القائمة الرئيسية

الصفحات

لماذا يعبر القرآن الكريم أحيانا عن المستقبل بصيغة الماضي؟


أجد في القرآن الكريم التعبير عن المستقبل بصيغة الماضي،مثلا يتحدث الله عن إدخال المؤمنين الجنة وإدخال الكافرين النار بصيغة الماضي، مع أن ذلك لم يحدث إلا في يوم القيامة، وسؤالي أنني أريد أن أعرف لماذا يعبر أحيانا عن المستقبل بصيغة الماضي، وهل فعلت العرب في أشعارها ونثورها مثل ذلك؟


الجواب
المخالفة بين صيغ الأفعال يذكره البلاغيون في مباحثهم تحت عنوان (خروج الكلام عن مقتضى الظاهر)، ويكون ذلك لأسرار بلاغية، ونكت بيانية، كما أن المقام الذي قيل في ذلك قد اقتضى هذا الأسلوب، فقد يُعبر عن أمور مستقبلية بالفعل الماضي، وهو كثير في القرآن، والسر البلاغي في ذلك: الإشارة إلى أن هذه الأمور المستقبلية المتحدث عنها امور متحقق وقوعها، وأنها حاصلة لا محالة، حتى كأنها فعلاً قد وقعت، ومن الشواهد على ذلك قوله ـ تعالى ـ: ( ونفخ في الصور فصعق من في السموات و من في الأرض إلا من شاء الله...) فقد عبر عن النفخ والصعق بالفعل الماضي، مع أنها أمور مستقبلية، ولكن تم التعبير عنها بالفعل الماضي، إشارة إلى الأسرار البلاغية السابقة، إذ مراد تحقيقها في هذاالمقام.
وقد يحدث العكس فيعبر عن الماضي بالفعل المضارع، وذلك ـ أيضاً ـ بغية تحقيق أغراض بلاغية أخرى، والسر البلاغي في ذلك، هو: استحضار الصورة، وجعلها ماثلة أمام العيان حتى كأنها تحدث الآن، وفي ذلك مزيد من بيانها، وترسيخها في الوجدان، ومن الشواهد على ذلك قول الله ـ تعالى ـ: 
( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت...) فقد عبر عن الماضي بلفظ المضارع، في قوله (فتثير، فسقناه)، والغرض من ذلك: استحضار هذه الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة لله ـ عز وجل ـ وكأنها واقعة أمامك، وأنت تشاهدها الآن وتتأملها، وتبصر ما فيها من عجب وقدرة، ولا شك أن ذلك سبب في قوة تأثيرها على وجدانك، كما سيكون وقعها عليك أقوى .
وهذاالأسلوب معروف لدى العرب، فهو جار على ألسنتهم، في شعرهم ونثرهم، ومن الشواهد على ذلك قول تأبط شراً وقد زعم أنه قتل غولاً تعرض له في الفلاة وحده، يقول:
فشدت شدة نحوي فأهوت لها كفي بمصقول يماني
فأضربها بها بلا دهش فخرت صريعاً لليدين وللجران

فكان مقتضى الظاهر أن يقول: (فهوت لها كفي) ولكنه عدل عن هذا المقتضى إلى التعبير بالفعل المضارع؛ لإبراز تلك الأحداث، وإحضارها ماثلة أمامك مشاهدة بناظريك؛ لأنها أحداث عجيبة وغريبة.
Reactions

تعليقات