عرض رواية: فتاة البرتقال - جوستاين غاردر
كتب جون قبل وفاته بأيام قليلة رسالة لابنه جورج ذو الأربعة أعوام؛ كي يقرأها حين يكبر, وبعد أحد عشر عاما من وفاة جون تعثر عائلة جورج على هذه الرسالة وتسلمها له, يقرأها جورج ومن ثم يحكي لنا قصته مع رسالة والده, الرسالة كانت تحوي قصة وسؤال, قصة حب والده لفتاة البرتقال, وسؤال يطرحه بعد سرده للقصة.
ماذا يمكن أن يكتب رجل على وشك الموت ليقرأه ابنه في المستقبل البعيد؟, ولماذا يروي له قصة حب غابره؟, وما هو السؤال الذي قد يسأله إياه؟.
كاتب الرواية هو جوستاين غاردر (بالنرويجية ينطق: يوستاين غوردر) أستاذ الفلسفة السابق في جامعة أوسلو, غاردر اشتهر عالميا بسبب روايته "عالم صوفي", وسبب نجاح هذه الأخيرة هو المحتوى الفلسفي المباشر الكثير الذي تقدمه, وهو ما يختلف عن رواية "فتاة البرتقال" التي تحتوي على طرح فلسفي ولكن بشكل مبثوث في روح الرواية وبين أضلعها, وفي الواقع ليست الفلسفة فقط ما خبأه غاردر بين سطور الرواية, هناك الموسيقى, وهناك الحب, وهناك علم الكون, وبهذه الرباعية يقدم غاردر روايته بأقصى درجات الأناقة والعمق والتأثير.
ما نلاحظه في هذه الرواية - وفي روايات غاردر بشكل عام - هو أن القصة تُحكى من وجهة نظر شاب صغير, ونلاحظ أيضاً وجود رسائل تصل لأبطال الرواية وتلعب في الرواية دوراً أساسياً, ويبدو أن غاردر مفتونا بالرسائل والمظاريف حتى النخاع, وكالعادة يحب غاردر أن يستخدم أسلوب (قصة داخل قصة), ونلاحظ أيضاً أن روايات غاردر تُسرد في بيئة نرويجية, وهذه الميزة الأخيرة تعطيها خصوصية لا تشاركها فيها كثير من الروايات.
في هذه الرواية يوجد ثلاث أزمنة, زمن سرد الابن جورج القصة لنا وهو في بداية الألفية الثالثة, وزمن كتابة الأب جون القصة لابنه وهو في أول التسعينات, والزمن الذي حدثت فيه هذه القصة بالفعل وهو في أواخر السبعينات.
لا شيء يثير الهيبة والحزن والخشوع والتأمل مثل مرور الزمن, لذا نجد غاردر يتنقل بين هذه الأزمنة الثلاثة ليفجر فيك كل ما يمكن أن يتفجر منك, ولذا نجد غاردر يدمج هذه التنقلات الزمنية بقصة حب, قصة حب يحركها أمام خلفية من الفلسفة والموسيقى وعلم الكون؛ ليفجر فيك مناطق لم تكن تعلم أنت أنها موجودة أصلاً لتتفجر.
رواية صغيره لكنها دعوة للشجاعة, ودعوة للحياة, دعوة للتأمل, رواية عجنت بالكثير من الشجن, شجن جاء به غاردر من مادة الحياة الأصلية, شجن كوني, شجن لا مفر منه, لكنه شجن غاية في الجمال والأبهه والسحر.
بقي أن أشير لنقطة مهمة: لجوستاين غاردر روايات عدة لم تترجم بعد, وكلنا أمل أن تواصل دار المنى نقلها لأعماله, لكن من المؤسف بل ومن المخزي ما تقوم به بعض دور النشر العربية من نقل وتزوير لهذه الرواية كما فعلت مع سابقتها "عالم صوفي", الشيء الذي حدا بصاحبة الدار بمناشدتهم بالتوقف عن أعمالهم هذه.
أعمال ثلة الحمقى هؤلاء هي جرائم بالمعنى الحرفي لكلمة جريمة, وإذا كان أحدهم سوف يشتري نسخة غير أصلية ليوفر مبلغاً ضئيلاً من المال, يجب أن يعرف انه في الحقيقة يوفر مبلغا أكبر مما اعتقد, لأنه بهذه الطريقة لن يشتري رواية أخرى لجوستاين غاردر؛ لأنها لن تترجم بسببه.
الجسد
تعليقات
إرسال تعليق