- يُستعمل تعبير "عليك أن تثق بي" كثيرا لدرجة تفقده معناه بمرور الوقت. من الطبيعي أن يطلب الكلّ ثقة الآخرين، فالشركات تريد أن نثق بها، وزملاؤك يحتاجون إلى ثقتك لكي تنجز أعمالهم. فكيف تكسب ثقة الآخرين؟
من نواحٍ عديدة، تشبه الثقة مادة الغراء التي تشد بعضنا إلى بعض. وفي المقابل، فهي تجعل تفاعلنا مع بعضنا أكثر سلاسة.
لكن لا يمكن نيل الثقة إلا عبر العمل الدؤوب والنشاط الفعال، وليس بالنيات الطيبة وحدها.
فلكي تنال أي شركة ثقة الناس بها، عليها أن تبرهن أن مثل هذا الأمر متوافر فيها. ويجب عليها إثبات ذلك، ليس بالكلمات فقط، ولكن بالأفعال أيضاً. يبدأ ذلك من مجالس الإدارة، والإدارة التنفيذية، انتهاءً بواجهات المتاجر، ومروراً بأرضية المصانع، والحارس الذي يحيي العاملين والزبائن وهم يمرون عبر الأبواب.
كيف يمكنك أن تجعل من عبارة "ثق بي" ذات مغزى؟ يمكن تطبيق المبادئ نفسها على الشركات والأشخاص على حد سواء.- لا تتحدث فقط: بل طبّق ذلك. الأعمال أقوى من الكلمات. لا يكفي أن تنطق ببساطة بعبارة "ثق بي" أو تحدد الهدف المطلوب من خلال الكلام فقط؛ إذ يسهل التعرف على الايماءات الدّالة على معنى ما، لكن في الحقيقة الأفعال البسيطة هي التي تترك أثرها الفعال بمرور الأيام.
على المستوى الفردي، تعد أمور مثل الحضور في الموعد المحدد، والالتزام بمواعيد إنجاز المهام، والرد المباشر على الأسئلة، غير ملحوظة تقريباً، ولكنها بمجموعها تبني الثقة بين الزملاء ومع الزبائن. كما ينطبق الشيء نفسه على الشركات والتجارة والأعمال، وهي أمور يجب اتباعها في الالتزامات التجارية بدقة. كما ينبغي تأكيدها في العلاقات التجارية وتطبيقها في السلوك اليومي الذي تشرف عليه الشركة أو المؤسسة.- الشفافية: إن من أكبر الحواجز أمام بناء الثقة السرية أو الكتمان. ليس هناك أدنى شك في أنه توجد أمور يتوجب علينا إبقاؤها سرية في التجارة والأعمال، إلا أن هناك وسائل تستطيع الشركة من خلالها توضيح ممارساتها، بدون الكشف عن المعلومات السرية أو الخاصة.
إذا أردت من الناس أن يثقوا بك أو بشركتك، فيجب عليك على الأقل أن تبين رغبتك في إعلام الآخرين ببعض المعلومات التي تلعب دوراً في اتخاذ قراراتك. إن الاستعداد للتعامل مع الأسئلة بحكمة، وإتاحة المجال للآخرين لكي يتحققوا قليلاً من الأمور سيساعد على بناء الثقة.
أما إذا أظهرت استياءً أو تعاملت بأسلوب دفاعي، مثل قولك "ماذا؟ ألا تثق بي؟"، فإنك ستثير حفيظة الناس وتجعلهم يفكرون في أنك ربما تخفي أمرا ما، سواء كانوا على صواب أم على خطأ. وإذا وجّه أعضاء مجلس الإدارة في الشركة أسئلة محددة للتقصي عن بعض الحقائق، فإنهم يُظهرون إدارتهم الجيدة لسير العمل. وعندما يقوم الزبائن بالشيء نفسه، فإنهم يظهرون اهتمامهم بالبضاعة أو الخدمة المقدمة، وأنهم يقبلون عليها.
يريد الناس أن يروا إجراءات حقيقية، وقوية، وأن يدركوا أن الأشخاص المسؤولين عن اقتراف الأخطاء سيحاسبون بالفعل، وأن سلوكيات وممارسات التعامل في مجال العمل ستتغير حقاً نتيجة لذلك. حتى إذا ما حصل ذلك، فإن الأمر سيحتاج إلى وقت، وإلى تضافر الجهود لإعادة بناء الثقة المفقودة بسبب أعمال متهورة سابقة.- الغايات لا تبرر الوسائل: في وقت مضى، اعتقد قادة الأعمال والتجارة أن الغاية تبرر الوسيلة. فما دامت الشركات تحقق النتائج المرجوة من أصحاب الأسهم، ليس مهماً النظر إلى الطريقة التي حققوا بها تلك النتائج، سواء كان ذلك عن طريق إحداث أضرار بيئية، أو دفع رواتب منخفضة، أو إدارة خاطئة، فكل شيء كان مقبولاً.
لم يعد المستهلكون والزبائن ومنظمات المجتمع المختلفة تقبل بذلك؛ إذ يتطلب بناء الثقة في زمننا الحالي من الشركات أن توضح شروط المواطنة الصالحة في أروقتها، وأن تكون لها التزامات حقيقية نحو مسؤولياتها الاجتماعية.
ينطبق الشيء نفسه بصدق على سلوكيات الأفراد. إن إظهار الاحترام والتقدير للزملاء والزبائن في العمل هو الأسلوب الوحيد حقاً لتحقيق التقدم. حتى أولئك الذين يبدون وكأنهم يتقدمون على غيرهم في بادئ الأمر من خلال اتباع سلوكيات غير مقبولة أخلاقياً، سيجدون في نهاية المطاف أنهم يحتاجون إلى المساعدة من زملائهم، ويتعلمون بسرعة أنهم لن يجدوا من يقدمها لهم.- المساءلة: هذا أمر واضح تماماً. إذا ما ارتكبت خطأ ما، عليك تحمّل المسؤولية، سواء كان ذلك على مستوى فردي أو على مستوى العمل والإدارة. إنها حقاً بهذه السهولة. وغالباً ما يكون الناس متسامحين تجاه خطأ ما إذا أظهر فرد ما تحمّله للمسؤولية عنه، وتصرف بسرعة لتصحيح الخطأ. وينطبق الأمر نفسه على الشركات والمؤسسات. فعند القيام بذلك بوضوح وشفافية، سيكون ذلك مدعاةً لدعم وتعزيز الثقة.
ويعمل البعض على الإدلاء بتصريح رسمي حول الأهداف والمبادئ، أو الإعلان عن النوايا، للتعريف بما يخططون له. إلا أن اتباع ذلك بإجراءات وأفعال ملموسة وشفافة، سيعمل على بناء الثقة، سواء كان ذلك في بناء علاقات وطيدة مع زملاء العمل، أو علاقات طويلة الأمد مع الزبائن ومؤسسات المجتمع المختلفة.
يجب السعي لكسب الثقة، وتتطلب المحافظة عليها جهداً متواصلاً، إلا أن الأمر يستحق كل ذلك العناء.-(بي بي سي)
تعليقات
إرسال تعليق