أصبح من المُلح على العلماء النظر إلى العقل بصورة مغايرة تماما عما كانت، وخصوصا في أعقاب صدور دراسة جديدة أظهرت أن مضادات الاكتئاب تعد علاجا غير ناجع، وأن أدمغة المصابين بالاكتئاب لا تختلف عن أدمغة غير المصابين بمرض العصر.
والاكتئاب هو الطرف الصغير لقمة جبل جليدي ضخم، وكان للبدعة السائدة في التركيز على الدماغ تأثير هائل على العلماء والمجتمع على حد سواء. فهذه البدعة تتناسب تماما مع أنظمة معتقداتنا المادية. نتيجة لذلك، فإن العلم يرى أن العقل هو خيال أو شبح أو خرافة تماما كما الروح. لكن الحقيقة هي أن التغيرات التي تحدث في مجريات حياتنا تعتمد إلى حد بعيد على استخدام العقل.
ولا يدرك الأشخاص العاديون أيضا أن هنالك فرقا كبيرا بين الدماغ والعقل، فكلاهما سيان، ولكن في حال تعمق المرء قليلا سيجد أن المفهومين مختلفان.
اختصاصي الشؤون النفسية الشهير، ديباك تشوبرا، يقول "نحن؛ أي البشر، مخلوقات متميزة بالعقل وليس بالدماغ، العقل ذلك الشيء الحيوي الغني المليء بالغموض المتغير باستمرار، فالدماغ يحمل للعقل ما يحتاج إليه للعمل. وعندما يخطئ الدماغ يكفي أن يتزود بالسكر والماء، ولكن عندما يخطئ العقل، فإن خطأه يكون جذريا".
وقد يكون مفيدا على المرء أن يقرأ قصة غلاف مجلة "النيوزويك" التي خطت بعنوان صارخ ادعاء أن "مضادات الاكتئاب لا تفيد" من أجل أن يوقف الجدل القائم حول ما إذا كان العقل والدماغ متشابهين أم مختلفين.
وكانت المجلة قد نشرت القصة بعد صدور دراسة في دورية علمية محكمة، أفادت أن علاج الاكتئاب بمضاداته غير ناجع، وقد اعتُمد في هذه الدراسة على اختبار عينة تعاني من اكتئاب خفيف إلى متوسط، وهو النوع الشائع، وتبين أن 50 % من أفراد العينة التي تناولت مضادات الاكتئاب لم يشعروا بأي تحسن، في حين دلت دراسة أخرى أن الأدوية الوهمية كانت فعالة بقدر مضادات الاكتئاب في العلاج.
وما هو مذهل في هذه الدراسة، أنها أثبتت أن أدمغة المصابين لا تختلف عن أدمغة غير المصابين بالاكتئاب؛ إذ كان العلماء يعتقدون أن أدمغة المصابين بالاكتئاب تعاني من نقص الناقلين العصبيين الحيويين؛ وهما السيروتونين والدوبامين، وأن تناول مضادات الاكتئاب يصحح هذا الخلل. بيد أن الدراسات تشير إلى أن الجينات المسؤولة عن إفراز النواقل العصبية وتنظيم نفسها لا تختلف بين المكتئبين وغير المكتئبين.
وهذا يعني أن الدماغ قد يكون معتادا على الاكتئاب أو على وجود خلل ما في التوازن الكيميائي بداخله، ولكن التركيز الذي ينصب فقط على جزئية الدماغ يضيع فرصة ثمينة لمعرفة أسباب الإصابة بالاكتئاب والخبرات الحياتية هي التي تجلب الاكتئاب للمرء، وهو أمر يتعلق بالعقل مثل؛ إجهاد خارجي، أزمة شخصية، حزن، مرض جسدي، تغيرات الحياة المفاجئة، الحوادث غير المتوقعة والنكسات، فقدان الوظيفة أو المال، انعدام الأمن الشخصي، الفشل، سوء التربية، عدم احترام الذات، المعتقدات الدينية السلبية التي تؤدي إلى الشعور بالذنب والعار، الأسباب الأخرى للشعور بالذنب والعار، رفض من الحبيب، التواجد حول أشخاص مكتئبين لاسيما أفراد الأسرة، والعامل اكس، وأي أسباب أخرى مجهولة.
وهذه القائمة طويلة جدا، وتثبت أن العقل يواجه تعقيدات الحياة التي تسبب الاكتئاب، ولا يدري العلماء لماذا يتلقى شخص ما خبرا سيئا؛ كانفصاله من العمل، بطريقة سيئة تدفعه إلى الإصابة بالاكتئاب، في حين تلقى البعض الآخر الأمر بسهولة، وينتقلون في حياتهم إلى الخطوة التالية بسهولة. فهنالك أشخاص يرون الكأس نصف ممتلئة أو نصف فارغة، فالمكتئبون متشائمون، بينما غير المكتئبين يتسمون بالإيجابية.
يقول تشوبرا "لقد أكدت في أكثر من محفل، أن الاكتئاب الشديد يحتاج إلى تدخل طبي سريع لأخذ العلاجات المتواجدة في الأسواق، والكثير من الحالات شهدت نجاعة العقاقير المضادة للاكتئاب، بيد أن أحدا لم يواجه هذه الشهادات"، وينصح تشوبرا أن يواجه المرء الأسباب الحياتية التي يعيشها المرء ويختبرها بدلا من الإسراع إلى تناول العقاقير.
تعليقات
إرسال تعليق