إذا تمعنّا في نظرية مالتوس، التي لا تزال تلاحق البشرية منذ نهاية القرن الثامن عشر، فلا بدّ من القول إن انتشار فايروس كورونا، سواء كان فعلا طبيعيا، أم مُتعمّدا، يقع بالفعل ضمن نطاق مليار مالتوس الذهبي على كوكبنا.
تقول النظرية إن التزايد السكاني يتم بمتوالية هندسية وصفها صاحبها بدقة، تصل من الرقم 1 إلى الرقم 256، وتشير إلى أن عدد سكان كوكبنا يتضاعف كل 25 سنة؛ أما تزايد ما يحتاجه الإنسان من موارد عيش، فيتم بمتوالية حسابية مختلفة تبدأ بالرقم 1 وتصل إلى الرقم 9. وكي يكون هناك توازن، لا بد للبشرية أن تتدبر أمرها لضبط التزايد السكاني؛ فالفجوة بين النسبتين هي 9 لـ256 للفترة الزمنية ذاتها.
توماس روبرت مالتوس عالم سكاني اقتصادي بريطاني ارتبطت نظريته باسمه، ولد في العام 1766، وهو ابن لأسرة إقطاعية ثرية، درس الرياضيات ودرس معها العديد من التخصصات.
قيمة أبحاث مالتوس تكمن في ربطه التزايد السكاني مع الإنتاج بعامل الزمن، وهو جانب لم يكن قد تمّ أخذه بالاعتبار من قبل، إلا إذا عدنا إلى ابن خلدون وأسبقيته في علم الاجتماع.
كتابه الهام ”بحث في مبدأ السكان“ أثار في زمنه ضجة هائلة، ويشير المؤرخون إلى أن عبارة واحدة منه كانت كفيلة برفع الكثير من الأصوات ضدّه، وهي قوله إن ”الإنسان العاطل الذي لا ليس له من يعيله لن يكون له نصيب من الغذاء فهو ضيف فائض على وليمة الطبيعة التي ستأمره بمغادرة المكان على الفور“.
نتيجة طبيعية للخلل
وضع العالم حسب تصورات مالتوس يوجب وجود موانع تكبح نمو السكان وتنقص أعدادهم، فالناس لا يملكون الثقافة والبصيرة، ولا بد من تدخل عوامل خارجية كالحروب والإفقار والمجاعات والأوبئة لتحقيق هذا التوازن
وضع العالم حسب تصورات مالتوس يوجب وجود موانع تكبح نمو السكان وتنقص أعدادهم، فالناس لا يملكون الثقافة والبصيرة، ولا بد من تدخل عوامل خارجية كالحروب والإفقار والمجاعات والأوبئة لتحقيق هذا التوازن
رأى مالتوس أن التحولات الاقتصادية قد ترافقت مع انتشار مشكلات اجتماعية خطيرة. فالنقص في إنتاج المواد الغذائية أدى إلى ارتفاع الأسعار، وزيادة التكدس البشري فاقمت الفقر، وزادت البطالة. وبينما رأى علماء آخرون أن الآلام والفقر والحرمان هي نتاج لنظم اجتماعية بائسة، وسوء تنظيم في المؤسسات الحكومية والقوانين الجائرة؛ رآها مالتوس كنتائج طبيعية للنمو السكاني؛ فالتناقض بين قدرة السكان على التزايد، وقدرة الأرض على إنتاج الغذاء، هما المعضلة الأساس التي تواجه البشرية والتي تتمخض عنها زيادة في المآسي البشرية وآلامها وتعقيد للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية من جوع وبطالة وفقر ومرض ورذيلة وفساد أخلاقي.
وهنا، كما يعتقد مالتوس، لا بد من موانع تكبح نمو السكان وتنقص أعدادهم، وقد تأخذ ذلك الشكل الإيجابي والأخلاقي كالعفة والزهد والرهبنة؛ إلا أن ذلك برأيه لا يكفي؛ فالناس لا يملكون الثقافة والمعرفة والبصيرة؛ ولا بد من تدخل عوامل خارجية كالحروب والإفقار والمجاعات والأوبئة لتحقيق هذا التوازن.
الماركسية من جانبها وقفت موقفا مضادا لنظرية مالتوس في العلاقة غير المتوازنة بين عدد السكان والإنتاج منطلقة من مبدأ الصراع الطبقي في المجتمع الرأسمالي؛ حيث إن هذا البؤس الاجتماعي ناتج عن الخلل بين السكان والتنمية، وهو النتيجة الطبيعية لعيوب النظام الرأسمالي، وعلى رأس ذلك؛ الاستغلال والإفقار المتعمد واللجوء إلى الحرب والتجويع والأوبئة من أجل بقاء الطبقة الأعلى مسيطرة.
تعليقات
إرسال تعليق