(الرب) من أسماء الله –عز وجل- الحسنى التي يدعى بها، ويمجد بها، ويقدس بها وعامة ما جاء في ذكر هذا الاسم الكريم إنما جاء مضافاً إلى الخلق عموماً وخصوصاً مثل: (رب العالمين)، (رب السماوات والأرض)، (رب الملائكة)، (رب العرش) ونحو ذلك.
وورد ذكره في القرآن في أكثر من 900 موضع؛ كقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2]، وقوله سبحانه: قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام: 164]، وقوله –عز وجل-: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ [هود: 66]، وقوله سبحانه: وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ [المؤمنون: 97-98]، وقوله تعالى: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [سبأ: 15]، وقوله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة: 74]. وقد ورد كثيراً في أدعية الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – والصالحين قولهم: (ربنا)...
...وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: ("والرب" هو المالك المتصرف ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح. وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى).
ويبين الإمام ابن القيم –رحمه الله تعالى- معنى قوله تعالى: رَبِّ الْعَالَمِينَ فيقول: (قوله: رَبِّ الْعَالَمِينَ: ربوبيته للعالم تتضمن تصرفه فيه، وتدبيره له، ونفاذ أمره كل وقت فيه، وكونه معه كل ساعة في شأن، يخلق ويرزق؛ ويميت ويحيي، ويخفض ويرفع؛ ويعطي ويمنع؛ ويعز ويذل، ويصرف الأمور بمشيئته وإرادته، وإنكار ذلك إنكار لربوبيته وإلهيته وملكه) ((الصواعق المرسلة)) (4/1223). .
ويتحدث –رحمه الله تعالى- عما يشاهده العبد من اسمه سبحانه (رب العالمين) فيقول: (وشاهد من ذكر اسمه: رَبِّ الْعَالَمِينَ قيوماً قام بنفسه؛ وقام به كل شيء، فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها، قد استوى على عرشه، وتفرد بتدبير ملكه، فالتدبير كله بيديه، ومصير الأمور كلها إليه، فمراسيم التدبيرات نازلة من عنده على أيدي ملائكته بالعطاء والمنع، والخفض والرفع، والإحياء والإماتة، والتوبة والعزل، والقبض والبسط، وكشف الكروب وإغاثة الملهوفين وإجابة المضطرين: يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن: 29]. لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، ولا مبدل لكلماته، تعرج الملائكة والروح إليه، وتعرض الأعمال – أول النهار وآخره – عليه، فيقدر المقادير ويوقت المواقيت، ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها، قائماً بتدبير ذلك كله وحفظه ومصالحه) ((الصلاة وحكم تاركها)) (ص: 169، 170).
اسم (الرب) من أعظم الممادح التي مجد الله – عز وجل - نفسه بها:
ومن ذلك:
امتداح الله – عز وجل – نفسه بأنه: رَبِّ الْعَالَمِينَ والعالمون جمع عالم. وكل ما سوى الله فهو عالم: قال تعالى: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ والنصوص المعرفة بأنه رب العالمين كثيرة جداً، كما مدح نفسه رب كل شيء كما في قوله تعالى: أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام: 164].
تمجيده سبحانه نفسه بأنه رب العرش العظيم كما في قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل: 26]، وقوله – عز وجل -: فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون: 116].
كما مدح سبحانه نفسه بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما.
قال الله – عز وجل -: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65].
وامتدح الله نفسه –تبارك وتعالى- بأنه ربنا ورب آبائنا الأولين، قال سبحانه: قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ [الشعراء: 26].
وقال عن نفسه –عز وجل- أيضاً رب المشرق والمغرب، ورب المشارق والمغارب، قال عز وجل: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً [المزمل: 9]، وقال تبارك وتعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ [المعارج: 40].
اسم "الرب" –سبحانه وتعالى- من أكثر الأسماء التي يدعى بها الله عز وجل:
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: (و"الرب" هو المربي جميع عباده بالتدبير وأصناف النعم. وأخص من هذا: تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم، وأخلاقهم. ولهذا أكثر دعائهم له بهذا الاسم الجليل؛ لأنهم يطلبون منه التربية الخاصة) ((تفسير السعدي)) (5/486). .
وهذا واضح وجلي فيما ذكره الله – عز وجل – في كتابه الكريم عن أنبيائه – عليهم الصلاة والسلام – وأوليائه الصالحين حيث صدروا دعاءهم بهذا الاسم الكريم ومن ذلك.
- دعاء الأبوين – عليهما السلام – بقولهما: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23].
- دعاء نوح – عليه الصلاة والسلام – بقوله: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ... الآية [نوح: 28]، وقوله: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [هود: 54].
- ودعاء موسى – عليه الصلاة والسلام – بقوله: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ [الأعراف: 151]، وقوله: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ الأعراف: 155[.]
- ودعاء يوسف عليه الصلاة والسلام: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف: 33]، وقوله: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ... الآية [يوسف: 101].
- ودعاء زكريا عليه الصلاة والسلام: رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً [آل عمران: 38].
- ودعاء أيوب عليه الصلاة والسلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي [ص: 35].
- ودعاء امرأة عمران في قولها: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا... الآية [آل عمران: 35].
- ودعاء عباد الله الصالحين في قولهم: رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران: 193-194]، وقولهم: رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان: 65].
- وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الله كثيراً باسم (الرب)، ويمجده ويعظمه به، فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((ألا أدلك على سيد الاستغفار، اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت...)) رواه البخاري (6306). من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه يقول: ((اللهم رب السماوات، ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن...)) رواه مسلم (1035). .
وكان إذا افتتح صلاته من الليل قال: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض...)) رواه مسلم (770). .
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب بقوله: ((لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم)) رواه البخاري (6345)، ومسلم (2730). .
والنصوص الواردة في ذلك كثيرة.
وهذا يدل على اختصاص هذا الاسم بمعان عظيمة كريمة يتضمنها هذا الاسم الكريم أو يستلزمها.
فمما يتضمنه هذا الاسم الكريم:
أن الله – عز وجل – رب كل شيء وخالقه ومليكه، والقادر عليه، والمتصرف في جميع أموره؛ وبهذا فإنه لا يخرج شيء عن ربوبيته. وكل من في السماوات والأرض عبد له في قبضته وتحت قهره لأن أحداً لا يدعي أنه أو غيره من المخلوقين هو الخالق البارئ المحيي المميت القادر على كل شيء، والمتصرف في كل شيء. إلا شذراً من ملاحدة الصوفية، والباطنية والنصرانية التي تزعم أنه مع الله – عز وجل – شريك في ربوبيته وتصريفه لهذا الكون تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
أما أكثر طوائف المشركين فقد أقروا بربوبية الله – عز وجل – ولم ينكروها. وهم عبيد الله – عز وجل – بهذا المعنى قال تعالى: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ [يونس: 31]
وهم الذين قال الله – عز وجل – عنهم: إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم: 93]، وقال فيهم: وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران: 83].
فالذين آمنوا بربوبية الله – عز وجل – وحدها دون أن يوحدوه ويعبدوه هم الذين أسلموا لله – عز وجل – كرهاً. وأما الذين وحدوه وعبدوه وأطاعوه فهم أهل العبودية الخاصة الذين عبدوا الله – عز وجل – طوعاً واختياراً وانقياداً.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: العبودية نوعان: عامة، وخاصة. فالعبودية العامة: عبودية أهل السماوات والأرض كلهم لله، برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم. فهذه عبودية القهر والملك. قال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم: 88-93] فهذا يدخل فيه مؤمنهم وكافرهم.
وقال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاء [الفرقان: 17] فسماهم عباده مع ضلالهم. لكن تسمية مقيدة بالإشارة. وأما المطلقة: فلم تجئ إلا لأهل النوع الثاني، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وقال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر: 46]، وقال: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ [غافر: 31]، إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ [الزمر: 48] فهذا يتناول العبودية الخاصة والعامة.
وأما النوع الثاني: فعبودية الطاعة والمحبة، واتباع الأوامر.
قال تعالى: يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف: 68]، فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر: 78-18]، وقال: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان: 63]، وقال تعالى عن إبليس: وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الحجر: 39-40]، وقال تعالى: عنهم: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الإسراء: 65] <br/> ((مدارج السالكين)) (1/105). .
وقال في موطن آخر: (فهو رب كل شيء وخالقه، والقادر عليه، لا يخرج شيء عن ربوبيته. وكل من في السماوات والأرض عبد له في قبضته، وتحت قهره، فاجتمعوا بصفة الربوبية، وافترقوا بصفة الإلهية، فألهه وحده السعداء، وأقروا له طوعاً بأنه الله الذي لا إله إلا هو، الذي لا تنبغي العبادة والتوكل، والرجاء والخوف، والحب والإنابة والإخبات والخشية، والتذلل والخضوع إلا له.
وهنا افتراق الناس، وصاروا فريقين: فريقاً مشركين في السعير، وفريقاً موحدين في الجنة) ((مدارج السالكين)) (1/34، 35). .
وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ولما كان علم النفوس بحاجتهم وفقرهم إلى الرب قبل علمهم بحاجتهم وفقرهم إلى الإله المعبود، وقصدهم لدفع حاجاتهم العاجلة قبل الآجلة، كان إقرارهم بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته، وكان الدعاء له، والاستعانة به، والتوكل عليه فيهم أكثر من العبادة له، والإنابة إليه.
ولهذا إنما بعث الرسل يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له الذي هو المقصود المستلزم للإقرار بالربوبية، وقد أخبر عنهم أنهم: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف: 87]، وأنهم إذا مسهم الضر ضل من يدعون إلا إياه وقال: وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [لقمان: 32]، فأخبر أنهم مقرون بربوبيته، وأنهم مخلصون له الدين إذا مسهم الضر في دعائهم واستعانتهم، ثم يعرضون عن عبادته في حال حصول أغراضهم.
وكثير من المتكلمين إنما يقررون الوحدانية من جهة الربوبية، وأما الرسل فهم دعوا إليها من جهة الألوهية. وكذلك كثير من المتصوفة المتعبدة، وأرباب الأحوال إنما توجههم إلى الله من جهة ربوبيته؛ لما يمدهم به في الباطن من الأحوال التي بها يتصرفون، وهؤلاء من جنس الملوك. وقد ذم الله – عز وجل – في القرآن هذا الصنف كثيراً، فتدبر هذا فإنه تنكشف به أحوال قوم يتكلمون في الحقائق، ويعملون عليها، وهم لعمري في نوع من الحقائق الكونية القدرية الربوبية لا في الحقائق الدينية الشرعية الإلهية، وقد تكلمت على هذا المعنى في مواضع متعددة، وهو أصل عظيم يجب الاعتناء به، والله سبحانه أعلم) ((مجموع الفتاوى)) (14/14، 15). .
الرب والإله بينهما اجتماع وافتراق:
أي: أنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، وبيان ذلك أن يقال: إذا اجتمع (الرب) و(الإله) في موضع ونص واحد فإنهما يفترقان في المعنى؛ حيث يتوجه معنى (الرب) إلى المالك المتصرف القادر الخالق المحيي المميت المتفرد بخصائص الربوبية. و(الإله) يتوجه إلى المعبود المألوه الذي يجب أن يوحده العباد بأفعالهم. أما إذا افترقا حيث ذكر كل منهما في موضع فإنهما يجتمعان بحيث يدل أحدهما على معناه كما يتضمن معنى الآخر.
مثال لحالة الاجتماع، قوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ الناس: 1-3[ فذكر سبحانه هنا رَبِّ النَّاس، إِلَهِ النَّاسِ وهنا يتوجه معنى (الرب) إلى المالك المتصرف المحيي المميت الخالق البارئ المتفرد بصفات الربوبية. كما يتوجه معنى (الإله) إلى المعبود المألوه المطاع.]
مثال لحالة الافتراق:
قوله تعالى: وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة: 163].
وقوله تعالى في كثير من الأدعية القرآنية: (ربنا)، (رب).
فهنا يتوجه معنى (الإله) في الآية الأولى إلى معنى الألوهية والعبودية لله – عز وجل – مع تضمنه لمعنى الربوبية، ويتوجه معنى (الرب) في الآية الثانية إلى معنى الربوبية والملك والتدبير والخلق مع تضمنه لمعنى العبودية.المصدر: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها لعبد العزيز بن ناصر الجليل – ص: 85
تعليقات
إرسال تعليق