انهارت أسعار النفط خلال الأشهر الماضية، ويقول بعض المحللين أنها يمكن أن تمضي إلى مستويات أدنى من ذلك أيضاً. ولكن، ما هو السبب الذي يقف خلف انخفاض أسعار النفط؟
اجتمعت عوامل مختلفة في عاصفة كاملة دفعت أسعار النفط لتنخفض إلى مستويات أقل وأقل: حيث انخفضت أسعار الولايات المتحدة بنسبة 25 % إلى نحو 80 دولارا للبرميل الواحد خلال الأشهر الخمسة الماضية، ما يعد انخفاضاً كبيراً، نظراً لأن الأسعار كانت تطوف حول 115 دولارا للبرميل منذ العام 2011 وحتى الآن.
وفي أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي من العام الحالي، نقح بنك "جولدمان ساش" توقعاته للعام 2015 للتنبؤ بأن أسعار النفط ستواصل انخفاضها. ويتنبأ جولدمان أيضاً أن عاملي الطلب الخفيف ووفرة المعروض سيدفعان "مؤشر غرب تكساس لأسعار النفط – وهو مؤشر معياري لأميركا الشمالية – نحو سعر 70 دولاراً للبرميل في الربع الثاني من العام المقبل(2015).
ويمكن أن يتراجع المؤشر العالمي "برنت" أيضاً إلى سعر 80 دولارا للبرميل في الربع المشار إليه نفسه، وفقاً لتقرير جولدمان ساش، عندما يكون فائض المعروض في ذروته.
ولكن بطبيعة الحال، لا يمكن التنبؤ بسوق النفط العالمية في ظل أنها تعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل.
تقول مديرة برنامج الطاقة والمناخ في مؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي- وهي مؤسسة فكرية تأخذ من واشنطن مقراً لها- ديبورا جوردون: "النفط سوق غير متكاملة على كافة الأصعدة"؛ حيث تعصف التدخلات الحكومية والتلاعب باتفاقيات "الكارتل" وعوائق الولوج الضخمة بسوق النفط.
ووفقاً لجوردون، "سيكون من الصعب أن نتخيل سوقاً ناقصة أكثر".
في الوقت الراهن، تعد السوق المنتقصة للكمال هبة لسائقي الدراجات الأميركيين، الذين يستمتعون بالمستوى الأخفض لأسعار الغاز منذ أعوام، وقد تُترجم مدخرات المذكورين إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي في القطاعات الأخرى.
فلأسعار الغاز المنخفضة جانبها السلبي على الرغم مما سبق، فهي تشجع على زيادة استهلاك البنزين وشراء المركبات الأكبر والأقل كفاءةً.
ويهدد هبوط أسعار النفط الخام أيضاً شركات إنتاج النفط في تكساس وداكوتا الشمالية؛ حيث ترتفع تكلفة استخراج النفط "المعروف بصعوبة الوصول إليه" من الصخر الزيتي، وقد بدأ منتجو النفط في المنطقتين المذكورتين فعلياً بتخفيض الحفارات العاملة – قلقين من أنه إذا انخفضت الأسعار كثيراً، لن تجني الآبار أية أرباح.
على نطاق خارجي، تبدي فنزويلا وروسيا وغيرها من الدول المنتجة للنفط عدم استساغتها للأوضاع دون أن تحرك ساكنا، وهي تراقب بتوترٍ الأسعار، بينما تغرق.
وتعتمد حكومات هذه الدول –ذات الاقتصاد المستند كلياً تقريباً على النفط- على أسعار النفط الخام المرتفعة لتزيد حجم ميزانياتها. وبالتالي، فإن انخفاض عائدات النفط يعني أنها سوف تضطر إلى الحد من نفقاتها الحكومية.قد لا تأتي الإغاثة لهذه البلدان على الأقل في القريب العاجل. وفي التالي 5 أسباب رئيسية توضح لماذا تستمر أسعار النفط في انخفاضها:
1. إنتاج الولايات المتحدة للنفط يزدهر:
حول الانفجار في إنتاج النفط الأميركي، إحدى الدول الرائدة في استهلاك النفط في العالم، إلى واحدة من رواد منتجيه أيضاً - في الواقع، تنتج داكوتا الشمالية وحدها مليون برميل من النفط يومياَ.
ونافس إنتاج الولايات المتحدة في الوقت الراهن عمالقة النفط العالميين "المملكة العربية السعودية وروسيا"، ما يعود فضله بجزئه الأكبر إلى الحفر المبتكر الذي كشف مكامن النفط والغاز الطبيعي المحاصرة في الصخر الزيتي.
ويتوقع المحللون أن تنزلق أسعار البنزين تحت 3.00 دولار للغالون الواحد قبل نهاية العام الحالي.
2. المملكة العربية السعودية لا تتزحزح:
كمنتجة رائدة، تضخ المملكة العربية السعودية ما يقرب 10 مليون برميل من النفط يومياً، وبالتالي فلها تأثيرها الهائل في أسواق النفط العالمية. وحتى الآن، أوضحت قوة النفط الضاربة "العربية السعودية" أنها على أهبة الاستعداد لركوب موجة الأسعار المنخفضة لكي تتجنب خسارة زبائنها للمنتجين الأميركيين وغيرهم من المنافسين الآخرين، وهي استراتيجية تتبعها للحفاظ على حصتها السوقية حتى ترتفع أسعار النفط مجدداً.
يرفض الأعضاء الأقل استقرارا في منظمة الدول المصدرة للنفط "الأوبك" استراتيجية العربية السعودية؛ حيث تفضل فنزويلا، على سبيل المثال، تخفيض الإنتاج على أن تُحصل أسعاراً منخفضة للنفط الذي تنتجه.
3. انخفاض الطلب الآسيوي على النفط:
تنتج الولايات المتحدة كميات قياسية من النفط، وهناك الكثير من المعروض الذي يأتي من منظمة الأوبك وروسيا، ولكن ليس هناك ما يكفي من الطلب يأتي من الاقتصادات النامية – كالصين والهند – لاستهلاك الحجم المعروض من النفط كاملاً.
لقد ترك ركودٌ عالميٌ الطلب الآسيوي أضعف مما كان متوقعاَ، فضلاً عن كون الحكومات تخفض دعوماتها للوقود عبر دول آسيا. وهذا أمر يرفع من تكلفة البنزين والديزل وغيرها من أنواع الوقود المستخدمة يومياً، ما يزيد من تثبيط الطلب في المنطقة ما سيحدد إلى حد كبير مستقبل أسواق النفط العالمية.
ولا يحتكم الأمر على آسيا وحدها بطبيعة الحال؛ حيث تكبح تدابير التقشف وخفض الاستهلاك المتبعة عبر أوروبا جماح الطلب على النفط في جميع أنحاء هذه القارة هي الأخرى.
4.الدولار الأميركي ما يزال قوياً:
يُشترى النفط ويُباع بالدولار الأميركي في جميع أنحاء العالم. وعندما تزيد قوة الدولار الأميركي (كما كان عليه الأمر في الأشهر الأخيرة) فإنه يجعل من شراء النفط أكبر تكلفة للدول خارج الولايات المتحدة، ما يؤدي بدوره إلى إضعاف الطلب في جميع أنحاء العالم ويضع مزيداً من ضغط الهبوطي على أسعار النفط.
أخبر المحلل الرفيع للأسواق في "برايس فيوتشرز جروب" التي تتخذ من شيكاغو مقراً لها، فيل فلينا لإذاعة الوطنية العامة: "بينما يعد برميل النفط أرخص ثمناً هنا في الولايات المتحدة –بالنسبة للمستهلك الأميركي- سيكون أغلى ثمناً بالنسبة للأفراد عبر البحار. وهذا يضيف حقيقةً إلى بعض الكوارث الاقتصادية التي يجابهون في الوقت الراهن".
وعلى الرغم من أن أسعار النفط العالمية تنخفض، إلا أنها تنخفض بمستويات أقل بالنسبة للدول ذات العملات الأضعف من الدولار الأميركي.
5. عودة ليبيا والعراق:
على رأس مخرجات الولايات المتحدة المزدهرة، كان إنتاج النفط من المناطق المضطربة تقليدياً مستقراً على نحو مدهش.
وحافظت ليبيا والعراق وجنوب السودان ونيجيريا جميعها على إنتاج النفط بالرغم من تهديد عدم الاستقرار، مغرقة السوق بالنفط في وقت انخفاض الطلب.
لم يتسبب خطر حدوث اضطرابات في إنتاج النفط بهزات ضخمة في السوق كما كان معهودا، ولم تتأثر أسواق النفط العالمية، حتى عندما بدأت الولايات المتحدة قصفها الجوي لضرب مقاتلي داعش في العراق، ما يوحي بأن أسواق النفط تقع بشكل متزايد ضمن حماية نمو الانتاج في الولايات المتحدة وغيرها.
*جيرد جيلمور، كريستيان سينس مونيتور
تعليقات
إرسال تعليق