القائمة الرئيسية

الصفحات

أمثال شعبية عربية تكرس الخوف والجبن والسلبية


أمثال شعبية عربية تكرس الخوف والجبن 


محمد حسن يوسف- تمتلئ حياتنا بالكثير من الأمثال الشعبية، ولكن العديد من هذه الأمثال يكرس للخوف والجبن والبخل والرضا بالذل والخنوع. ولقد آن لنا الأوان أن نفحص هذه الأمثال ونعيد صياغتها من جديد للتعبير عن مفاهيم أفضل، تعيننا في حياتنا إذا ما أردنا تغيير ما نحن فيه.

من هذه الأمثال المرفوضة: " امشي جنب الحيطة "، و " الحيطان لها ودان "، و" لو جه الطوفان حط ابنك تحت رجليك "، و " عيش جبان تموت مستور "، و " القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود "، و " الجبن سيد الأخلاق "، و " من خاف سلم "، و " اربط الحمار مطرح ما يقول لك صاحبه " ، و " أنا عبد المأمور "،و " اللي يجوّز أمي أقول له يا عمي "، و " اعمل ودن من طين وودن من عجين "، و " إن كان لك عند الكلب حاجة قول له يا سيدي ".

لقد كرست هذه الأمثال مفهوم الخنوع والسلبية في نفوسنا، حتى أصبحنا كالجسد المشلول لا نستطيع حراكا تجاه الأحداث. وما فائدة العيش بدون التأثير في مجرياته، وما فائدة الحياة إذا كنا لا نستطيع إلا أن نكون على هامشها. فإذا كنا عجزنا عن أن نسود الغابة، فهل كُتب علينا أن نظل جرذانها؟!!

لقد أدت السلبية التي التزمنا بها وانتهجناها سبيلا لحياتنا إلى ضياع كل شيء من أيدينا. فبعد أن كنا سادة للعالم، نتحكم في مجرياته ونصوغ علاقاته، إذا بنا اليوم – نتيجة لهذه السلبية المقيتة – نرضى بالاكتفاء بكوننا أمة مفعولا بها تقنع بما يراد لها من كافة الأمم الأخرى. لقد ذاق المسلمون في هذه الأيام من الذل والهوان ما لم يذوقوه عبر تاريخهم الطويل. وما كان ذلك إلا بسبب من تأصل مفاهيم الجبن والخنوع واستقرارها داخل نفوس أبناء هذه الأمة.

لقد سيطر علينا الخوف والرعب من مجرد الكلام، فجعلنا للحوائط آذانا!! وأعتقد أننا الأمة الوحيدة التي جعلت للحائط آذانا تسمع بها وتشي بأقوال من سمعت منهم الكلام!! لقد امتد الخوف من إبداء مجرد الرأي إلى جميع مناحي الحياة، بدءا من الأمور السياسية، وحتى أبسط الأمور المعيشية التي يتعرض لها المرء في حياته. وصدق قول الشاعر حين قال:

حب السلامة يثني عزم صاحبه *** عن المعالي ويغري المرء بالكسل
وأذكر في مرة من المرات، قامت الشركة التي كنت أعمل بها بإنهاء عقد عمل أحد الزملاء الذين كانوا يعملون معي. واستغرب أحدهم من ذلك، فقال لهذا الزميل:
- ولكنك لم تفعل أي شيء يزعجهم، لقد كنت ماشيا جنب الحيط!!
فرد عليه الزميل الذي أُنهي عقده متحيرا:
- بل كنت ماشيا داخل الحيط!!!
فبالله عليك!! هل هذا معقول؟!! هل من المعقول أن نرضي بتشبيه أنفسنا بتوافه الحشرات، وأن نكتفي بالعيش داخل شقوق الحوائط في سبيل لقمة العيش؟ وهل يكون للقمة العيش مذاقا مستساغا ونحن نفعل ذلك؟!!

والأمثلة على هذا كثيرة. فالكل لا يريد الكلام حتى لا يؤدي به هذا الأمر إلى القهر والحرمان. ولكن أعود إلى صاحبنا هذا الذي أُنهي عقده رغما عنه، فأتساءل: هل أدى به حرصه إلى زيادة رزقه وعدم إنهاء عقده؟ وهل كانت مطالبته بحقه ستحرمه من رزق كان قد قسمه الله له؟ والإجابة بكل يقين: لا.

  لقد انتهى رزقه في أجله الذي حدده الله له، فما الداعي إذن للحرص على أوهام لا تتحقق في دنيا الواقع؟! ولماذا لا تفرض رأيك وفكرك على الأحداث من حولك لكي تغير الواقع المريض الذي نعيشه، والذي ساهمت بصمتك في إزكاء حدته؟ ولماذا تخشى أحدا دون الله الذي خلقك وتكفل لك برزقك؟
علينا بالاستيقاظ من رقدة طالت وأضاعت كل شيء. إن الأمة اليوم بحاجة ماسة لإعادة تربيتها على إعادة الثقة بربها، والتخلي عن أوهام بثها فيها أعدائها المتربصين بها. لابد من إعادة بث العقيدة الصحيحة بالله في نفوسنا، حتى تطمئن بأنه لن يحدث لأي فرد - كائنا من كان – أي شيء لم يكن الله قد كتبه الله له أو عليه.
علينا أن نعيد تربية الأمة على معالي الأمور، وعدم القناعة بسفاسفها. إن الأمة التي تحدد لنفسها آمالا كبارا، تسخر كل طاقاتها لإدراك هذه الطموحات، وتستهين بالمصاعب التي تواجهها في طريقها نحو تحقيق ما تريد. وما أحسن قول المتنبي حين قال:
وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام
نريد أن نبث في روع الأمة مفاهيم الثقة بالنفس، وأن نجعل أمثالنا تدور حول هذا الأمر. نريد صياغة أمثال جديدة للأمة توقظها من رقدتها وتنبهها من وهدتها. نريد أن تنتشر بين شباب الأمة وأطفالها أمثال أخرى، مثل: " إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر [ حديث شريف ] "، و " يفوز باللذة كل مغامر "، و " من لم يركب الأهوال، لم ينل الآمال "، و " لا تنقاد الآمال إلا لصابر "، و " لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا "، و " انصب، فإن لذيذ العيش في النصب ". واعلم أنه قد:
خلق الله للحروب رجالا *** ورجالا لقصعة وثريد
فلا تكن من رجال القصعة والثريد، بل كن من رجال الحروب الذين يحرصون على الموت، حتى توهب لك الحياة.
علينا أن نتحرر من الخوف الذي سيطر علينا، وأصبح المحرك لجميع خطواتنا. واعلم أن النفوس تتحرك حيث وضعتها. قال ابن القيم: " النفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها واحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات، وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار ". فهل نظل نرضى بعد ذلك بتفاهات الأمور خوفا مما قد يلحقنا إذا ما حاولنا الارتفاع بآمالنا والتحليق بها؟ ولله در المتنبي حين قال:
إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر صغير *** كطعم الموت في أمر عظيم
يرى الجبناء أن العجز عقل *** وتلك خديعة الطبع اللئيم
وكل شجاعة في المرء تغني *** ولا مثل الشجاعة في الحكيم
وكم من عائب قولا صحيحا *** وآفته من الفهم السقيم
Reactions

تعليقات