يمكن أن تقوم التكنولوجيا العصبية المتطورة بمحو الذكريات المؤلمة من عقول الناس وقراءة أفكارهم. كما أنها يمكن أن تصبح ميدان المعركة المقبل في القرن الحادي والعشرين.
الزرعات الدماغية تصنع ثورة في تنشيط الخلايا العصبية
في أحد أيام تموز (يوليو) الماضي، والذي كان ليمر عادياً تماماً بخلاف ذلك، جلس اثنان من القرود في غرفتين منفصلتين داخل مختبر في جامعة ديوك. وراقب كل منهما شاشة حاسوب أظهرت صورة لذراع افتراضية في فضاء ثنائي الأبعاد. وكانت مهمة القرود هي "توجيه الذراع من وسط الشاشة نحو هدف محدد". وعندما فعلت القرود ذلك بنجاح، كافأها الباحثون برشفات من عصير.
لكن هناك حيلة تم استخدامها في ذلك. لم يتم تزويد القرود بأذرع توجيه Joysticks أو أي أجهزة أخرى يمكنها أن تتحكم في الذراع. وبدلاً من ذلك، اعتمد القردان على أقطاب كهربائية مزروعة في أجزاء من دماغيهما، والتي تؤثر على الحركة. وكانت هذه الأقطاب قادرة على التقاط وبث النشاط العصبي من خلال اتصال سلكي بأجهزة الحاسوب.
كان الأمر الذي جعل الأمور أكثر إثارة للاهتمام، هو أن القردين تشاركا في السيطرة على الطرف الرقمي الافتراضي. وفي إحدى التجارب، على سبيل المثال، كان أحد القرود يستطيع توجيه الحركات الأفقية فقط، في حين يقوم الآخر بتوجيه الحركات العمودية. ومع ذلك، بدأت القرود تتعلم، عن طريق الربط، أن طريقة معينة في التفكير هي التي تسفر عن تحريك الطرف. وبعد استيعاب هذا النمط من السبب والنتيجة، احتفظت القرود بهذا السلوك -التفكير المشترك، بشكل أساسي- الذي قاد الذراع إلى الهدف وجلب لها مكافأة العصير.
يمتلك عالِم الدماغ والأعصاب، ميغيل نيكولييلس، الذي قاد فريق البحث الذي نشر مكتشفاته في وقت سابق من هذا العام، اسما لهذا التعاون الرائع بين القردين: الشبكة الدماغية "brainet". وفي نهاية المطاف، يأمل نيكوليليس أن يُستخدم هذا التعاون (من-دماغ-إلى-دماغ) في تسريع إعادة تأهيل الأشخاص الذين لديهم تلف عصبي -وعلى نحو أدق، أن يتمكن دماغ شخص سليم من العمل بشكل تفاعلي مع دماغ مريض مصاب بالسكتة الدماغية، والذي سيتعلم عندئذٍ ثانية وبشكل أسرع كيف يتكلم أو يحرك جزءاً مشلولاً من جسمه.
الباحثون يكتشفون المفاتيح لفك شيفرات الأنسجة العصبية الدماغية
عمل نيكوليليس هو الأحدث فقط في سلسلة طويلة من التطورات الحديثة الجارية في التكنولوجيات العصبية الدماغية neurotechnologies: الواجهات والأجهزة التي يتم ربطها بالخلايا العصبية، والخوارزميات المستخدمة لفك شيفرات الخلايا العصبية أو تحفيزها، وخرائط الدماغ التي تنتج فهماً عاماً أفضل بكثير لدوائر الجهاز العصبي والدماغي المعقدة التي تحكم الإدراك والعاطفة والعمل. ومن وجهة نظر طبية، ثمة الكثير مما يمكن كسبه من هذا كله، بما في ذلك إنتاج أطراف صناعية أكثر حذقاً، والتي يمكن أن تنقل الإحساس إلى الشخص المتصل بها، وتكوين رؤى جديدة لأمراض مثل الشلل الرعاشي (باركنسون)، وحتى إنتاج عقاقير لعلاج الاكتئاب ومجموعة متنوعة من الاضطرابات النفسية الأخرى. ولذلك كله، ثمة جهود بحثية رئيسية تجري في جميع أنحاء العالم، من أجل الدفع بهذا الحقل قدماً.
لكن هناك جانباً مظلماً محتملاً لهذه الابتكارات. إن التقنيات الدماغية هي أدوات "ذات استخدام مزدوج"، وهو ما يعني أنه بالإضافة إلى استخدامها في حل المشكلات الطبية، فإنها يمكن تطبيقها أيضاً (أو أن يساء تطبيقها) لأغراض عسكرية.
إن الآلات والأجهزة نفسها التي تُستخدم لفحص ومسح الدماغ بهدف تشخيص مرض الزهايمر أو مرض التوحد، يحتمل أن تقرأ الأفكار الخاصة لشخص ما. ويمكن أيضاً أن تقوم الدولة باستخدام أنظمة الكمبيوتر المتصلة بأنسجة الدماغ، والتي تسمح للمرضى المشلولين بالسيطرة على الزوائد الروبوتية باستخدام التفكير وحده، في توجيه جنود ذوي أعضاء آلية أو في قيادة الطائرات. ويمكن استخدام الأجهزة المصممة لمساعدة العقل المتدهور بدلاً من ذلك لزرع ذكريات جديدة، أو لمحو الذكريات الموجودة، في عقول الحلفاء والأعداء على حد سواء.
فلننظر في فكرة نيكوليليس عن "الشبكة الدماغية" brainet. إنها إذا ما تم الذهاب بها إلى أقصى حدودها المنطقية، كما يقول عالم أخلاقيات علم الأحياء جوناثان مورينو، الأستاذ في جامعة ولاية بنسلفانيا، فإن دمج إشارات الدماغ الصادرة عن اثنين أو أكثر من الناس يمكن أن تصنع محارباً فائقاً superwarrior في نهاية المطاف. "ماذا لو أنك تستطيع الحصول على الخبرة الفكرية لهنري كيسنجر على سبيل المثال، الذي يعرف كل شيء عن تاريخ الدبلوماسية والسياسة، ثم تحصل على كل المعرفة من شخص آخر يعرف عن الاستراتيجية العسكرية، ثم تحصل على كل المعرفة التي يمتلكها مهندس في الوكالة الأميركية لمشاريع بحوث الدفاع المتقدمة، وهكذا. إنك ستتمكن من وضع كل هذه المدخلات معاً". وتستطيع هذه "الشبكة الدماغية" أن تصنع معرفة عسكرية شبه مطلقة لدى اتخاذ القرارات الخطيرة، وتقدير تداعياتها السياسية والمتعلقة بحقوق الإنسان.
يجب أن يكون واضحاً أن مثل هذه الأفكار ما تزال محصورة بصرامة في مملكة الخيال العلمي. ولكنها ليست سوى مسألة وقت، كما يقول بعض الخبراء، قبل إمكانية أن تصبح حقائق واقعة. إن تقينات علم الدماغ والأعصاب تتقدم بسرعة، وهو ما يعني أن قدرات إحداث الاختراق والاستغلال التجاري هي أمر لا مفر منه في نهاية المطاف، كما أن الحكومات منخرطة مسبقاً في هذا العمل أيضاً. فقد استثمرت وكالة "مشاريع الأبحاث الدفاعية الأميركية المتقدمة"، التي تقوم بإجراء وتطوير البحوث العلمية الرائدة لوزارة الدفاع الأميركية، بكثافة في التقنيات العصبية والدماغية. وفي العام 2014، على سبيل المثال، بدأت الوكالة تطوير زرعات تتعقب وتسجل الحوافز العصبية. والهدف المعلن للمشروع هو علاج قدامى المحاربين الذين يعانون من ظروف مثل الإدمان والاكتئاب. ومع ذلك، يمكن تصور إمكانية استخدام هذا النوع من التكنولوجيا أيضاً كسلاح، أو أن يسمح انتشاره بأن يقع في الأيدي الخاطئة. "إنها ليست مسألة ما إذا كان اللاعبون من غير الدول سيستخدمون شكلاً من أشكال التقنيات والتكنولوجيات العلمية العصبية"، كما يقول جيمس جيوردانو، عالم الأعصاب في المركز الطبي بجامعة "جورج تاون"، "وإنما مسألة متى، وأي من هذه التقنيات هي التي سيستخدمونها؟".
لطالما كان الناس منذ فترة طويلة مفتونين، ومرتعبين، من فكرة إمكانية السيطرة على العقل. وقد يكون من السابق لأوانه الخوف من حدوث الأسوأ -أن تصبح الأدمغة قريباً عرضة للقرصنة الحكومية، على سبيل المثال. لكن إمكانية الاستخدام المزدوج للتقنيات العصبية تلوح قريبة في الأفق. ويشعر بعض الأخلاقيين بالقلق من أن التقدم الذي يتم إحرازه في المختبر، في غياب إطار قانوني لتنظيم هذه الأدوات، يمكن أن يدخل العالم الحقيقي، فالتاً وغير منضبط بشكل خطير.
أسرار الدماغ البشري هدف واضح للعلماء والحكومات
للأفضل أو للأسوأ، كما يقول جيوردانو، "سيكون الدماغ هو ميدان المعركة المقبلة".
انطلاقا من الرغبة في فهم أفضل للدماغ، الذي يمكن القول إنه العضو المجهول أكثر ما يكون بين الأعضاء البشرية، شهدت السنوات العشر الماضية موجة من الابتكارات في التكنولوجيا العصبية. ففي العام 2005، أعلن فريق من العلماء أنه تمكن بنجاح من قراءة عقل بشري باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تقيس تدفق الدم الناجم عن نشاط الدماغ. وفي التجربة، استلقى الشخص موضوع البحث ساكناً في الماسح الضوئي لكامل الجسم، وهو يشاهد شاشة صغيرة تبث محفزات بصرية بسيطة -تسلسل عشوائي من الخطوط الموجهة في اتجاهات مختلفة، بعضها عمودي، وبعضها أفقي، والبعض قطري. وقد حفز اتجاه كل واحد من هذه الخطوط موجة مختلفة قليلاً من وظائف المخ. وفي نهاية المطاف، وفقط من خلال النظر إلى ذلك النشاط، استطاع الباحثون أن يحددوا أي نوع من الخطوط هو الذي يشاهده الشخص الذي يخضع للتجربة.
بعد ذلك، استغرق الأمر ست سنوات فقط لتوسيع هذه التقنية التي تقوم بتفكيك شيفرة الدماغ إلى حد مذهل -مع لمسة من نكهة وادي السيليكون- في سلسلة من التجارب التي أجريت في جامعة كاليفورنيا، بيركلي. وفي دراسة أجريت في العام 2011، طُلب من الأشخاص الذين تُجرى عليهم التجارب أن يشاهدوا أفلام الدعاية القصيرة لأفلام هوليوود وهم في داخل أنبوب الرنين المغناطيسي الوظيفي؛ واستخدم الباحثون بيانات مستخلصة من ردود أفعال الدماغ المنصهرة لبناء خوارزميات لفك الشيفرة، والتي تكون فريدة لكل واحد من الخاضعين للتجربة. ثم قاموا بتسجيل النشاط العصبي بينما يشاهد موضوع التجربة مشاهد مختلفة من الأفلام -على سبيل المثال، مقطع يسير فيه ستيف مارتن عبر غرفة. ومع خوارزمية كل شخص، تمكن الباحثون لاحقاً من إعادة بناء هذا المشهد نفسه بالاستناد إلى نشاط الدماغ وحده. ولم تكن النتائج المذهلة صورة واقعية، وإنما انطباعية: ستيف مارتن ضبابي يطفو على خلفية سوريالية متحركة.
بناء على هذه النتائج، كما يقول توماس نيسلاريس، عالم الأعصاب في جامعة العلوم لجنوب كاليفورنيا والمؤلف المشارك لدراسة العام 2011، فإن "إمكانية عمل شيء مثل قراءة الدماغ سوف يكون متاحاً عاجلاً وليس آجلاً". وحتى تكون الأمور أوضح، "سوف يكون ذلك ممكناً في فترة حياتنا".
العامل الذي يقوم بتعجيل هذه التكنولوجيا هو التقدم المتسارع في تصنيع واجهات وأجهزة الدماغ-الآلة (BMI) -وهي زرعات عصبية وحواسيب تقوم بقراءة نشاط الدماغ وتترجمها إلى أفعال حقيقية، أو التي تفعل العكس، حيث تحفز الخلايا العصبية لخلق تصورات أو حركات جسدية. وكانت الواجهة المتطورة الأولى قد خرجت من غرفة عمليات في العام 2006، عندما قام فريق عالم الأعصاب جون دونوغو في جامعة براون بزراعة شريحة مربعة -يبلغ حجمها أقل من خُمس بوصة وتحتوي على 100 قطب- في دماغ ماثيو نيجل، الذي كان عمره آنذاك 26 عاماً، وهو نجم كرة قدم سابق في المدرسة الثانوية، والذي كان قد تعرض للطعن في رقبته وأصيب بالشلل تحت الكتفين. وتم وضع الأقطاب الإلكترونية على القشرة الدماغية الحركية لنيجل، والتي تسيطر –من بين أشياء أخرى- على حركات الذراع. وفي غضون أيام، تمكن نيجل، وقد وُصل جهازه المزروع بحاسوب بواسطة أسلاك، من تحريك المؤشر على الشاشة، بل وحتى فتح البريد الإلكتروني، بمجرد التفكير في ذلك فقط.
بعد ثماني سنوات، أصبحت الشرائح والأقطاب المتصلة بالدماغ أكثر تطوراً وتعقيداً بشكل مذهل، كما تجسد بوضوح في مسابقات كأس العالم لكرة القدم في البرازيل في العام 2014. هناك، ارتدى جوليانو بينتو -وهو شاب عمره 29 عاماً والمصاب بشلل كامل للجزء السلفي من الجذع- هيكلاً خارجياً روبوتياً مسيطراً عليه دماغياً -والذي طوره نيكوليليس من مؤسسة ديوك- لينفذ ركلة بداية المباراة الأولى في الحفل الافتتاحي للدورة في ساو باولو. وقد التقطت قبعة على رأس بينتو إشارات من دماغه، تتضمن نيته الركل. واستقبل حاسوب مثبت على ظهره هذه الإشارات، ثم دفع الرداء الروبوتي إلى تنفيذ العمل.
لكن التقنيات العصبية الدماغية تذهب أبعد من ذلك أيضاً، حيث تتعامل مع تعقيدات الذاكرة نفسها. وقد كشفت الدراسات عن إمكانية أن يقوم شخص بإدخال أفكار إلى عقل شخص آخر، مثل نسخة واقعية من الفيلم الجماهيري الرائج Inception. وفي تجربة أجريت في العام 2013 بقيادة العالِم الحائز على جائزة نوبل، ساسومو تونيغاوا، من معهد مساشوسيتس للتكنولوجيا، قام الباحثون بزرع ما أسموه "ذاكرة كاذبة" في دماغ فأر.
وبينما يراقبون النشاط الدماغي للحيوان القارض، وضع الباحثون الحيوان في صندوق، وشاهدوا الفأر وهو يتعرف إلى محيطه. وتمكن الفريق من التقاط شبكة الأنسجة المعنية بدقة، من بين ملايين الأنسجة، والتي تم تحفيزها في "حُصين" (1) مخصوص hippocampus بينما يشكل الفأر ذاكرة للمكان. وفي اليوم التالي، وضع الباحثون الحيوان في وعاء آخر لم يكن قد رآه أبداً من قبل، وأحدثوا صدمة كهربائية بالتزامن مع تنشيط الخلايا العصبية التي كان الفأر قد استخدمها ليتذكر الصندوق الأول. وتشكل الارتباط: فعندما أعيد الفأر إلى الوعاء الأول، تجمد من الرعب، حتى مع أنه لم يكن قد تعرض لصدمة كهربائية في ذلك المكان. وبعد سنتين فقط من اكتشاف تونيغاوا، تمكن فريق من معهد سكريبس للأبحاث من تصنيع مركب للفئران، والذي يمكن أن يزيل ذكرى معينة بينما يبقي على ذكريات أخرى سليمة. ويمكن استخدام مثل تقنية محو الذكريات هذه لمعالجة حالات توتر ما بعد الصدمة، وإزالة فكرة مؤلمة معينة من الذاكرة، وبذلك تحسين نوعية حياة الشخص المعني.
من المرجح أن يستمر هذا الزخم البحثي، لأنه يتم تمويل هذه الثورة في علم الدماغ والأعصاب ببذخ. ففي العام 2013، أطلقت الولايات المتحدة مشروع "مبادرة برين" BRAIN Initiative (الأحرف الأولى من كلمات عبارة: أبحاث الدماغ من خلال تطوير التقنيات العصبية الابتكارية)، Brain Research through Advancing Innovative Neurotechnologies؛ حيث تم تخصيص الملايين من الدولارات مسبقاً للدراسات التي تم إجراؤها خلال السنوات الثلاث الأولى؛ ولم يتم تحديد مقدار التمويل المستقبلي بعد. وطلبت (معاهد الصحة الوطنية، وهي واحدة من خمس وكالات فيدرالية مشاركة في المشروع، مبلغ 4.5 مليارات دولار على مدى فترة 12 عاماً، للجزء الخاص بها وحدها من البحوث). كما خصص الاتحاد الأوروبي ما يقدر بنحو 1.23 مليار دولار لـ"مشروع الدماغ البشري" الخاص به، والذي بدأ في العام 2013. ويهدف البرنامجان إلى بناء أدوات مبتكرة، والتي تستطيع أن ترسم خريطة لبنية الدماغ وأن تتجسس على النشاط الكهربائي للمليارات من خلاياه العصبية. وفي العام 2014، أطلقت اليابان مبادرة مشابهة، معروفة باسم Brain/MINDS، أي (الرسم بالتقنيات العصبية المتكاملة للدراسات المرضية). ويقوم حتى باول ألين، المؤسس المشارك لشركة "مايكروسوفت"، بصب ملايين الدولارات في معهده الخاص "معهد ألين للعلوم الدماغية"، وهو جهد كثيف وموسع يهدف إلى إنشاء أطلس للدماغ والكشف عن كيفية عمل الرؤية (البصر).
بقدر ما هي الابتكارات الأخيرة في هذا الحقل مذهلة، فإن معظم التقنيات العصبية اليوم ما تزال في بداياتها. إنها لا تستطيع أن تعمل لوقت طويل في داخل الدماع، ويمكنها فقط أن تقرأ أو أن تحفز عدداً محدوداً من الخلايا العصبية، أو أنها تتطلب وجود صلة سلكية. وعلى سبيل المثال، تعتمد آلات "قراءة الدماغ" على معدات باهظة الثمن، والتي تتوفر فقط في بيئة المختبر أو المستشفى، ولتنتج نتائج خاماً فقط. ومع ذلك، يرجح أن يفضي التزام الباحثين والممولين على حد سواء بمستقبل وسائل وأجهزة علم الأعصاب إلى أن تصبح هذه الأجهزة والأدوات أكثر تطوراً وتوفراً في كل مكان، وأن يصبح الوصول إليها أكثر إمكانية بمرور كل عام.
لا يبدو حتى الآن أن أياً من الأدوات الدماغية قد استُخدمت كأسلحة. لكن ذلك لا يعني القول إنه لا يجري الآن تأمل قيمتها في ساحة المعركة: في وقت سابق من هذا العام، على سبيل المثال، قامت امرأة مشلولة بقيادة مجسم يحاكي طائرة "ف-35" المقاتلة، باستخدام أفكارها فقط وزرعة دماغية مولت تطويرها وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية الأميركية المتقدمة. ويبدو أن إمكانية تحويل هذه الأجهزة إلى أسلحة ربما لا تكون في منطقة المستقبل البعيد -وهناك سوابق كثيرة لعمليات التحول السريع للتكنولوجيات من حقل العلوم الأساسية إلى تهديد عالمي وتخريبي خطير. فبعد كل شيء، لم يمر سوى 13 عاماً فقط بين اكتشاف النيوترون وبين التفجيرات الذرية في سماء مدينتي هيروشيما ونغازاكي.
كان استغلال الحكومات للدماغ سيظل قابعاً بأمان في منطقة نظريات المؤامرة وأفلام الرعب الخيالية، لو أنه لم يكن للقوى العالمية ماضٍ من العبث بعلم الأعصاب. ففي مجموعة غريبة من التجارب التي أجريت بين العامين 1981 و1990، بنى العلماء السوفيات معدات مصممة للتشويش على عمل الخلايا العصبية في الجسم والدماغ من خلال تعريض الناس لمستويات مختلفة من الترددات العالية للإشعاع الكهرومغناطيسي. (نتائج تلك البحوث ما تزال غير معروفة). وعلى مدى عقود عديدة، أنفق الاتحاد السوفياتي أكثر من مليار دولار على هذه الخطط الرامية إلى السيطرة على العقل. (يتبع)
تيم ريكوارث* - (مجلة فورين بوليسي) عدد أيلول (سبتمبر)/ تشرين الأول (أكتوبر) 2015
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
*تيم ركوارث: صحفي علمي مقيم في نيويورك. جاك الهاي: مؤلف "جراح الدماغ: عبقرية علمية مافريك الطبية وسعيه المأساوي لتخليص العالم من الأمراض العقلية، والذي شارك في إعداد هذه المادة.
*الرسوم التوضيحية: جيمي توريل.
*نشر هذا الموضوع تحت عنوان: This is Your Brain. This is Your Brain as a Weapon
هامش(1) الحصين، أو الفص الصدغي، أحد البروزات الممتدة على أرضية كل بطين على جانبي للدماغ، والتي يعتقد أنها مركز العاطفة والذاكرة والجهاز العصبي اللاإرادي.
*الرسوم التوضيحية: جيمي توريل.
*نشر هذا الموضوع تحت عنوان: This is Your Brain. This is Your Brain as a Weapon
هامش(1) الحصين، أو الفص الصدغي، أحد البروزات الممتدة على أرضية كل بطين على جانبي للدماغ، والتي يعتقد أنها مركز العاطفة والذاكرة والجهاز العصبي اللاإرادي.
تعليقات
إرسال تعليق