرار بالتذمر والشكوى أمام الآخرين”.
والهدف من الشكوى، وفق الخزاعي، قد يكون الفضفضة وإيجاد حل لمشكلة ما من قبل الآخرين، منوها إلى أن كثرة التذمر تؤكد أن الفرد غير قادر على إيجاد حلول لنفسه، أو قد تكون نوعا من الهروب من الواقع، أو قد تكون كمحاولة الفرد ليعيش دور الضحية كي يحصل على الشفقة والعطف من قبل من حوله، خصوصاً إذا كان ضعيف في مجال معين.
نهى أحمد هي الأخرى تكره المتذمرين، وتشير إلى أن إحدى شقيقاتها تحب التذمر والشكوى بشكل مستمر، مضيفة “شقيقتي هذه لديها طفلان، إلا أن من يجلس معها يظن أن لديها 10 أطفال من كثرة التذمر والشكوى، ودائما تؤكد أنها لا تجد وقتا كافيا لعمل شيء في المنزل، وأن الأطفال وزوجها أتعبوها وأن مسؤوليات البيت كثيرة، وأنها لا تستطيع تحمل ظروف هذه الحياة الصعبة”.
وتضيف نهى أنها شخصياً لديها 5 أولاد، إلا أنها لا تشتكي وتتذمر مثل أختها، وشخصيتها على العكس عندما تخرج من المنزل، إذ تفضل قضاء وقت ممتع ومفرح بعيدا عن أي مشاكل ومسؤوليات، موضحة “شقيقتي هذه نتجنب أنا وأخواتي الاتصال بها حتى عبر الهاتف، لأننا حفظنا عن ظهر قلب ما ستقوله”.
وفي ذلك يقول الاختصاصي النفسي د. موسى مطارنة إن المتذمرين بطبيعتهم يحاولون دائماً استجداء عاطفة الآخرين، كما يسعون إلى إشعار من حولهم بأنهم مظلومون، وبأنه لا أحد يقدر ما يبذلونه.
ويبين أن من يحمل صفة التذمر والشكوى يكون قد تعرض في بداية مسيرة حياته إلى حالة من الوحدة والعزلة الاجتماعية، وهذا ما يدفعه لإشعار الآخرين بأن متعب ومريض، مؤكدا أن ذلك “اضطراب نفسي بحاجة لعلاج”.
أما خبير علم الطاقة حسام قطب فيؤكد أن الشخص المتذمر إنسان يؤذي من حوله كثيراً، ويبث في نفوسهم مشاعر سلبية، وهو شخص غير مرغوب فيه على الإطلاق.
ويضيف قطب أن الفرد بحاجة دائماً إلى من يعطيه طاقة ايجابية وتفاؤلا، وإلى من يكون شاكرا لله على حاله، مبينا أن المتذمر يضر نفسه في البداية قبل غيره.
وهذا ما يؤكده أيضا الخزاعي، إذ يذهب إلى أن كثير التذمر والشكوى هو إنسان غير محبوب وغير مقبول اجتماعيا، ويجب عليه تعديل سلوكه فورا ليكسب من حوله.
في حين يدعو مطارنة من يمارسون هذا السلوك التخلص منه فورا، كونه عادة سيئة ومنفرة لمن حولهم.
تعليقات
إرسال تعليق