يتمتع البعض بالقدرة على الاسترخاء والمحافظة على برودة الأعصاب مهما كانت درجة التوتر والضغط النفسي الواقعة عليهم، بينما يحوّل آخرون أي مشكلة صغيرة يمرون بها إلى كارثة كبيرة ومصدر متواصل للقلق والغضب والحزن.
والسبب في ذلك لا يرجع إلى الاختلافات في أنماط الشخصية فقط بل إلى اختلافات حدثت خلال مرحلة التربية والتنشئة.
ولفهم ذلك الأمر يجب توضيح معلومة مهمة هي أن «لكل شخص جهازاً مناعياً - نفسياً، وجهازاً مناعياً - بدنياً. والجهاز المناعي البدني يصف قوة الشخص في محاربة ومقاومة الأمراض، بينما يصف الجهاز المناعي النفسي قوة الشخص في التعامل مع التوتر والضغط النفسي ومقاومته للأمراض النفسية. ولا بد من تدريب الجهاز النفسي وزيادة مستواه الصحي حتى نعيش حياة صحية نفسياً وبدنياً. لكننا في الحقيقة نتعلم ونقضي وقتاً طويلاً لتقوية الجهاز المناعي البدني، بينما نهمل (أو حتى لا نعرف) كيفية العناية بالجهاز المناعي النفسي».
كلّ منا ينمو ومعه جملة من الأفكار حول من يكون وكيف سيكون وكيف يجب أن يكون العالم من حوله، وهذه الأفكار تتولّد بناء على تجاربنا السابقة وطريقة تعاملنا وتحليلنا الشخصي لها. وبما أن كل شخص يمر بتجارب عدة، ويتعامل مع كل منها بطريقة مختلفة. لذا، لا يوجد شخصان يتفقان تماماً في نظرتهما إلى الأمور أو في التخمين وتوقع ما يحدث حولهما.
وإذا نشأنا ونحن نظن بأن العالم هو كما نعتقد ونخمن فسننصدم بشدة عندما نكتشف أن الأشياء ليست كما ظننا، وأننا ارتكبنا خطأ كبيراً في حكمنا المسبق.
وكلما مررنا بمواقف وظروف غير متوقعة فسنكتشف أن هناك فرقاً شاسعاً بين ما ظنناه وما هو واقع، فلعلنا ظننا بأننا سنمضي حياتنا مع شخص معين، ثم هجرنا ذلك الشخص أو توفي. أو لعلنا نشأنا ونحن نظن بأننا إذا كنا طيبين فلن يقع بنا مكروه، ثم وقع بنا مكروه. ومع كل اكتشاف للخطأ في الحكم المسبق أو التوقع سيزداد شكنا في أفكارنا ونظرتنا للأمور، ثم نبدأ نشعر بالوهن والغباء، وقد نتحطم وننهار ونصاب بالاكتئاب المرضي.
ويشرح خبراء النفس الأمر، قائلين: «يعاني الشخص من فرط التوتر أو حتى الاضطراب النفسي لأنه لا يتقبّل نفسه أو الواقع الذي من حوله أو لا يثق في نفسه. وغالباً ما تأتي هذه الطريقة في التفكير خلال مرحلة الطفولة، وتنمو معه لتلازمه طول حياته، فقد يكون السبب فرط الدلال أو عدم تحكّم الوالدين في حياة أطفالهما، مما يحرمهم من تعلم كيفية مواجهة المواقف الصعبة والتوتر. أو قد يكون السبب التربية القاسية التي تعلم الطفل أنه سيئ أو غير مقبول أو أقل من أقرانه، مما يجعله يحمل هذه الوصمة طوال حياته ويتدمر إذا تعرض لموقف صعب».
إذا قيّمنا أنفسنا بشكل إيجابي فسنجد «الثقة في أنفسنا» حتى لو كنا خائفين، لأننا نعرف أن الشعور بالخوف سيزول، وسنتمكن من مواجهة التحدي بنجاح وقوة.
في المقابل، كلما زاد خوفنا وشكنا في قدراتنا فسنحاول التمسّك بمشاعر الخوف ونلجأ إلى دفاعات يائسة مثل:
• إيذاء الجسد بالجرح أو التجويع أو فرط الأكل.
• لوم النفس على الكارثة فنصبح مكتئبين.
• ربط سبب خوفنا بالعالم من حولنا فنمتنع من الاختلاط وننعزل عنه نتيجة الخوف.
• الانهماك في العمل وتجاهل الواقع عبر الانشغال أكثر وأكثر.
• محاولة جعل كل شيء من حولنا آمناً والتأكد من كل شيء على نحو موسوس.
• الانعزال في عالمنا الداخلي الخاص وترك محاولة فهم العالم والطريقة التي يتبعها الآخرون.
ماذا يحدث في جسمك عندما يزداد توترك؟
إذا كنت واحداً من الفئة التي تعاني من فرط التوتر والقلق، فتذكر أن الانفعالات القوية تؤثر فيسيولوجيا على الجسم من خلال إفراز هرمونات التوتر، التي تعمل على زيادة معدلات التنفس ونبضات القلب وتسبب الغثيان وألم المعدة، وتؤثر على العضلات وترفع ضغط الدم. ومع تكرار إفراز هذه الهرمونات واستمرار هذه التفاعلات الجسمية بصورة متواصلة يتزايد ضررها على الصحة، خاصة عند المصابين بمرض القلب.
طرق لتقليل التوتر
1 ــ ممارسة الرياضة بشكل عام، ومنها رياضة اليوغا.
2 ــ التعوّد على ممارسة تمارين التنفس العميق والبطيء.
3 ــ ممارسة هواية ونشاطات ترفيهية.
4 ــ الاسترخاء الجسدي والراحة والنوم بقدر كاف.
5 ــ التحرر من أي ملابس ضيقة.
6 ــ التخيل البصري وأحلام اليقظة: دع الأفكار تنساب في ذهنك من دون تركيز، فاسترخ ودع قلبك ينبض بهدوء، وتخيل أنك في مكانك المفضّل أو أمام منظر أخّاذ.
7 ــ التحدّث للآخرين والالتقاء بهم، ولا يقصد هنا الشكوى والتذمر للآخرين فقط، بل التحدث معهم في أمور الحياة وتبادل النكات ومناقشة أمور الحياة.
8 ــ المرونة وتقبّل ما تجلبه لك الحياة، والتدريب على التأقلم مع الآخرين والظروف والنظرة الإيجابية للظروف التي تمر بها.
تعليقات
إرسال تعليق