القائمة الرئيسية

الصفحات



د. سائد دبابة- تتكامل مسيرة العلوم النظريّة مع توأمها التجريبيّة, حيث تثير إحداهما أسئلة تحفز الأخرى على تطوير آليّات البحث للإجابة عنها, في مسعى لا يكلّ لسبر أغوار أسرار مادة الكون.

 منذ أن طرح بيتر هغز وفيزيائيون آخرون في ستينيات القرن الماضي نظرياتهم لتفسير وجود الكتلة, والتي تعتمد على افتراض وجود جسيمات أولية دعيت ببوزونات هغز Higgs Bosons, بدأت مختبرات عالمية بمحاولات حثيثة لكشف وإثبات وجود هكذا جسيمات.

أوقِف العمل مؤخراً في مسارع التيفاترون في الولايات المتحدة دون الإجابة عن سؤال هغز المزمن! غير أن بعض الأخبار السارة أتت لاحقاً, وقبل شهر من الآن, من الطرف الآخر للأطلسي, حيث أشار باحثو مختبر سيرن الأوروبي للأبحاث النووية في سويسرا إلى لمحات لاحظوها أثناء العمل في مصادم الهدرونات الكبير )Large Hadron Collider LHC( قد يكون مردها إلى جسيمات هغز, ولكن الأمانة العلمية والمنهج الصارم منعهم حتى الآن من إعلان تحقيق إكتشاف, حيث قالوا انهم ما زالوا بحاجة إلى المزيد من البيانات.

رغم ذلك, فقد أثارت تلك اللمحات شجون العلماء, فبوزون هغز المفقود يشكل لبنة مهمة جداً في النموذج المعياري للجسيمات الأولية, وإثبات وجوده تجريبياً يساعد كثيراً في تطوير فهمنا لمادة الكون وتفاعلاتها. بعض العلماء بالمقابل يعبّر عن تفاؤل أكبر, ويعتقد أنه في غضون عام, قد تتمكن سيرن من إعلان الكشف المثير, وهذا التفاؤل له ما يبرره, فكل من تجربتي "ATLAS" و "CMS" سَجّلتا, وبشكل مستقل, إشارات لوجود جسيم له الكتلة نفسها, مما أثار فضولاً كبيراً في مجتمع فيزياء الجسيمات.

من الأسباب التاريخية لهذا الفضول, تلك المفارقة التي تكتنف بوزون هغز: فرغم أن النظرية تعوّل على وجود هذا الجسيم لتفسير كتلة الجسيمات الأخرى, إلا أن كتلة بوزون هغز نفسه لم تحددها النظرية تماماً!

يقوم مصادم LHC بتهشيم حزمتين متقابلتين من البروتونات عند طاقات وسرعات عالية جداً, مما يخلف وابلاً من الجسيمات التي قد يكون من ضمنها جسيمات هغز, التي يفترض أن تتحلل مباشرة تاركة الأثر المأمول في كواشف التجارب. من المتوقع أن يؤدي البحث في الأشهر القليلة المقبلة إلى الوصول إلى حالة يقين, فإما إثبات وجود بوزون هغز تماماً كما توقعته النظرية, أو العثور عليه, ولكن بصفات تختلف عن النظرية, أو التيقن من عدم وجوده بشكل قاطع.

وفي كافة تلك الحالات سيشعر المجتمع العلمي بالارتياح, ليبدأ تطوير النظريات في الاتجاهات المناسبة. لكن إذا تناقضت البيانات المسجلة, فهذا يعني فشل التجربة, وعندئذ تستمر حالة عدم التيقن, ويعود صيادو هغز إلى المربع الأول, ليبدأ البحث مجدداً عن ذلك الجسيم اللغز!
Reactions

تعليقات