هذا السؤال طرحه عالم الفيزياء الحائز على جائزة نوبل ميتشيو كاكو على أكثر من 150 عالما، وتوصل إلى تصورات قدمها في كتاب تحت هذا العنوان، ثمة إجماع على أن التقدم العلمي في القرن العشرين تميز بمجالات أو ثورات ثلاث، وهي الذرة، والحاسوب، والجينات، فقد مكنت نظرية الكم من فهم المادة، ويغير الكمبيوتر أنماط حياتنا وبخاصة عندما توزع الأنظمة الذكية بالملايين في كل الأنحاء المحيطة بنا، وفتحت معرفة شيفرة الجينوم البشري المجال للطب والعلم لتحسين الحياة.
بدأت الثروة مع هذه التحولات العلمية بالتحول أيضا لتنتقل من المصادر الطبيعية إلى المعرفة والمهارات والأفكار والخيال والابتكار والقدرات العقلية وتنظيم المعرفة والتقنية، فالاقتصاد اليوم يكاد يتركز في الالكترونيات الدقيقة والتكنولوجيا الحيوية والاتصالات والكمبيوتر والذكاء الصناعي.
إن طاقة الكمبيوترات تتضاعف كل ثمانية عشر شهرا، وبحلول العام 2020 ستكون المعالجات الدقيقة رخيصة الثمن ومنتشرة بكميات هائلة، وسيغير هذا كل شيء حولنا وفي طبيعة التجارة والثروة والاتصالات والحياة والعمل والمعيشة، وسوف يتيح تطور التكنولوجيا الحيوية فرص زراعة أجهزة بالغة الذكاء والصغر في جسم الإنسان لزيادة قدراته وللشفاء من الأمراض وحل المشكلات الجينية والصحية وتحسين الصحة والقدرات الجسمية والذهنية، وسوف يزيد تبعا لذلك مستوى العمر المتوقع، وهو بالفعل آخذ بالزيادة باطراد.
وبحلول منتصف القرن سوف يبدأ الإنسان الآلي بالعمل في السوق بقدرات تضاهي قدرات الإنسان، فسوف يكون قادرا على فهم لغة البشر والتعلم من أخطائه ومتمتعا بحس سليم وقدرة على التمييز، وسوف يؤدي التصغير إلى ثورة صناعية ثانية، مثل إنشاء آلات بالغة الصغر ولكنها تملك قدرات هائلة (النانو تكنولوجي).
ويتيح التصغير المتواصل المجال لمصادر طاقة جديدة قادرة على القيام بما تؤديه اليوم الأجهزة والمحركات الثقيلة التي تحتاج إلى طاقة تقليدية هائلة لن تكون متاحة بعد نضوبها.
وبحلول عام 2100 سوف يكون بمقدور الإنسان نسخ العقل البشري على شرائح ترانزستور صغيرة بحجم الجزيئات، وسوف تنقل القدرات العصبية والذهنية للإنسان إلى الكمبيوتر، وقد يمتد التقدم العلمي إلى تعديل الطقس واستخراج المعادن من المحيطات واستخلاص الطاقة من مركز الأرض، وقد تمتد إلى الكواكب والنجوم لجر الطاقة والمياه والمعادن إلى الأرض، أي استعمار العالم الخارجي، ولكنها تنبؤات ربما تحتاج إلى قرون عدة، وبالمناسبة فإنها فترة زمنية تبدو مثل طرفة عين (قبل أن يرتد إليك طرفك) بالنسبة للمقاييس الكونية.
إننا اليوم كما يقول كاكو في مرحلة بدائية طفولية في سلم الحضارة، مثل أطفال يحركون خطواتهم الأولى الثقيلة المترددة، ولكن البشرية برأيه بعد قرن من الزمان سوف تكون أكثر ثقة بنفسها وأكثر إدراكا للعالم وستأخذ خطوتها الأولى نحو النجوم.
لقد جعلت المعلوماتية من الكوكب الأرضي مجتمعا كونيا واحدا له ثقافته ومصالحه المشتركة وتنصهر فيه المصالح والثقافات كلها، وقد يحول ذلك العالم إلى مرحلة جديدة من الاتحاد والتعاون والعمل المشترك وقيام حضارة كوكبية جديدة تنحي جانبا الصراعات الدينية الطائفية والوطنية والمذهبية.
وبالطبع يمكن بسهولة تقدير التداعيات الاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية المصاحبة لهذه الثورات العلمية، وربما يكون بعضها كارثة على البشرية، ولكن من المؤكد أن البشرية تتقدم، ومن ثم فإن الكوارث والأزمات الجديدة التي سوف تنشأ أو المتوقع حدوثها لا تقلل من شأن تنبؤات التقدم العلمي والثقافي والاجتماعي.
العلم كما قال إسحق نيوتن مثل أصداف يلقي بها إلينا البحر، ويمثل المحيط بامتداده وعمقه الجزء غير المكتشف بعد، ولكن كما يقول أينشتين: إذا كنا لا نعرف عن الأسد شيئا سوى أننا شاهدنا ذيله، فإن هذا الذيل يدلنا عليه، ويبقى أن السؤال الأكثر غموضا أو الأكثر تعذرا على الفهم كما يقول أينشتين هو؛ لماذا نستطيع أن نفهم أي شيء أصلا؟.
تعليقات
إرسال تعليق