القائمة الرئيسية

الصفحات

هل يوجد في القرآن الكريم أسلوب تورية؟


هل يوجد في القرآن الكريم أسلوب تورية؟


الجواب
لقد طال نقاش العلماء حول هذه المسألة، وتعددت أراؤهم في ذلك، ومن ثُم تباينت واختلفت، وسأتجنب خلافهم في هذه المسألة، ولن ألتفت إلى آرائهم، بل سأختصر في الإجابة، ومن ثم سأحيلك إلى كتاب ناقش هذا الموضوع باستفاضة، وتناولها بالتفصيل.
فالتورية ـ كما تعلم ـ : هي أن يكون للفظ معنيان: قريب وبعيد، أما القريب فدلالة المعنى إليه واضحة ظاهرة، ولكن المعنى البعيد هو المراد، فيقصد المتكلم حين يلجأ إلى أسلوب التورية إيهام السامع بمراده، لذا فإن من أسماء التورية: الإيهام .
ولهذا السبب كان القرآن الكريم خالياً من التورية؛ وذلك أنها تختلف في دلالتها مع طبيعة القرآن الكريم اختلافاً ظاهراً، وتباينه مباينة لا سبيل إلى التوفيق بينهما.
وينبغي أن يعلم أن هذا القول لا يقلل من شأن أسلوب التورية، ولا يحط من قدر بلاغتها وجمالياتها، ولكن هذه الأهمية، وتلك البلاغة لا يغير من طبيعة التورية شيئاً، إذ إنها قائمة على التضليل، والإيهام المتعمد المقصود، وهذا ما تدل عليه لفظة التورية اللغوية والاصطلاحية .
ومن هنا تتضح المفارقة بين طبيعة التورية، وبين ما اشتمل عليه القرآن الكريم ووُصف به، فأنى لكتاب نعته من أنزله بأنه نور وهداية، وأنه آيات بينات، أنزله بغية تدبره، وتأمله، والتفكر فيه، للاهتداء به، والعمل بما جاء فيه، فأنى له ـ وهذا حاله ـ أن يكون مشتملاً على التورية القائمة على التضليل والإيهام؟، فبين طبيعة القرآن، ودلالة التورية بون شاسع، وتناقض لا يمكن معه الالتقاء .
وحين ننظر في الشواهد القرآنية التي يسوقها من يرى أن فيها تورية نجد أن هذه النصوص مشتلمة على أسماء الله وصفاته، وهذه الآيات لا مجال للقول بأن فيها تورية، أو أن فيها مجازاً بعامة . وأما أشهر شاهد يُذكر للتورية في القرآن الكريم فهو قوله تعالى { قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم } في قول أولاد يعقوب لأبيهم حين قال لهم { إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون، قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم} فالضلال هنا له معنيان: أما القريب فيريدون منه تفنيد قوله هذا وبيان ضلاله، وهو أنه يجد ريح يوسف، ولكن هذا المعنى القريب غير مراد، وأما المعنى البعيد فمرادهم من ذلك قوله في الآية الأخرى { إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين }، فهذا الشاهد وارد على لسان أولاد يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وهذا الشاهد ليس مسوغاً إلى القول بأن في القرآن تورية .
وختاماً: قد تقرأ أيها السائل، أو من يقرأ هذه الإجابة كتاباً أو تسمع رأيا مخالفاً لما ذكرته لك، فقد أجبتك بما أنا مقتنع به، وما هو معبر عن رأي المجيب .
ومن أجل استقصاء هذا الموضوع، والوقوف على جوانبه، والنظر في آراء العلماء في هذا الموضوع، يحسن الرجوع إلى كتاب ( التورية وخلو القرآن الكريم منها ) للدكتور محمد جابر فياض
Reactions

تعليقات