يلفت اختصاصي علم الاجتماع الأسري، الدكتور فتحي طعامنة، إلى البعد الديني والاجتماعي لفعل الخير، مؤكدا أن الأصل في فعل الخير “أن يكون بغية الأجر والثواب، وليس للمنّة على الآخرين”.
ويتابع قائلا يمكن للشخص أن يتقبل من الابن، أو الجار أو القريب للوهلة الأولى، أن يذكره بفعل الخير الذي عمله معه، فيستوعب منته، أما إذا صارت هذه المنة منهجا يتبعه، ويريد من خلاله أن يُشعر الآخرين بما قدمه لهم من خير ومن معروف، حتى لا يكفوا عن الثناء عليه، وإذا ظل يدعي أنه لولا خيره عليهم لما وصلوا إلى ما هم عليه، فلا شك أن الآخرين سوف ينزعجون بمنّته المتكررة هذه، وينفرون منه، ويلعنون معروفه.
ويرى طعامنة أن العمل الطيب “يجب أن يكون عفويا، وأن يحتسب أجره عند الله”، وعلى من قدم خيرا أن يترك الآخرين يذكرون فضائله وعطاياه، من تلقاء أنفسهم.
الثلاثينية عنان ترك، تتضايق كثيرا من منّة أخيها على العائلة، رغم حبها الشديد له، واقتناعها التام بمدى حبه وخوفه على العائلة، غير أنها تقول إن أخاها “دائم التمنّن” على أفراد عائلته، بما يقدمه لها من مال وخدمات، ومن أغراض للبيت، وهو ما يضايق عنان ويزعجها طوال الوقت.
وكذلك حال الخمسيني عبدالكريم الذي بات يكره الالتقاء بابن عمه الذي ما أن يجتمع مع أبناء عمومته حتى يبدأ بالتفاخر بما قدّمه لكل شخص، وهو يذكر الجميع بأنه وظف هذا، وساعد ذاك، حتى مع تواجد هؤلاء في المكان ذاته.
وفي السياق النفسي يجد اختصاصي علم النفس، الدكتور موسى مطارنة، أن الشخص المنّان “فاقد للثقة بنفسه، ومهزوز، ويعاني من اضطرابات نفسية”، لذلك يحاول أن يعوّض نقصه بالتمنّن على الآخرين، وتذكيرهم بما قدمه لهم من صنائع.
ويضيف أن للمنة “أثرا مؤلما على النفوس”، إذ يرى أن هؤلاء الأشخاص “ظاهرة سلبية جدا” في المجتمع، ناهيك عن أن هؤلاء الأشخاص لا يتورعون أحيانا عن التمنّن بأشياء لم يقوموا بها أصلا، ولذلك فهم في النهاية “غير محبوبين، ومرفوضين من قبل المجتمع”.
ولكم “يحرق” قلب الثلاثينية ليالي مبارك، إلا ذلك الموقف المحرج الذي وُضعت فيه أمام إخوتها وأخواتها وزوجها، عندما بدأ أخوها عند أول فرصة أتيحت له، يتفاخر بالمساعدات المادية التي قدّمها لها، وبمساعدتها في توظيف زوجها الذي كان عاطلا عن العمل لسنوات.
من جهته يلفت الاستشاري الأسري مفيد سرحان، إلى أن الإنسان بطبيعته “لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين، فهو يحتاج إليهم، كما يحتاجون إليه، ولا غنى لبعضهم عن البعض الآخر”.
ويتابع أن الحاجة إلى الناس “أمر دائم، وقد حث الإسلام على فعل الخير”، ودعا إليه في جميع الأوقات. ولعمل الخير أشكال متعددة، منها ما هو ماديّ، كمساعدة الفقراء والمحتاجين، وطلاب العلم، ومنها ما هو معنوي، مثل النصيحة، وتقديم المشورة، وإبداء الرأي، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
فالناس، وفق سرحان، ينفرون من الشخص الذي يمنّ عليهم، حتى وإن كانوا فقراء، أو محتاجين، لأن عفة نفس عند الإنسان تأبى عليه أن يمنّ عليه الآخرون، حتى وإن كانت المنة بينه وبين الشخص الآخر. فما بالنا إذا كانت هذه المنة أمام الآخرين؟
ويؤكد سرحان أن المنة “تؤذي النفس، وتسبب الحرج للآخرين، وتؤذي كرامتهم”.
تعليقات
إرسال تعليق