القائمة الرئيسية

الصفحات

نجوع من أدمغتنا وليس من معدتنا


الدماغ هو المسير للجسم والمتحكم في مختلف التفاعلات التي تطرأ داخله، ولكي يعمل بطريقة جيدة يجب أن يتغذى بكيفية سليمة. ورغم أهمية الدماغ فإنه ومع الأسف يعاني من سوء التغذية عند معظم الناس. ويزن الدماغ حوالي 1.3 كلغ حيث يمثل زهاء 2% من الكتلة الإجمالية لجسم الإنسان لكنه يستهلك 20% من إجمالي الطاقة، وكأنه يستولي على عشر مرات نصيبه من الطاقة مقارنة مع كتلته، ومن هنا يتبين لنا أهمية تغذية الدماغ وضرورة الاهتمام بها. فما هي أهم المواد التي يحتاجها؟ وهل تتميز تغذيته عن باقي أعضاء الجسم؟ وإلى أي مدى يؤثر نقص تغذيته عليه وعلى باقي الجسم؟
نجوع من أدمغتنا لا من معدتنا
   يتوفر الدماغ على ملايين الخلايا الدماغية يفقد الآلاف منها كل يوم بسبب السموم التي يتعرض لها جسم الإنسان وبسبب سوء التغذية والضغط النفسي والأدوية، وتزود الدورة الدموية الدماغ بالمواد التي يحتاجها كالأوكسجين والسكر والأحماض الدهنية والأمينية والمعادن،
وأي نقص في المواد الضرورية كالبروتينات والفيتامينات يسبب في انخفاض القدرات الدماغية، كما أن حرمانه من الأكسجين لدقائق قليلة يؤدي إلى موته، لأن الأكسجين ضروري لإنتاج الطاقة ولأن كل خلية دماغية تعتمد على نفسها لإنتاج الطاقة الخاصة بها.
    وقد جاء في تقرير كيلوغ لسنة 1989 أن مكونات الدماغ وسلوكه يتغيران بكيفية سريعة بعد كل وجبة طعام، وأكد الدكتور فاينغولد أن ما نأكله يؤثر في دماغنا ومن ثم في سلوكنا، في حين أن بعض الباحثين يعترض على الدراسات التي تتبنى حقيقة تأثير الأغذية على الدماغ بدعوى أن هذه التجارب أجريت على الحيوان وليس على الإنسان.
     إننا نجوع من أدمغتنا وليس من معدتنا ودليل ذلك أن الأشخاص الذين أزيلت لهم المعدة لا يزالون يحسون بالجوع، فالدماغ هو الذي يجعلنا نحس به ويتحكم في نوع الأغذية التي نحب أن نأكلها، لأن رؤية الأغذية ترسم صورة في دماغنا الذي يصدر قرار أكلها أو رفضها.    وهناك أغذية مهمة لا تصل إلى الدماغ لأنها لا تمر إلى الدم كما أن هناك مواد غير مرغوب فيها تتسلل إلى الدماغ عبر الدم رغم وجود حاجز بين الدماغ والدم يفرز المواد التي يجب أن تمر إلى الدماغ.
     وعموما فإن الباحثين توصلوا إلى أن الأغذية الغنية بالبروتينات تؤثر على القدرات العقلية إذ إن تناولها يرفع من كمية الأدرنالين ويمكن من التفكير والتركيز بطريقة جيدة، بينما تؤثر الأغذية الغنية بالسكريات في سلوكنا العاطفي.
     وأثبتت التجارب أن حاجة الدماغ إلى الطعام تختلف باختلاف الوقت، حيث ترتفع حاجته إلى السكريات في الصباح مثلا لكن يجب تحاشي الإكثار منها لأنها تجلب النعاس، كما أن المرأة أثناء الحمل تحتاج إلى الدهون ولذلك يتدخل الدماغ في إنتاج الكالانين وهي مادة تعمل إلى جانب الأستروجين على الزيادة في تشهي الأطعمة الدهنية.
الدماغ والعناصر الغذائية
    يدخل الدماغ في تفاعلات كيميائية وحوارات بيولوجية مع العناصر والوحدات الغذائية كالسكريات والبروتينات والدهنيات والفيتامينات، ليضمن استقراره واستمراريته وليوفر للجسم ما يحتاج إليه عن طريق رسائل تبلغها إليه الوسائط الكيميائية(1) والهرمونات .
     ويقول الدكتور ميشيل لوغجوغيل:" تشكل الدهنيات 60 %من كتلة الدماغ ، و 70% منها عبارة عن أحماض دهنية من نوع أوميغا 3 " وهي عبارة عن جزيئات ذات سلسلة طويلة ترفع من مقاومة الرَهَق العامّ (2) بكبح المواد التي تسبب الالتهاب، ولازال يتناقش الخبراء حول مقاومتها للاكتئاب، فقد قام الدكتور أندري ستول بتجربة في 2001 أعطى خلالها زيت سمك غنيا بهذه المادة لمرضاه ولاحظ أنها خففت عنهم أعراض الاكتئاب، ويبدو أن قلتها تؤدي إلى انخفاض مستقبلات السيروطونين على مستوى الخلايا العصبية، ومعلوم أن السيروطونين مسؤولة عن الراحة النفسية. وتوجد هذه المادة في الأسماك الدهنية مثل السردين والسلمون والقشريات، والتي يستحسن استهلاكها مرتين أو ثلاثة في الأسبوع .
   وفيما يلي تأثير لبعض المواد الغذائية على عمل بعض الوسائط الكيميائية التي يحتاجها الدماغ لأداء مهمته :
 تعتبر مادة الكولين(3) هي سابق الأستلكولين وهو وسيط كيميائي ضروري في عملية التذكر، حيث يشير الدكتور ستيفان زيزل أننا نحتاج يوميا إلى 550 ملغراما من مادة الكولين، كما أن مادة البيطايين تساهم في تكوين وسائط كيميائية ضرورية لعمل الدماغ، إضافة إلى الفيتامينات والحديد وبعض الأحماض الأمينية كالتيروزين والفنيلاألانين. ويقول الدكتور دافيد بنطون:" إن خصاصا في الفيتامين B1 ينقص من تركيب وسائط كيميائية مهمة لعمل الدماغ كالأسبارطاط والكابا، كما أن قلة فيتامين C تؤثر على تركيب النورادرلانين انطلاقا من الدوبامين، وإن نقصا في الفيتامين B9 يساعد على ظهور مرض الرعاش" وقد استنتج ذلك انطلاقا من تجاربه على فئران عرضها لنقص في الفيتامين B9 ثم لاحظ أن الخلايا العصبية التي تركب الدوبامين قد ضعفت بشكل كبير، ومعلوم أن نقصان هذه المادة هو المسؤول عن ظهور مرض الرعاش. ولذا فإن هذا الدكتور أكد أنه قلق على سكان بلده الولايات المتحدة الأميركية على غرار معظم البلدان المتقدمة لأن نصفهم لا يهتمون بهذه المادة في تغذيتهم، وينصحهم من أجل ذلك بالاعتناء بالخضر والفواكه والحبوب الكاملة.
    ويساعد الحمض الأميني التريبطوفان على إنتاج السيروطونين، وتمكن السكريات من رفع معدل الأنسولين الذي يطرد معظم الأحماض الأمينية من الدم ويمكن التريبطوفان بذلك من الولوج إلى الدماغ لأنه لا يستطيع ذلك في حضور الأحماض الأمينية الأخرى.
     وتنقص مستويات مضادات الأكسدة(4) بشكل ملحوظ مع تقدم السن في معظم خلايا الجسم وخصوصا في الدماغ، مما يؤدي إلى تراكم الأكاسيد الخطرة(4) التي تتسبب في موت الخلايا الدماغية أو تشويهها، لذلك يجب التركيز على الأغذية المقاومة للأكسدة مثل الخضر والفواكه والأسماك التي تحتوي على الفيتامينات وخصوصا A و E، وعلى المعادن كالسيلينيوم والزنك.
     ويؤدي نقص الفيتامين B1 إلى اضطراب الشخصية ونقص الفيتامين B3 إلى الهذيان والخرف وفقدان الذاكرة أما نقص الفيتامين B12 فيسبب مرض الزهايمر، وينتج عن نقص حامض الفوليك فقدان الذاكرة والزهايمر، وكل هذه أمراض لها علاقة بالدماغ. أما زيوت السمك فإنها تنفع الدماغ بما يلي:
   تمنح أغشية الخلايا الدماغية المرونة التي تمكنها من الاتصال فيما بينها وتساعد بذلك على التركيز والتذكر، ولذلك يتمتع غالب الذين يأكلون السمك بكثرة بذاكرة قوية وتركيز جيد.
   تقلل من خطر السكتات الدماغية لأنها تقاوم تخثر الدم في الخلايا.
أثبتت دراسات أن هناك علاقة بين تناول السمك والتقليل من نسبة حالات الاكتئاب.
وقد برهن طب الأعشاب عن نجاعة بعض الأنواع في تقوية الذاكرة والتركيز ونذكر من بينها إكليل الجبل والافسنتين. وتساهم عوامل أخرى في العمل الجيد للدماغ منها:
تقوية الاتصالات والترابطات بين الخلايا الدماغية بواسطة الدراسة وطلب العلم.
توفر الشخص على أهمية داخل مجتمعه أو وسطه.
الأنشطة والتمارين الرياضية التي تزود الدماغ بمزيد من الأوكسجين.
وإذا كان دماغنا يحتاج إلى تغذية خاصة واهتمام مميز، فهل تمكننا جيوبنا من تغطية متطلباته؟ وهل يتوفر عالمنا العربي - فضلا عن فقره - على القدر الثقافي الكافي لفهم هذه المعلومات العلمية؟ وكيف استطاع أسلافنا الإبداع في ميادين الحياة بتغذية متواضعة؟ أسئلة تحتاج إلى أجوبة.
هوامش:
(1) الوسائط أو الرسل الكيميائية هي المواد التي تتصل بواسطتها خلايا الدماغ بباقي أعضاء الجسم.
(2) الرَهَق العامّ هو مجموع الاضطرابات الجسميّة والنفسية المتولّدة عن بواعث مُتنوّعة كالبرد أو المرض أو الانفعال أو الصَّدمة الجراحيّة وبعبارة أخرى هو عمل البواعث أو الظّروف المؤدية إلى هذه الاضطرابات.
(3) الكولين من عائلة الفيتامين B وتوجد في صفار البيض، الكبد، فول، الصويا.
(4) مضادات الأكسدة يحصل عليها الجسم من الأغذية وهي عبارة عن فيتامينات أو مواد معدنية تهب إلكتروناتها الخاصة للجزيئات السليمة لتحول دون تحولها إلى أكاسيد، والتي تنتج عن تحول ذرات الأكسجين إلى حالة زيادة النشاط أو ما يسمى بالأيونات في علم الكيمياء، وتخلق العديد من المشاكل الناتجة عن سوء التغذية وتلوث البيئة.



صحيفة الغد
Reactions

تعليقات