الدكتور سائد دبابنة- أخذت العلاقة الجدلية بين حقوق الإنسان والتقانات المتقدمة حيزاً واسعاً من الدراسة على الصعيد العالمي؛ فمن ناحية تساعد هذه التقانات في تحسين نوعية الحياة في المجتمعات الحديثة، بينما يشخص آخرون الآثار السلبية لبعض استخدامات تلك التقانات من حيث انتهاكها لحقوق إنسانية حياتية متعارف عليها عالمياً.
لا يخرج النقاش العالمي حول الطاقة النووية، كتقانة فائقة التطور، عن هذا الإطار، رغم الاختلاف في التفاصيل عن التقانات الأخرى، ورغم الاختلاف بين المجتمعات من ناحية نظرتها إلى ذلك المصدر المدرج على خليط الطاقة. نأخذ الحالة الأردنية كمثال في هذه العجالة.
يجب وضع الحديث حول الطاقة النووية في إطاره الوطني المعني برسم استراتيجية مستقبلية واقعية لأمن التزود بالطاقة، لما لأمن التزود هذا من أهمية قصوى لمستقبل الوطن، وحقوق مواطنيه الحياتية والاقتصادية والمدنية والإجتماعية والسياسية والبيئية. إن النقاش العلمي الذي يتعامل مع مختلف مصادر الطاقة بحيادية هو وحده الكفيل بإيصال المجتمع إلى بر الأمان، وبخلاف ذلك فإن التغول واحتكار الحقيقة واجتزاء البراهين والتمترس بالنفوذ وتغيير الوقائع يضلل صناعة القرار، ويقود إلى فرض الخليط الأسوأ من بين بدائل الطاقة، إذْ الثمن باهظ استراتيجياً، ناهيك عن ما يتضمنه ذلك من تجاوز لتلك الحقوق الأساسية للإنسان.
أما الجدل الوطني القائم حالياً حول المشروع النووي، فلا يخلو من خروقات تتعلق بحق الإنسان في الحصول على المعلومات الصحيحة، إذْ يلعب الرأي العام ووسائل تشكيله دوراً هاماً في هذا السياق، ولذلك فإن للشفافية والمصداقية أهمية قصوى، ناهيك عن المستوى الحضاري للخطاب المستخدم إعلامياً. فبالإضافة إلى الإتهامية والتشهير، لا يخلو الخطاب المؤيد والمعارض للطاقة النووية على حد سواء، من بعض الانتقائية في طرح البراهين، والمبالغات في التقليل أو التعظيم من فوائد أو مخاطر مشروع الطاقة النووية، وكل على ليلاه يغني! لذلك يتوجب بحث مختلف جوانب البرنامج النووي الأردني المتعلقة بكل من استكشاف وتعدين اليورانيوم، وإنشاء المفاعلات النووية، من حيث الكلف الاقتصادية والبيئية والمائية لهذه المشاريع، والبيئة التشريعية، وإثارة التساؤلات المشروعة، وتشخيص مواطن القوة والضعف في التخطيط والإدارة ومستوى الشفافية، والمصداقية في توفير المعطيات الرقمية، ومراحل الإنجاز المخطط لها، بطريقة علمية وواقعية، بعيدة عن التخبط والتناقض الذاتي والتسويف. من حق المواطن ومن حق صناعة القرار معرفة الحقيقة؛ لذلك لا بد من ضبط التضليل مهما كان مصدره، إن كان من جانب المعارضين أو المؤيدين للمشروع.
لا بد من توعية غير المختصين (من الجانبين) ممن يخوضون النقاش، فمن أبسط حقوقهم المشاركة بفاعلية، ومن حقهم بالمقابل أن تتم توعيتهم بأخطائهم، فمن غير المقبول إشاعة المبالغة في خطر العمل الطبيعي للمحطات النووية من جانب، ومن غير المقبول، من جانب آخر، الحديث عن فوائد مزعومة للتسربات الإشعاعية أو التقليل من تبعات الحوادث الكارثية! أما المختصون، فمن حقهم وواجبهم الحفاظ على صورة واقعية مقبولة للطاقة النووية في المجتمع، ومن حقهم وواجبهم بالمقابل التأشير على مواطن الخلل في المشروع القائم حالياً، دون تعريضهم للإقصاء! أليس هذا من أبسط حقوقهم في التعبير؟!.
إن انعدام الشفافية، وعدم الالتزام بالمعايير النووية الدولية، تفقد البرنامج الوطني زخمه، وتؤدي إلى الإخفاق في تحقيق الرؤية الملكية، والفشل في كسب الثقة الشعبية. لذلك فمن واجب كل المعنيين، ومن حق الجمهور الأردني الواعي والمتابع، أكانوا معارضين للمشروع النووي، أم ممن هم مثلي يؤمنون بالخيار النووي عند الضرورة، وخاصة من الشباب الأردني المتحمس للطاقة النووية كمدخل للتطور العلمي والتكنولوجي الذي نستحقه بالتأكيد، من واجبنا جميعاً أن لا نخلط بين المطالبة بمراجعة البرنامج، وبين التساؤل عن قبول الطاقة النووية كمكون محتمل لخليط مصادر الطاقة المستقبلي، وأن يكون الهدف الأسمى للجميع هو اختيار المناسب للوطن، لا الاستبعاد المسبق، ولا الاختيار المنحاز، لأي مكون من مكونات خليط الطاقة، مع مراعاة ضوابط العمل، فعلاً لا قولاً، التي تتفق مع المعايير الدولية الصناعية، ومعايير الأمن والأمان، وحقوق الإنسان.
تعليقات
إرسال تعليق