القائمة الرئيسية

الصفحات


كيمياء الحب


أصبح من المسلمات العلمية أن الحب عملية كيميائية محلها الدماغ الإنساني. وباتت كل النظريات العلمية المتفاعلة في المشهد العالمي، تجمع على أن الدماغ هو العضو الإنساني المسؤول أولا وأخيرا عن الحب، وبذلك صار الأخذ بمقولة القلب المحب من قبيل الخطأ العلمي، في الوقت الراهن.

لم يقف الأمر عند هذا الحد بل صار الحب موضوعا علميا يمكن ملاحظته وتحليله وتفسيره، ومن ثمة التحكم فيه وتوجيهه. وبذلك قدم العلم إجابات واضحة وصريحة، عن موضوع ظل عبر التاريخ الإنساني محاطا بكثير من الغموض.

لقد قال القدماء إن الحب أعمى، لأنه يستطيع أن يجمع رجلا قبيحا بامرأة فائقة الجمال، أو حتى معدما بفتاة من طبقة الملوك، دون أن يعرفوا سبب ذلك، لكن علماء في جامعة لندن انتهوا في أبحاثهم إلى أن الإنسان حينما يحب تتعطل أجزاء دماغه المتحكمة في التفكير وتنشط المناطق المسؤولة عن العواطف.

وبينما تحدث القدماء عن مرض الحب الذي يصيب العشاق بالجنون أحيانا، ولا يشفى منه صاحبه إلا برؤية الحبيب أو وصاله، دون تقديم تفسير مقنع لذلك، استطاع علماء أعصاب الدماغ أن يؤكدوا أن هناك غدتين في مقدمة الرأس لهما دور أساسي في الشعور بالارتباط، وهما الغدتان نفساهما اللتان تدفعان إلى الإدمان. وأن الوقوع في الحب يزيد من إفراز هذه الغدة.

وبينما قال القدماء إن للجمال لهيبة، تعليقا على تلك الرعشة الغريبة التي تهز جسم الإنسان وهو يتأمل وجها جميلا، توصل علماء إلى أن تدفق الأدرينالين في الجسم هو المسؤول عن احمرار الوجه، وازدياد ضربات القلب، وتعرق الجسم.

وبينما تحدث القدماء عن أفراح الحب وأتراحه، واصلين ذلك بقرب الحبيب وبعده ، دون أن يدركوا هذا التفاوت في الشعور، تأكد لدى علماء اليوم أن وراء ذلك الإحساس عملا كبيرا في الجهاز العصبي، ومن ثم تأثير ذلك في جسم الحبيب وذهنه. إن الوصال يمكن الدماغ من إفراز كميات زائدة من الهرمونات التي تمد الجسم بالنشاط اللازم والدفء، وبالمقابل فإن ذهاب الحبيب يؤدي إلى نقص تلك الهرمونات ومن ثم الإحساس بالكآبة والفراغ.

وبينما كان القدماء يعتقدون أن الحب شيء تدركه القلوب، ولا يستطيع اللسان التعبير عنه، كشف العلماء أن الدماغ هو الذي يسمح بالحب. وأن الحب لا يقع فجأة، وإنما بعد موافقة الدماغ،ثم يحتفي بقدومه الجهاز الهرموني. وهذه عمليات بيوكيميائية نستطيع ملاحظتها وتشخيصها.

أخيرا يمكن القول بينما كان محل الحب الميتافيزيقا، أصبح حالة مخبرية بامتياز.



 مسالك الحب


لئن اتفق العلماء على أن الحب ظاهرة دماغية بالأساس فإنهم اختلفوا في تحديد مسالكه، أقصد القنوات العضوية التي يسلكها للوصول إلى الدماغ، وفي هذا الإطار يمكن أن نتحدث عن ثلاث نظريات:
الحب بالشم
الحب بالنظر
الحب بالسمع

الحب بالشم:

في معرفة حاسة الشم:

يا لها من رائحة جميلة!
حالة شعورية نعبر عنها مرارا دون أن ندرك، أن الوصول إليها، كان عبر مسار عضوي معقد ودقيق. كل ما نعلمه أن أنفنا استطاع أن يخبرنا بنوع الرائحة، فعبرنا بلساننا عن هذا الإحساس. لكن بيولوجيا الدماغ تقول شيئا آخر.
صحيح أننا نشم بأنوفنا، وتحديدا بالقسم العلوي من الانف ، فلو نظرنا إلى جدار الانف الداخلي لوجدنا فيه ثلاث قطع عظمية مغلفة بغشاء مخاطي يعلو بعضها البعض وتسمى القرينات ، وهي تشترك في عملية تسخين الهواء أثناء مروره بالأنف ، فإذا نظرنا إلى ما فوق القرين العلوي رأينا المنطقة الشمية. فيها تتوزع ألياف العصب الشمي بعد أن تجتاز سقف الأنف من خلال صفيحة مثقبة كالغربال هي الصفيحة الغربالية.
يتم التمييز بين الروائح عن طريق خلايا متخصصة تسمى المستقبلات. وهي خلايا أو اجزاء خلايا، وظيفتها استقبال معلومات. يمكن تشبيه عملها بعمل هوائيات صغيرة حساسة جدا.

ترسل تلك الخلايا معلوماتها عن طريق الأعصاب إلى الهيبوتالاموس ، وهو المسؤول عن الجوع، والعطش، والمشاعر والانفعالات الجنسية. هناك يتمركز مستودع الروائح، قي شكل أكبر ذاكرة شمية.

وإذا كنا نسلم بأن الرائحة تفتح شهيتنا إلى الإقبال على شيء أو الإعراض عنه، حسب طبيعتها، فكيف تقودنا إلى الوقوع في الحب؟

1-1-2 حب بطعم المسك:
لحاسة الشم حضور مميز في شعر الحب العربي، من خلال الإصرار على تقديم المحبوبة وقد تضمخت عطرا، وفاحت طيبته، وتعداد أنواع العطور والمواد العطرية، والمفعول السحري الذي يتركه في الذات العاشقة:

وفَتّانَةَ العينيْنِ قَتّالَةَ الهوى إذا نفَحَتْ شَيخاً روائحُها شبّا
البيت للمتنبي، ومعناه أن هذه المرأة الساحرة، ذات العينين الفاتنتين، والحب القاتل، تستطيع أن ترجع للشيخ شبابه إذا نفحته بروائحها العطرة.

للحب رائحة، وللمحبوبة عطر يميزها، ليس في حضرتها وحسب، بل وفي غيابها أيضا، تماما كملامح وجهها:

يجن شوقا فلولا أن رائحة تزوره في رياح الشوق ما عقلا

ومعنى البيت أنه لولا رائحة الحبيبة لجن شوقا لبعده عنها. ومثل هذا البيت قول العباس بن الأحنف:

هاجت لي الريح منها نفح رائحة أحيت عظامي وهاجت طول تذكاري

أما مجنون ليلى فيجد رائحتها في الثياب التي ترتديها:

فما مس جنبي الأرض إلا ذكرتها وإلا وجدت ريحها في ثيابها

ما نوع تلك الرائحة؟ يجيب بشار بأنها رائحة المسك والريحان:

يذكرني الريحان رائحة التي إذا لم تطيب وافق المسك ريحها

من خلال هذه الشواهد يتبين أن رائحة الحبيب لم تكن ذات مفعول حضوري فقط، بل هي ذات ذاكرة قوية.
علاقة الشم بالذاكرة التي تحدث عنها الشاعر العربي. أيدها العلم مؤخرا، فأنت لا تستطيع أن تشم إلا إذا استدعيت تلك الرائحة في ذاكرتك أولا.. أو بكلمات أخرى فإن ذاكرتك تنشط بالرائحة..

كما أن التاريخ يحتفظ ببعض المرويات التي تثبت العلاقة بين الرائحة والحب، ومنها ما قام به مسيلمة الكذاب حينما استطاع أن يستميل "سجاح"، منافسته في ادعاء النبوة، وأقنعها بالزواج منه حتى يستقل هو بدعواه، وذلك بعد أن ضوع الخيمة التي جعلها للتفاوض بعبق البخور العربي.

 حب بطعم العرق:
العرق سائل حمضي لا لون له، ذو رائحة كريهة، يحتوى على بعض الأحماض الذهنية والمعادن، ويخرج عن طريق الجلد من خلال الغدد العرقية. وهي عبارة عن غدد أنبوبية صغيرة تتواجد داخل سطح الجلد وتحته، ويخرج العرق من خلال الفتحات التي تنتهي بها هذه الأنابيب عند سطح الجلد.

يفرز العرق تحت تأثير الجهاز العصبي المستقل الودي عن طريق الناقل العصبي الأسيتيكولين Acetycholine . و تتكون هذه الغدد العرقية من جزء مُفرز، ينتج العرق، وجزء أنبوبي، يعبر البشرة ليفتح على سطح الجلد.

أما عن علاقة رائحة العرق بالحب، فقد أثبتت بعض البحوث العلمية أن صنفا من النساء ينجذبن للروائح القوية خاصة في فترات الحمل.

وفي دراسة أخرى قام بها علماء أمريكيون من جامعة شيكاغو ونشرت في مجلة «نيتشور جينيتكس»، أكدت أن صنفا من النساء ينجذبن لروائح مشابهة لرائحة آبائهن.

فقد أجريت اختبارات على تسع وأربعين امرأة غير متزوجة طلب منهن شم رائحة ثياب ارتداها رجال، وظهر أنهن يملن إلى رائحة شبيهة برائحة آبائهن.
وفسر الباحثون هذا الاختيار بالتوجه نحو رجال ذوي جهاز مناعة مجرب، وسبق اختباره من قبل الأب. لكن الباحثين أشاروا إلى أن النساء يملن أيضا إلى الرجال الذين لديهم شبه طفيف برائحة الأب، كي تضمن النساء تنوعا أكبر في مورثات النسل المقبل.


1-1-4 الحب بالفيرومون
قد يبدو متعذرا لكثير من المحبين إقناعهم أنهم سقطوا صرعى الحب بأنوفهم، ليس لأنهم تأثروا بروائح طيبة، وإنما بسبب جزيئات دقيقة، لا رائحة لها، جعلتهم يركضون خلف حبيباتهم.

وتستطيع نظرية الحب بالفيرومون، أن تثبت لهم تورط أنوفهم في مصابهم، وإن كان الموضوع لم يحسم بعد.

فكيف نحب بالفيرومون؟
يقول أصحاب هذه النظرية إن الإنسان على غرار الثدييات والحشرات يفرز جسمه مواد كيميائية، تستطيع أن تثير اهتمام الآخرين من الجنس المقابل، وتحرك رغباتهم، عبر توظيف حاسة الشم وتحديدا بعضو صغير جدا في المخاط الذي يغلف الجزء العلوي لتجويف الأنف. يلتقط هذا العضو تلك المواد ثم يبعث بها إلى الهيبيتالاموس لاتصاله المباشر به، مركز إحساساتنا في الدماغ. هناك يتم البحث في مضمون الرسالة، وإذا لم تكن هناك موانع يطلق الدماغ إشارات الموافقة باستنفار جهازه الهرموني.

تسمى المواد العضوية المتنقلة بين الطرفين الفيروموناتLes Phéromones وهي مواد كيميائية يفرزها جسم الإنسان من خلال جهازه التناسلي و إبطيه وحلمتيه، وجلدة رأسه. وهي مواد لا رائحة لها، ولكن الدماغ يستطيع قراءة مضمونها والتعليق عليها بسلوكات الموافقة أو الرفض. فلكل فرد فيروموناته الخاصة، التي تحدد تكوينه العضوي، وانتماءه الاجتماعي.
يعود الاهتمام بموضوع الفيرومون إلى 1911 مع أبحاث جون هنري فابر حينما عمد إلى وضع إناث الفراشات في قفص، بينما وضع الذكور على بعد 5 كلم. وبعد لحظات وجد الذكور قد اقتربت من القفص. فاستنتج أن هناك مادة كيميائية أرسلتها الأنثى لاستدراج الذكر. فكانت هذه المادة هي الفيرومون.
في سنة 1959 وضع العالمان كالسون ولوزبر مصطلح الفيرومون، مركبا من جذرين إغريقيين: hormon إثارة و pberain نقل. وقد وضعا له التعريف اللتالي:

الفيرومونات مواد يفرزها أفراد ليستقبلها أفراد آخرون من نفس النوع، لإحداث استجابة محددة، أو موقف أو تحول بيولوجي.

وتعتبر الفيرومونات أدوات التواصل الأساسية بين الحشرات والحيوانات، فبواسطتها تستطيع اختيار شريكها الجنسي، والتعايش بينهما. وقد أخذ العلماء فضول البحث في جسم الإنسان ودماغه إلى التوصل إلى استجابات مماثلة بفعل الفيرومونات، فقامت تجارب كثيرة في الميدان أكدت أن الإنسان لا يشذ عن الحيوان في توظيف أنفه أثناء اختيار شريكه.

في سنة 1978 قام البروفيسور كيرك سميث Kirk Smith من جامعة بيرمينغهام بدراسة عينة من 840 امرأة، جمعهن في قاعة بها بعض المقاعد. وطلب منهن أن يخترن مقدا واحد. وكانت النتيجة أن 80% منهن اخترن مقعدا بعينه. لأنه كان مدهونا بمادة الأندريستينول وهو فيرومون رجالي.
لقد قادت نظرية الحب بالفيرومون البحث العلمي إلى أحضان المؤسسات التجارية، فوجدتها موضوعا مغريا تجاريا، ومربحا إلى حد كبير، وكانت النتيجة أن تم تصنيع عطر مدعم بالفيرومونات.

1-1-5 العطر العجيب لجلب الحبيب:

في سنت 2000 نشرت مجلة "فيزيولوجي إند" نتائج دراسة شملت 36 امرأة. 74% من اولئك اللواتي يضعن عطرهن العادي ممزوجا بالفيرومونات لاحظن ازديادا كبيرا في نشاطهن الجنسي، مقابل 23% من اللواتي وضعن عطرهن الخاص الممزوج بمادة غير مؤثرة.

وقالت احدى المشاركات انها كانت تقيم عادة اتصالا جنسيا واحدا في الاسبوع مع زوجها، لكن الأمر ازداد الى أربع مرات خلال فترة التجربة
وقالت المشرفة على البحث نورما ماكوي، أستاذة علم النفس في جامعة فرانسيسكو، إن الرائحة لا يمكن التقاطها، كما لا يعي الرجل ولا المرأة بوجودها، لكنها قوية جدا. وأضافت أن هذه المادة الكيميائية تنشط على ما يبدو الرغبة الجنسية لدى الرجل.

إذن، الأمر في رأي هذه الشركات بسيط جدا، أنت كائن تحب بأنفك، فما عليك إذن إلا أن تتعطر بعطر الفيرومون لتتهافت عليك النساء. تقول إحدى الإعلانات:

هذا العطر النسائي بالفيرومونات، صيغة جديدة تحتوي على فيرومونات إنسانية ثابتة علميا، لإثارة الرجال. تماما كما يحدث للحيوانات التي توظف رائحتها لإثارة الشريك، الإنسان يستجيب للفيرومونات، ومن ثم فأنت تستطيعين أن تضاعفي حظوظك، في جذب من ترغبين من الرجال.

هذا العطر الطبيعي مكون أساسا من الفيرومون ممزوجا بزيوت محددة لخلق رائحة من شأنها أن تجذب إليك الرجال دون عقول. ستجدين نفسك بفضل هذا العطر محاطة بابتسامات الرجال ونظراتهم.

ويقول إعلان آخر موجه للرجال:

استطاع التطور الحالي أن ينزع من الرجال القدرة على إفراز الكميات الضرورية من الفيرومونات من شأنها أن تثير النساء. إن القدر القليل الذي يفرز اليوم يتم تدميره.
لهذا عمل العلماء على تحديد وعزل وإعادة إنتاج هذا التركيب الفيروموني الرائع والقوي.
إذا استعملته ولو قليلا فإن النتائج ستكون باهرة. ستجد نفسك فجأة محاطا بالنساء وهن يتشوقن إليك.

إن مثل هذه الإعلانات التي يسيل لها لعاب الباحثين عن الحب، أو عن المتعة الرخيصة تزدحم بها شبكة الأنترنيت لبيع هذا العطر العجيب في قنينات بين 29 مللتر و 100 مللتر بأثمنة تصل إلى 60 دولار أمريكي. ولكم أن تتخيلوا كم ستصل أرباح هذه الشركات، لا سيما أنهم يضربون على الوتر الحساس في النفس الإنسانية.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن استغلال تظرية الحب بالشم لأهداف تجارية خلقت اتجاهين متناقضين في البحث العلمي، اتجاه أول تحمس لها ودافع عنها، مستفيدا من أرباح الشركات. وفي مقدمة هؤلاء الدكتور جيمس كوهل الذي خصص أبحاثه ومؤلفاته للدفاع عن هذه النظرية. ويمكن زيارة موقعه على الشبكة للاطلاع على مساهماته في المجالhttp://www.pheromones.com

على الطرف الآخر نجد باحثين رافضين بتاتا لمثل هذا الاستغلال العلمي، فالدكتور ألان هيرش وهو من المدافعين عن تأثير حاسة الشم في اختياراتنا الجنسية، يستبعد مطلقا أن يكون لذلك العطر أي دخل في ذلك. بل ذهب متحديا إلى أنه طلب من إحدى الشركات المصنعة لعطر الحب أن يقوم بتجربة لأحد منتوجاتها لكنها رفضت ثم يضيف "ولكم أن تستنتجوا".

بينما ذهب الدكتور إيفان رودريغيز إلى التشكيك أصلا في النظرية من أساسها، مستبعدا أن يكون للفيرومون تأثير في الحب لدى الإنسان، لسبب بسيط أن الإنسان ليس حيوانا وإنما هو كائن مشروط بعوامل أخرى متداخلة يقول: "لا يجب أن نتوهم أن الفيرومونات الإنسانية التي تباع في قنينات من حجم 100 مليلتر ستمكننا يوما من إثارة النساء. هذا يتم إلى حد كبير عند الحيوانات والحشرات خاصة. أما نحن فنوظف معلومات مهمة إضافة لتلك التي تأتينا عبر الأنف، عندما نبحث عن شريك حياتنا مثلا".


 الحب بالنظر:

أكدت دراسة حديثة أجراها باحثون في معهد ماساشوستس للتقنية بالولايات المتحدة أن رؤية امرأة جميلة تثير شعوراً بالبهجة في مخ الرجل يماثل الشعور، الذي يحس به جائع لدى تناول وجبة شهية أو مريض لدى تعاطي قرص دواء.
وجاء في نتائج الدراسة التي نشرت في مجلة «نيورون» أن جمال المرأة يؤثر في مخ الرجل على مستوى طبيعي مباشر وليس على مستوى ذهني وفكري رفيع.
وقال دان ارييلي المؤلف المشارك لهذه الدراسة: "إن جمال المرأة يشبه في أثره مفعول قرص الدواء بالنسبة للمريض". وقد استخدمت في هذه الدراسة صور لنساء في منتصف العشرينيات من أعمارهن بدرجات متفاوتة من الجاذبية، وتم قياس أثر تلقي الرجال المشاركين في الدراسة لثمانين صورة لوجوههن، وقد برهنت الدراسة رقمياً أن هذا الأثر يقارب وجبة شهية بالنسبة لشخص جائع أو تأثير دواء بالنسبة لمريض يعاني من حالة مؤلمة.
وقال دكتور هانز بريتير المشارك في الدراسة إنه لم يحدث من قبل أن تم إبراز تأثير الجمال على دارات المخ الأولية بهذا الوضوح وإن نتائج الدراسة تؤكد أنه لا صحة للطروحات التي تفيد أن الجمال ليس إلا نتاجاً لقيم المجتمع.

تعود هذه الدراسة لتؤكد مقولة إن للجمال لهيبة بما تعنيه من تأثير نافذ للمجال البصري في اختياراتنا العاطفية. إن العين هنا تلتقط صورة المرأة، ملامح وجهها، أو شكلها وهيأتها، أو أي جزء مثير فيها، ثم تبعث بالرسالة إلى الدماغ الذي عليه أن يقرر موقفه النهائي، إما بالإعجاب وإما بالكراهة. لكن كيف تتم هذه العملية عضويا؟
يمكن التمييز بين أربع مراحل:

-مشاهدة وجه مثير
-نشاط المنطقة البصرية في الدماغ (الفص القذالي).
-تحليل علامات الوجه ومقارنتها بتلك التي تم تخزينها
-إبداء موقف إيجابا أو سلبا.

فماهي المعايير الني تساعد الدماغ على الإعجاب بوجه دون آخر؟


قيم الجمال:
من وجهة نظر سوسيولوجية فإن البعد الثقافي لمجتمع ما يجد صداه لدى كل الأفراد الذين يعيشون داخله.ولا يشد الجمال باعتباره قيمة ثقافية عن هذه القاعدة. ولذلك لا تستغرب أن تجد مقاييس القبح في مجموعة بشرية معينة هي مقاييس الجمال عند مجموعة أخرى، وحتى داخل المجموعة نفسها تعرف مقاييس الجمال تغيرات من جيل إلى جيل ومن حقبة تاريخية إلى أخرى، فقد كانت البدانة مطلوبة في جمالية المرأة العربية قديما، كدلالة على وضعية اجتماعية ما، بينما كانت النحافة تعني أن المرأة تتعب كثيرا، أما اليوم فصارت البدانة أمرا غير محبب، وبات العالم خاضعا لسلطة النموذج الواحد الذي تقدمه دور الأزياء، وتجسده مغنيات الفيديو كليب.

وعموما، فإن الجمال لدى علماء التجميل يعني التناسق بين مكونات الوجه، باتباع قانون الأثلاث، أو قانون الأخماس.

قانون الأثلاث:
يتم تقسيم الوجه الى ثلاث مناطق أفقيه متساوية .

المنطقه الاولى :
من منبت الشعر الى الخط الأفقي المار بالحاجبين.

المنطقه الثانيه :
من الخط السابق الى الخط الافقي الذي يمر أسفل فتحتي الأنف.

المنطقة الثالثه :
من الخط السابق الى نهاية الذقن.

إذا تساوت المناطق الثلاث يكون الوجه جميلا.. أما إذا اختلت المسافات فان الوجه يفقد بعضا من جماله.


قانون الأخماس:
وفيه تكون المسافات القياسية بين أطراف الوجه متساوية عموديا من الأذن اليمنى إلى اليسرى، كما يظهر في الرسم الموالي.



"لا توجد امرأة غير جميلة"
من المنظور الواقعي لا يبدو هذا الرأي سليما، لكن طب التجميل يرفعه شعارا دعائيا، "ولكن توجد امرأة لا تستطيع إبراز أنوثتها وجمالها". هنا مربط الفرس.
إنها دعوة لصناعة الجمال، التي باتت من أهم الصناعات الطبية في العالم، بناء على النموذج الذي تقدمه عارضات الأزياء، والصناعة السينمائية.


اللاوعي الفردي:

يذهب علم النفس الفردي أن الرجل لا يعشق إلا صورة أمه التي احتفظ بها في لاوعيه منذ الطفولة. إنه ينجذب من حيث لا يعلم إلى تلك الملامح التي لم يعد يتذكرها ولكنها محفوظة في ذهنه. يقول فرويد: "إننا لا نلتقي إلا مع ما يوجد في لا وعينا". ويضيف كريستيان دافيد "كل واحد منا يحمل في داخله الحنين إلى الحب الأول المثالي، الحب الأمومي، وتظل رغبة إعادة إنتاجه حية فينا".

بينما ذهب جون جورج لومير إلى أننا نلتقي مع من نحلم به. إن عقدة النرجسية هي التي توجهنا في اختياراتنا العاطفية. إننا نبحث عن آخر يوافق ما نفكر به، ما نريد أن نكونه. إننا نبحث عن مرآة تعكس الصورة الإيجابية التي نكونها عن ذواتنا. المثالية هي أساس الحب. لا توجد علاقة عاطفية بدون إعطاء قيمة للشريك.


1-3 الحب بالسمع

والأذن تعشق قبل العين أحيانا
ربما يكون بشار بن برد قد قال هذا الشطر الشعري لأنه كان أعمى، لا يستطيع أن يعشق إلا بأذنه، لكنه يعبر عن حقيقة علمية مفادها ان للعميان حاسة سمع أحد من تلك التي للمبصرين. أيضا فهو لا يجانب الحقيقة التي تقول إن الأذن قد تسقطنا في الحب، مثلما رأينا مع الأنف والعين. فكيف ذلك؟

حينما نسمع صوتا ما، فإننا نستطيع أن نرد مباشرة هل نعرف هذا الصوت أم لا.

هذا الحكم يخبرنا به الفص السمعي الذي يمتلك قدرة طبيعية على معرفة الأنواع الصوتية، والتمييز بينها، في الشق الأيمن من المخ، ثم يتم البحث عن إسم صاحب الصوت وعنوانه في الشق الأيسر.

وكما أن الدماغ يرتاح لروائح دون أخرى، وينجذب لوجوه دون غيرها، فإنه قد يفضل أصواتا بعينها، ولذلك غالبا مانقول إن لهذه الفتاة صوتا جميلا، أو لهذا الفتى صوتا رخيما، وليس ذلك إلا لأنه لقي ترحيبا في الدماغ من خلال ذاكرة تحتفظ بأصوات بعينها مميزة. هكذا ينجذب الرجل إلى المرأة، والمرأة إلى الرجل من طبيعة الصوت لاغير.




2 هرمونات الحب



تقديم:
ثبت لدى علماء أعصاب الدماغ أن الوقوع في الحب يستدعي الدماغ إلى إفراز هرمونات معبرة عن اللحظة السعيدة. وهكذا ينشط الذهن، ويخف الجسم، ويحمر الوجه، وتتعرق اليدان، ويخفق القلب. هذا المهرجان الهرموني يستحق لقب هرمونات الحب.


الدوبامين: هرمون اللذة أو هرمون الإحساس الجيد
يفرز الدماغ هذا الهرمون بكميات معتدلة وثابتة في الوضع الطبيعي حفاظا على التوازن الذهني داخل الجهاز العصبي. لأنه مسؤول عن نقل الإشارات المتعلقة بالشعور بالراحة والانتشاء، أكان ذلك بعد تناول وجبة غذائية لذيذة، أو تحقيق فوز ما..

إن الوقوع في الحب يدفع الدماغ إلى إنتاج كميات زائدة من الدوبامين تقوم بتنشيط المستقبلات في الحال، فيشعر المحبوب وهو بين يدي حبيبه، بنشاط لا يقاوم، وسعادة غامرة، وما ذلك إلا بفعل هذا السحر العجيب المسمى الدوبامين.

إدمان الحب:
توصل العلماء إلى أن إفراز هرمون الدوبامين بكميات زائدة، بفعل مثيرات خارجية كالتدخين والمنبهات والأكل والمخدرات.. قد يدفع إلى الإدمان. فالمخدرات مثلا تستنفر في زمن قياسي كل المستقبلات، فينتج عن ذلك تأثير سلبي على خلايا المخ، حيث تتدمر بعض مستقبلات الدوبامين، فيؤدي ذلك إلى تعكير مزاج المتعاطي.

من جهة أخرى كشف الباحثون في معمل بروكهافن القومي بنيويورك أن مراكز الإحساس بالدوبامين لدى الأشخاص البدن تكون أقل، هذا يدفعهم إلى الأكل بنهم للإحساس بالرضى. فيما كشف علماء أمريكيون أن الغدد التي تقود إلى الإدمان على المخدرات هي الغدد نفسها التي تنشط أثناء الوقوع في الحب. من ثم قد يصبح الحب إدمانا. ولا شك أن الدوبامين هو المسؤول عن ذلك.


السيروتونين:
وسيط كميائي يعتمد عليه الدماغ لتنظيم سلوك الإنسان. وإذا اضطرب مقداره زيادة أو نقصا أثر ذلك في حياة الفرد، وسلوكه الشخصي. فيصاب بالقلق ويحس بالكآبة إذا نقص قدره، ويميل إلى الانبساط الزائد، الذي قد يتجاوز الضوابط الاجتماعية، إذا أفرز بكميات وافرة.

إن الوقوع في الحب يزيد إفراز هذا الهرمون لتحقيق النشاط اللازم، خاصة لدى النساء اللواتي يوجد بنسب أقل لديهن. وبذلك يساعدهن على تجنب الكآبة التي تلازمهن وتدفعهن في أحيان كثيرة إلى السقوط فريسة مرض الاكتئاب.


الأدرينالين والنورادرينالين:
حين نفاجأ بموقف ما تحدث استثارة للجهاز العصبي الودي الذي ينشط هذين المستقبلين من خلال الغدة الدرقية. الأدرينالين ينشط المستقبلات الحركية ألفا وبيطا1 وبيطا2، أما النورادرينالين فينشط فقط الفا وبيطا1. هذه المستقبلات توجد في الأوردة الدموية. لهذا غالبا ما يصاحب إفراز هذين الهرمونين احمرارا في الوجه، وتسارع ضربات القلب، وتعرق الجسم.
هذه الحالة كثيرا ما ترافق العشاق، سواء عند رؤية المحبوب، أو سماع إسمه، أو الاجتماع به في لقاء حميمي.


الأوكسيتوسين:
هرمون الحب. أو هرمون الراحة النفسية والبدنية، والشعور بالدفء والأمان. أثناء الوقوع في الحب تزداد كميات إفرازه، ويبلغ مداه أثناء القذف.
كما كشف العلماء أنه وراء الإحساس بالسعادة لدى الأزواج المتوافقين، لأن تلك الاوقات الحميمة التي يقضيها الرجل مع زوجته تساهم في تنشيط مستقبلات الفاسوبريسين.
إنه يشكل مع الدوبامين ثنائي اللذة لدى الحبيبين.


الفاسوبريسين:
هرمون الإخلاص. أو هرمون اختيار الشريك. فقد أظهرت بحوث أجريت على أدمغة الفئران أن تلك التي تنشأ في الحقول والمعروفة باختيار شريك واحد، تتميز بوجود نسب مرتفعة من الفاسوبريسين في مراكز التحفيز في أدمغتها. أما فئران الجبال ذات الشريك المتعدد، فلا يوجد لديها هذا المستقبل. من جهة أخرى توصل العالم ستيفن فليبس في معهد أرموري إلى وجود تنوع كبير في توزيع الخلايا المستقبلة للفاسوبريسين لدى فئران الحقل، مما يعني وجود اختلاف في السلوك الاجتماعي من فأر لآخر. وهو الأمر ذاته الذي اكتشفه الدكتور لاري يونغ لدى الإنسان، ومن ثم قال: "قد نتمكن مثلا من دراسة التسلسل الجيني أو تسلسل الخلايا المحفزة لتصنيف الأشخاص حسب جيناتهم وربط ذلك بدرجة الإخلاص لديهم". في سنة 1999 قاد الدكتور يونغ فريقا أخذ الجينة المستقبلة لدى فأر الحقل ووضعها لدى فأر عادي، وكانت النتيجة فأرا أكثر تعلقا بشريكه. 
Reactions

تعليقات