بعض القرارات التي يتم إعدادها في الفصوص الأمامية للدماغ قد تؤدي بهم إلى الضياع. وهناك موقع محدد في المقدم الجبهي للقشرة الدماغية يرمز له ب (VMPFC(4 يُعد من بين المشتبه فيهم في التسبب حديثا في الانفجار الاقتصادي الكبير الذي هزّ العالم.
وقد احتل الموقع VMPFC في الدماغ موقعا مركزيا فيما يطلق عليه الاقتصاديون «الوهم المالي» money illusion. ويحدث هذا الوهم عندما يهمل الناس معلومات واضحة حول الآثار التشويهية للتضخم في عملية شراء، أو عندما يقررون في خطوة غير رشيدة أن الشيء يساوي أكثر مما يستحق فعليا. والوهم المالي قد يقنع المشترين بأن العقار هو استثمار عظيم بسبب التصورات الخاطئة بأن الأسعار لا بد وأن ترتفع. ويرى <J.R.شيلر> [أستاذ الاقتصاد في جامعة ييل] أن المنطق الخاطئ للوهم المالي أسهم في نشوء فقاعة أسعار المساكن: «إذ إن الناس غالبا ما يتذكرون السعر الذي دفعوه لمسكنهم قبل أعوام عديدة، ولكنهم لا يتذكرون أسعارا عديدة أخرى في ذلك التاريخ، ومن ثم يتولد لديهم الانطباع الخاطئ أن أسعار المساكن ارتفعت بشكل أكبر من الأسعار الأخرى، وهو ما يولد لديهم الانطباع المُبالغ فيه حول الاستثمار المحتمل في المساكن.»
وهناك جدال بين الاقتصاديين عبر عقود من الزمن حول ما إذا كان الوهم المالي، وبوجه أعم، التأثير اللاعقلاني في المعاملات الاقتصادية، هما في حد ذاتهما وَهْمٌ. فالاقتصاديّ النظريّ الشهير في المجال المالي <M.فريدمان> يُسَلِّمُ بأن المستهلكين وأصحاب الأعمال هم عقلانيون يأخذون التضخم في الاعتبار عندما يقومون بعمليات شراء أو دفع أجور، وبعبارة أخرى، فإنهم يقدرون جيدا ما تساويه القيمة الحقيقية لسلعة من السلع.
ولكن أفكار الاقتصاديين السلوكيين، الذين يدرسون دور العامل النفسي في صنع القرارات الاقتصادية، تحظى باهتمام متزايد في عالم اليوم، حيث إن العلماء على اختلاف طرائقهم يسعون جاهدين إلى فهم سبب انهيار الاقتصاد العالمي بهذه الشدة والسرعة. ويساند أفكارهم علماء الدماغ الذين يعتمدون في ذلك على لقطات متتابعة داخل الجمجمة للموقع VMPFC والمناطق الأخرى من الدماغ. وعلى الخصوص، هناك تجربة تم الإعلان عنها في الشهر 3/2009 في وقائع مؤتمر الأكاديمية الأمريكية للعلوم من قبل باحثين من جامعة بون في ألمانيا ومعهد كاليفورنيا للتقانة، بينت أن بعض دارات صناعة القرار في الدماغ قد أظهرت وجود وهم مالي على صور من ماسح الدماغ(5)، حيث أضيء جزء من الموقع VMPFC عند الأشياء التي لاقت مبلغا نقديا أعلى، حتى وإن لم تتغير القوة الشرائية النسبية لهذا المبلغ، بسبب ارتفاع الأسعار أيضا.
مجلة العلوم
تعليقات
إرسال تعليق