مع زيادة تطور الأجهزة الذكية وتعدد استخداماتها، ازداد استعمالنا واعتمادنا عليها. ولا يمكن انكار ان استخدامها سهّل علينا كثيرا من جوانب الحياة، بيد انها سلاح ذو حدين. وشرحت د. سميرة حمد الجدي، عضوة هيئة تدريس في قسم العلاج الطبيعي من كلية العلوم الطبية المساعدة قائلة «الأجهزة الذكية نعمة، لكنها قد تتحول إلى نقمة إذا استعملت بشكل خطأ يضر القوام والصحة.
فنتيجة لتنوع استعمالها وسهولته، أصبحنا نعتمد عليها في معظم انشطتنا اليومية، مثل مشاهدة الأفلام والاخبار والوصول إلى معلومة والتواصل الاجتماعي ورؤية كاميرات المراقبة، وحتى متابعة حساباتنا المصرفية. والمشكلة هي ان الصغير قبل الكبير تعود على استعمالها، وتحولت الحاجة لها إلى إدمان». مشكلات القوام ربطت عدة دراسات استعمال الاجهزة الذكية لفترات طويلة مع انتشار آلام الرقبة والديسك والصداع.
وأضافت د. سميرة «في السابق كان يعرف بأن التغيرات الفسيولوجية المسببة لأمراض الديسك والخشونة تبدأ خلال سنوات الشباب لتظهر الاعراض والألم مع تقدم العمر. بيد أن الاستخدام السيئ للتكنولوجيا ترتب عليه بدء مشكلات القوام منذ مرحلة الطفولة والمراهقة، كآلام أسفل الظهر والرقبة وتشوه انحناءات العمود الفقري وضعف العضلات.
وغالبا لا يكتشف الضرر الا إذا اشتد وبدأ الألم. والمشكلة هي ان درجة الألم التي يتحملها المصاب وردة فعله تختلف من شخص إلى آخر. فالبعض يتحمل درجات مرتفعة من الألم، وحتى إن شعر بألم فيكون غير مبال ويهمل قصد الطبيب مبكرا. في الوقت الذي عليه الإسراع في قصد طبيب او مختص في العلاج الطبيعي لاكتشاف السبب وعلاجه مبكرا، قبل ان تحدث مضاعفات معقدة وصعبة العلاج».
الانحناء يضاعف ثقل الرأس إلى 40 كلغ
صُمم العمود الفقري لتحمل ثقل القوام في وضعه السليم. وبالنسبة للرأس فالوضع السليم هو ان يكون مستوى الاذن في مستوى الخط الافقي نفسه مع الكتف، حتى يتوزع ثقل الرأس بالتساوي على فقرات الرقبة والعمود الفقري ككل. وبينت دراسات، انه عندما يكون الرأس في وضعه السليم فان ثقله (الذي يتحمله العمود الفقري) يساوي 10 كلغ، بينما يترتب على انحناء الرأس إلى الأمام ان يتضاعف ثقل الرأس 10 كلغ مع كل انش. بحيث يتضاعف ثقل الرأس إلى 40 كلغ في وضعية انحناء النظر إلى شاشة الهاتف.
والمشكلة ليست في استخدام الجهاز الذكي فقط، فغالبية النشاطات اليومية التي نقوم بها تكون في وضع الانحناء، فنأكل ونقود السيارة ونغسل يدينا ونكتب ونحن في وضع الانحناء.
والعمود الفقري لم يصمم لتحمل هذا التضاعف المستمر في وزن الرأس، خاصة من قبل أطفال لم ينضج جسمهم بعد. مما يفسر نمو اجسامهم بشكل غير سوي واصابتهم بتشوهات خلقية وآلام عضلية ومشكلات صحية متعددة.
أكثر الأعراض والأضرار شيوعاً
1 - سقوط الكتف وميلانه إلى الامام (دوران الكتف).
2 - تشوهات في انحناءات العمود الفقري مثل زيادة تقوسها او ميلانها الجانبي او الحدبة.
3 - آلام وتنميل الابهام واليد والرسغ.
4 - تكرار الصداع ومشكلات البصر والحاجة إلى لبس نظارة في سن صغيرة.
5 - تكرار الشكوى من آلام الرقبة والكتف وقد يرافقها التنميل.
6 - قد تقل كفاءة حاسة الشم والقدرة على البلع.
7 - قصر عضلات الصدر وضعفها يؤثر سلبا في كفاءة الرئة (كمية الهواء الداخل والخارج أثناء التنفس) مما يسبب قصر النفس ونقص أوكسجين الدم.
مشكلة الأطفال المشكلة لا تقتصر على فرط استخدام الأطفال للأجهزة الذكية، بل وفي خمول أسلوب حياتهم.
فقد احتلت الأجهزة الذكية مكان النشاطات البدنية، لتصبح السباحة واللعب في الخارج ولعب الكرة والركض أمورا منسية وقديمة. مما ترتب عليه ضعف جسم الأطفال وبالتالي تعبهم عند بذل أي مجهود، وتفضيلهم الخمول والراحة وزيادة استخدام الأجهزة الذكية.
وبالإضافة إلى ما يسببه ذلك من مشكلات بدنية وصحية فهو يولد مشكلات نفسية واجتماعية أيضاً.
مشكلة تراكمية وليست مفاجئة
من الخطأ الاعتقاد بأن الإصابة بالديسك سببها حركة خطأ مفاجئة، بل هي نتاج لمشكلة تراكمية استمرت لفترة طويلة لتسبب ضعف العضلات وزيادة تحمل المفاصل والأربطة بشكل يفوق طاقتها.
وغالبا ما يرجع ذلك إلى اتباع أسلوب حياة خامل وممارسة سلوكيات خطأ مثل النوم على وسادة مرتفعة، عيوب القوام أثناء الجلوس والسير وحمل الأغراض في أوضاع خطأ، السمنة (الكرش يسبب زيادة الحمل على العمود الفقري وخللا في وضعية الحوض) والتدخين.
كيف اكتشف الخلل في قوام طفلي؟
نصحت د. سميرة الأم بمتابعة ملاحظة شكل أجسام أطفالها، وقالت: ليس المقصود أن تشاهده من دون ملابس، بل أن تلاحظ بعين ثاقبة أي تغيير يطرأ على شكل أجسامهم. كما عليها قصد متخصص في العلاج الطبيعي إن لاحظت على طفلها أحد الأعراض التالية:
شكل مظهر جسم الطفل غير سوي، يعاني آلاما في اليد أو الرقبة أو الظهر أو الصداع، يغير طريقة جلوسه بشكل مستمر (لا يتحمل الجلوس في وضع واحد)، تلاحظ ميلا في قوامه أو عرجاً أو حدبة، سقوط الكتف أو دوران الكتف، دلالات لضعف البصر أو كثرة دعك العين، الشكوى من ألم أو تنميل في اليد أو الإبهام أو الكتف أو صعوبة وضيق التنفس (قد يصف بأنه يشعر بضيق في الصدر).
التشخيص
يقوم متخصص في العلاج الطبيعي بفحص المريض باستخدام أجهزة بسيطة وأمام الأهل ليريهم الخلل والوضع الصحيح. وقد ينبهر الشخص عند الإشارة إلى الخلل لكونه لم يلاحظه سابقا أو اعتقد بأنه أمر طبيعي وتعود عليه.
وأحيانا يكون السبب تشوها خلقيا أو مشكلة مرضية يجب تشخيصها بدقة عبر فحوصات التصوير الإشعاعية.
وإذا تأكد وجود تشوه خلقي في العظام، فيحاول المعالج الطبيعي تعديل العضلات والاربطة المحيطة بمنطقة الخلل وتقويتها، وقد يستعين بوصف وسادة للقدم أو لبس حزام أو استخدام جهاز خاص مثلاً.
الوقاية
لا حلّ سريعاً أو سحريّاً؛ فالضرر التراكمي المزمن الذي استغرق مدة طويلة من الزمن لا بد من علاجه عبر خطة علاج طويلة، تتم خلالها تقوية العضلات الضعيفة، وتمديد العضلات المنقبضة القصيرة، وإعادة وضع القوام إلى وضعه السليم. كما يجب اتباع إرشادات تحافظ على سلامه القوام. ومن أهمها:
■ استخدم الهاتف أثناء الجلوس بشكل مستقيم مع سند الذراع على مسند الكرسي، ووصول القدم إلى الأرض. وحافظ على استقامة الحوض والظهر وتوازنهما وإسنادهمها على ظهر الكرسي.
■ ارفع شاشة الجهاز (بحمله في اليد) إلى مستوى البصر (لمنع انحناء الرأس والعين إلى أسفل). وإذا أحسست بأن يدك لا تتحمل ثقل الجهاز فذلك دلالة على ضعفها وضرورة تقويتها.
■ استرح كل فترة لممارسة تمارين التمدّد وتحريك الدورة الدموية (مد عضلات الرقبة والظهر واليد). فهناك من يجلس لساعات طويلة لمشاهدة أفلام متتابعة من دون أي راحة، فينصح هؤلاء باستغلال فترة الإعلانات التجارية، للوقوف والحركة وعمل تمارين التمدد.
■ ينصح من لديه مشكلة في البصر بلبس نظارة أو تكبير حجم الخط أو استعمال جهاز له شاشة كبيرة.
■ اتبع أسلوب حياة صحيا ونشطا عبر ممارسة النشاطات البدنية، مثل الزراعة والسباحة والمشي، وأي هواية تتضمن حركة ونشاطاً.
■ كن قدوة لأولادك، فاخرج معهم إلى الخارج، وشجّعهم على ممارسة رياضة والركض والتنفّس العميق ورؤية الطبيعة (لإراحة أبصارهم). - ضع حدوداً لاستخدام الأجهزة؛ مثل منعها اثناء الوجبات العائلية، وفي السيارة وعند الخروج.
تعليقات
إرسال تعليق