ذات يوم خرج خليفة بغداد إلى الصيد ومعه موكبه، وشاء القدر أن يجمح حصانه (فقد راكبه السيطرة عليه) فأخذ يعدو مذعوراً دون أن يستطيع الخليفة التحكم فيه.
وأخذ الجواد يعدو مفزوعا حتى غاب عن عيون الذين كانوا يلاحقونه تماماً؛ وفجأة وجد نفسه أمام هاوية وعندما أوشك الجواد أن يسقط في تلك الهاوية براكبه، قام أحد الرعاة الذي كان موجودا مع أغنامه في المكان بإيقاف الحصان عند حافة الهاوية تماماً.
وعندما رأى الخليفة المجازفة التي قام بها الراعي لإنقاذ حياته عرض عليه أن يوفر له السعادة جزاء له على تصرفه الشجاع, وأقسم بلحيته على أن يمنحه كل ما يطلب.
في اليوم التالي ذهب الراعي إلى البلاط الملكي حيث قدم نفسه، وسمحوا له بالدخول على الفور.
كان اسم الراعى «ابن عِداب»، وكان يمتلك قطيعاً من الماعز عدده خمسون ماعزاً.
وأخبر الخليفة أنه سوف يكون سعيداً لو امتلك قطيعا من مائة ماعز، ولذلك فإنه يحتاج إلى خمسين ماعزاً أخرى، فقال له الخليفة: أرى أنك ترضى بقليلك ولذلك فإنني سوف أعطيك خمسين ماعزاً، ومعها سوف تمتلك بيتا صغيراً ومراعي تكون لك لترعى فيها أغنامك.
خرج الراعي سعيداً للغاية بعد مقابلة الخليفة، وهو يفكر أن هذه هي السعادة لأن الخليفة قد أعطاه أكثر مما طلبه, واضعا في الاعتبار أنه يحتاج إلى منزل يعيش فيه ومراعٍ يرعى أغنامه فيها.
وبعدها أقام في بيته، وبدأ يقيم العلاقات مع جيرانه.
وذات يوم جاء لزيارته أحد الجيران المهمين الذي قال له إنه يمتلك بيتاً جميلاً, ويمتلك مائتي ماعز وبعض الحقول التي تنتج له الغذاء.
في تلك الليلة لم يستطع الراعي النوم, وظل يفكر في المائتي ماعز ويقول لنفسه: يا لي من أبله (ساذج), كيف لم أطلب من الخليفة مائتي ماعز لكى أصبح على نفس درجة أهمية جاري هذا؟
وظل هذا التفكير يشغل باله حتى غلبه النوم من كثرة التفكير.
وفي اليوم التالي ذهب إلى قصر الخليفة مطأطئ الرأس, وطلب مقابلته. واستقبله الخليفة في الحال.
قص الراعي على الخليفة ما دار بذهنه في الليلة السابقة, وضحك الخليفة من كلام الراعي, وبعدها قال له: لقد أقسمت من قبل بلحيتي أن ألبي لك كل ما تطلب.
وهكذا منحه مائة ماعز, وأصبح يمتلك مائتي ماعز مثل جاره.
وعاد الراعي إلى منزله. ولكنه عندما اقترب من منزله بدأ يفكر وهو يقول لنفسه: «لماذا لم أطلب منه مائتي ماعز أو ثلاثمائة ماعز؟ فلو أني طلبتها لأعطاني إياها, ولكن يالي من أبله، فأنا امتلك الآن مائتي ماعز فقط».
وظل لبضعة أيام نهباً (خاضعاً) للأفكار نفسها، وفى النهاية تشجع على أن يعود إلى الخليفة ليقول له إنه لم يشعر بالسعادة حتى ذلك الحين، وإنه يحتاج إلى المزيد من الماعز والمزيد من الحقول المنتجة للخضراوات اللازمة للغذاء لكي يكون سعيداً.
وبما أن الخليفة كان قد أقسم بلحيته على أن يلبي مطالبه فقد وهبه كل ماطلب.
وعاد الراعي سعيداً إلى منزله وهو يقول: «نعم هذه هي السعادة».
واستمر وقتا قصيرا على هذه الحال؛ لكنه سرعان ما صار غير راضٍ بأن يكون راعياً وبدأ يفكر في موقفه, وقرر أنه لم يعد يريد أن يعيش في الريف وإنما يريد العيش في البلاط الملكي.
وهكذا انتقل إلى البلاط الملكي بموافقة الخليفة ومساعدته, وبهذه الطريقة تحول ما كان بيتا إلى قصر, وما كان حديثا مع الجيران تحول إلى حفلات لا ينفد منها الطعام والشراب أبدا.
وفى كل مرة كان الخليفة يزداد ضيقاً من طلبات الراعي التي لاتنتهى، ولكنه كان قد أقسم بلحيته وأخذ يلبي له كل ما كان يطلبه.
بيد أن ذلك كله لم يرضِ طموح ابن عِداب.
وفي يوم من الأيام ذهب مرة أخرى للحديث مع الخليفة. وقال له: سيدى لقد وعدتني أن أكون سعيداً, وأقسمت بلحيتك أن تعطيني كل ما أطلب.
ورد عليه الخليفة قائلا: هذا صحيح، وإذا كنت غير سعيد حتى الآن فالذنب في ذلك ليس ذنبي.
قال ابن عِداب «إذن في هذه الحالة يلزمني لكي أكون سعيداً أن أصبح خليفة, وأن تعيرني الخلافة فترة من الزمن».
وعندما سمع الخليفة تلك الكلمات, طلب أن يؤتى له بالحلاق الملكى, وجعله يحلق له لحيته.
وبعد ذلك التفت إلى الراعي وقال له: «الآن لم أعد ملزما بأن أكمل ما كنت قد أقسمت بلحيتي أن أفعله, أما أنت فيجب ألا تصبح شيئا غير ما كنت عليه».
وأمر الحرس بأن يجردوه من كل ما يملك, وأن يعيدوه إلى المكان الذي لقيه فيه أول مرة.
وبذلك عاد فقيرا كما وجده الخليفة مع مَعِزِهِ الخمسين.
تعليقات
إرسال تعليق