قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج: 62] وقوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1].
وقوله: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد: 9].
قال الخطابي: ("العلي": هو العالي القاهر، فعيل بمعنى فاعل، كالقدير والقادر والعليم والعالم، وقد يكون ذلك من العلو الذي هو مصدر علا، يعلو، فهو عال، كقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5]، ويكون ذلك من علاء المجد والشرف، يقال منه: علي يعلى علاء، ويكون الذي علا وجل أن تلحقه صفات الخلق أو تكيفه أوهامهم) اهـ ((شأن الدعاء)) (ص: 66). .
وقال البغوي في قوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ [الحج: 62]: (العالي على كل شيء) ((تفسير البغوي)) (5/26). .
وقال ابن كثير: (وقوله: وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج: 62] كما قال: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة: 255].
وقال: الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد: 9]، فكل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته، لا إله إلا هو، ولا رب سواه؛ لأنه العظيم الذي لا أعظم منه، العلي الذي لا أعلى منه، الكبير الذي لا أكبر منه، تعالى وتقدس وتنزه عز وجل عما يقول الظالمون المعتدون علواً كبيراً) اهـ ((التفسير)) (3/232).
وقال أبو بكر بن خزيمة رحمه الله: (وقال جل وعلا: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى: 1]، فالأعلى مفهوم في اللغة أنه أعلى كل شيء، وفوق كل شيء، والله قد وصف نفسه في غير موضع من تنزيله ووجوهه، وأعلمنا أنه العلي العظيم، أفليس العلي – يا ذوي الحجى – ما يكون عالياً، لا كما تزعم المعطلة الجهمية أنه أعلى وأسفل ووسط ومع كل شيء، وفي كل موضع من أرض وسماء، وفي أجواف جميع الحيوان، ولو تدبروا الآية من كتاب الله ووفقهم الله لفهمها لعقلوا أنهم جهال لا يفهمون ما يقولون، وبان لهم جهل أنفسهم وخطأ مقالتهم.
قال الله تعالى لما سأله موسى عليه السلام أن يريه ينظر إليه قال: لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ [الأعراف: 143] إلى قوله: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا [الأعراف: 143]، أفليس العلم محيطاً – يا ذوي الألباب – أن الله عز وجل لو كان في كل موضع ومع كل بشر وخلق – كما زعمت المعطلة – لكان متجلياً لكل شيء، وكذلك جميع ما في الأرض لو كان متجلياً لجميع أرضه سهلها ووعرها، وجبالها براريها ومفازها، مدنها وقراها، وعمارتها وخرابها، وجميع ما فيها من نبات وبناء، لجعلها دكاً كما جعل الله الجبل الذي تجلى له دكا، قال تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا [الأعراف: 143]) اهـ ((كتاب التوحيد)) (ص: 112). .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وهو سبحانه وصف نفسه بالعلو، وهو من صفات المدح له بذلك والتعظيم؛ لأنه من صفات الكمال، كما مدح نفسه بأنه العظيم والعليم والقدير والعزيز والحليم ونحو ذلك، وأنه الحي القيوم، ونحو ذلك من معاني أسمائه الحسنى، فلا يجوز أن يتصف بأضداد هذه، فلا يجوز أن يوصف بضد الحياة والقيومية والقدرة، مثل الموت والنوم والجهل والعجز واللغوب، ولا بضد العزة وهو الذل، ولا بضد الحكمة وهو السفه.
فكذلك لا يوصف بضد العلو وهو السفول، ولا بضد العظيم وهو الحقير، بل هو سبحانه منزه عن هذه النقائص المنافية لصفات الكمال الثابتة له، فثبوت الكمال له ينفي اتصافه بأضدادها وهي النقائص) اهـ ((مجموع الفتاوى)) (16/97-98). .
وقال ابن القيم رحمه الله:
هذا ومن توحيدهم إثبات أو
صاف الكمال لربنا الرحمن
كعلوه سبحانه فوق السمـــ
ـــاوات العلى بل فوق كل مكان
فهو العلي بذاته سبحانه
إذ يستحيل خلاف ذا بيان
وهو الذي حقا على العرش استوى
قد قام بالتدبير للأكوان
وقال:
وهو العلي فكل أنواع العلو
فثابتة له بلا نكران ((النونية)) (2/213-214).
وقال السعدي: ("العلي الأعلى": وهو الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه: علو الذات، وعلو القدر والصفات، وعلو القهر، فهو الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وبجميع صفات العظمة والكبرياء والجلال والجمال وغاية الكمال اتصف، وإليه فيها المنتهى) اهـ ((تيسير الكريم الرحمن)) (5/300).
.المصدر: المعاني الإيمانية في شرح أسماء الله الحسنى الربانية لوحيد عبد السلام بالي – 2/437
ويقول ابن جرير رحمه الله تعالى: (وأما تأويل قوله: (وهو العلي) فإنه يعني: والله العلي، والعلي الفعيل من قولك: علا يعلو علواً إذا ارتفع فهو عال وعلي، والعلي: ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته)
((تفسير الطبري)) (3/13). ...
والله تبارك وتعالى له جميع أنواع العلو، ومن أنكر شيئاً منها، فقد ضل ضلالاً بعيداً، وقد جاءت النصوص بإثبات أنواع العلو لله، وهي:
1- علو الذات، فالله تبارك وتعالى مستو على عرشه، وعرشه فوق مخلوقاته، كما قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [يونس: 3].
وقال: اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه 5].
والله مستو على عرشه فوق عباده، كما قال تبارك وتعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام: 18].
وقال: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل: 50]...
2- علو القهر والغلب، كما قال تعالى: هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الزمر: 4]. فلا ينازعه منازع، ولا يغلبه غالب، وكل مخلوقاته تحت قهره وسلطانه، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وقد وصف الحق – تبارك وتعالى – نفسه بصفات كثيرة تدل على علو القهر والغلب كالعزيز، والقوي، والقدير، والقاهر والغالب ونحو ذلك. قال سبحانه: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام: 18].
3- علو المكانة والقدر، وهو الذي أطلق عليه القرآن: (المثل الأعلى) كما في قوله تعالى: وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ [النحل: 60]، وقوله: وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الروم: 27].
فالمثل الأعلى: الصفات العليا التي لا يستحقها غيره، فالله هو الإله الواحد الأحد، وهو متعال عن الشريك والمثيل والند والنظير: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 1-4].
وفي إثبات كل أنواع العلو للعلي العظيم يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:
وهو العلي فكل أنواع العلو
فثابتة له بلا نكران <br/> ((نونية ابن القيم)) (2/214).
ويقول أيضاً: في نونيته مبيناً اسمي الجلالة (الأعلى، والعلي) ودلالتهما على علو الله تعالى على خلقه:
هذا وثانيها صريح علوه
وله بحكم صريحه لفظان
لفظ العلي ولفظة الأعلى معرفة
أتتك هنا لقصد بيان
إن العلو له بمطلقه على التعميم
والإطلاق بالبرهان
وله العلو من الوجوه جميعها
ذاتاً وقهراً من علو الشان
تعليقات
إرسال تعليق