القائمة الرئيسية

الصفحات

الأفيون: الادمان... والعلاج




نبذة تاريخية:
عُرفَ الأفيون منذ آلاف السنين و في حضارات قديمة عديدة , منها السومرية و البابلية و الآشورية و الإغريقية , غير أنه يصعب تعيين المكان و الزمان الذي بدأ فيه التعرف على مستحضر الأفيون و تناوله , فهناك من يرجع ذلك إلى زمن السومريين في بلاد ما بين الرافدين , غير أن هناك بيانات تفيد بأن معرفة الأفيون قد سبقت ذلك بعشرات الآلاف من السنين , و ذلك من تفحص آثار الإنسان القديم في بعض الكهوف في جبال سويسرا , و هي الآثار التي تعود إلى أكثر من ثلاثين ألف عام , هذا و قد لا تكون هذه الآثار دلالة على إبتداء هذه المعرفة في ذلك المكان أو غيره , إذ أن البداية قد تكون في زمن سابق و مكان آخر من تاريخ الحياة الإنسانية .

لقد وردت أول الإشارات التاريخية إلى زهرة الخشخاش و خلاصتها من الأفيون , في النصوص السومرية قبل خمسة آلاف عام , وتردد ذكرها في النصوص الآشورية , حيث ظهر الأفيون ضمن قوائم العلاجات ذات الأصول النباتية , و من أهم استعمالاتها في ذلك الزمن هو لغرض تسكين الآلام , هذا و لا يمكن الآن معرفة في أي الأغراض أستعمل الأفيون أولاً.

على أي حال فإن البيانات التاريخية لم تدل على إستعمال الأفيون لأغراض غير طبية إلا بالعصر الحديث .

قال هومروس الشاعر الإغريقي حوالي تسعمائة سنة قبل الميلاد : أن الأفيون قد أنتشر في اليونان في ذلك الوقت ، أما أبقراط فقد أستعمل الأفيون أربعمائة سنة قبل الميلاد ، كما أشاد به الطبيب جالينوس ، وينسب إلى الأطباء العرب بأنهم أول من أستعمل عصارة الخشخاش لعلاج حالات الإسهال ، وبأنهم أول من نقلوا هذه النبتة إلى بلدان الشرق الأقصى ، والمعروف أن نبتة الخشخاش قد دخلت الصين في القرن السابع بعد الميلاد ، واليابان في القرن الخامس عشر ، وفي 1680 كتب الطبيب الإنجليزي المشهور توماس سيدنهام عن الأفيون بقوله : أن من الأدوية التي وهبها الخالق العظيم لرفع معاناته ، فما من أحد منها هو أكثر إنتشاراً وأكثر فعالية من الأفيون ".

ومن الأقطار التي أنتشر فيها الأفيون هي أمريكا ، والمعروف هو أن إستعمالات الأفيون وجدت هناك منذ القرن السادس عشر ، غير أن المعتقد هو أن الصينيون هم الذين أدخلوا عادة تدخين الأفيون إلى أمريكا عن طريق عمالتهم في أمريكا ، إيان فترة التهافت على الذهب في غرب أمريكا في القرن الماضي ، ولعل من أبرز معالم تاريخ الأفيون ، هو أن حربين قد قامتا بسبب تجارة الأفيون ، وكلاهما شنتهما دول غربية لغرض فرض حرية إدخال الأفيون والمتاجرة به في الصين ، الأولى بين بريطانيا والصين عام ( 1839-1842) ، والثانية بين بريطانيا وفرنسا من جانب والصين من جانب آخر وذلك بين عامي ( 1859-1860) ، وقد إنتهت الحربان بإجبار الصين على قبول فرض حرية إدخال الأفيون إلى الصين ، وكان من نتائج ذلك التزايد العظيم في عدد الذين راحوا يسيئون إستعمال الأفيون لأغراض غير طبية ، وقد قدر عددهم في الصين في عام 1906 بما يزيد عن 95 مليون مدخن للأفيون .

ومن الجدير ذكره أن الطبيب الإنجليزي " جون جونس " ، هو أول من لاحظ عام 1700 بأن توقف المتعود عن إستعمال الأفيون بصورة مفاجئة ، له أن يحدث في المتناول أعراضاً مزعجه ، ولعله من المستغرب أن تكون هذه الملاحظة هي أول ما ذكر عن الإدمان وأعراض التوقف عبر التاريخ الطويل و الإستعمال الواسع للأفيون .

لقد ظل الأفيون الخام هو المادة المستعملة لأغراض علاجية طبية ، ولأغراض غير طبية وذلك حتى عام 1803 عندما أصبح من الممكن عزل و إستخلاص مادة المورفين من مستحضر الأفيون وذلك في جهد مساعد صيدلاني ألماني شاب ، كان ذلك بداية لعزل و إستخلاص مركبات أفيونية ، بصورة صناعية كلية وبدون إستعمال إي من المواد أو من المركبات الأفيونية الطبيعية أو المركبة جزئياً .

الأفيون ومستحضراته 

الأفيون هو المادة العصارية المستخلصة من زهرة الخشخاش ، والمعروفة بإسم زهرة الخشخاش الأسيوية ، و إسمها العلمي “Papavarum somniferrum “ ، ويتم الحصول على هذه العصارة بشق أعلى هذه الزهرة وهو الرأس الحاوي للبذور وبعد جمع العصارة تترك لمدة أربع وعشرين ساعة لكي تجف وبعدها تجمع ، وحصيلة ذلك هو الأفيون الخام ، الذي يحتوي على عدد من المركبات الأفيونية والتي يبلغ عددها العشرون مركباً ، وأهمها كل من مركب المورفين والكوديين ، وهناك مواد أفيونية أخرى منها ما هو مصنع من المستحضرات الطبيعية السابقة الذكر وخاصة من المورفين والكوديين ومنها ما هو مصنع كيماويا ً بصورة كاملة لأنها لا تحتوي على أي مادة أفيونية طبيعية . ويعتبر الهيروين من أهم المشتقات المصنعة من الأفيون .

وقد تم تحضير الهيروين من المورفين لأول مرة عام 1875 ويعرف الهيروين بالإسم الكيماوي ( داي أسيتايل مورفين) ، وقد دخل الهيروين مجال الإستعمال الطبي لعام 1898 وذلك لعلاج حالات السعال الشديدة ، كما أستعمل لفترة من الزمن كبديل للمورفين في محاولة لإيقاف الإدمان على المورفين ، غير أنه سرعان ما تبين بأن الهيروين يماثل في فعله الإدماني فعل المورفين ، بل يزيد عن ذلك ، ولهذا السبب تخلى الأطباء عنه لهذا الغرض .

خصائص الهيروين 

الهيروين مادة أفيونية تحضر من مركب المورفين ، غير أنه أشد فعّالية من المورفين بحوالي أربعة إلى ثماني أضعاف وله فعل تسكيني للألم يساوي عشرة أضعاف ما للمورفين من هذا الفعل ، وللهيروين خاصية عبور حاجز الدم الدماغي بصورة أسرع من المورفين ، مما يؤدي إلى شعور الفرد بمظاهر فعله بسرعة تفوق سرعة الشعور بمظاهر هذا الفعل ، مقارنة بالمورفين ، وهذا مما يسارع بحدوث الإدمان على الهيروين .

ينتشر الهيروين في جميع أنحاء الجسم بعد تناوله ، غير أن فعله الأساسي يقع على الجهاز العصبي المركزي ، ويتمثل فعل الهيروين بناحيتين الأولى : التخفيف من الألم وإزالته ، والثانية : إحداث شعور النشوة. ونظراً لكثرة أعراضه الجانبية فإنه لا يستعمل إطلاقاً للأغراض الطبية ، وينحصر إستعماله فقط في مجال سوء الإستعمال ، والتصنيع و الإتجار غير المشروع . ويقوم الكبد بحرق الهيروين بصورة كاملة ، خلال خمس ساعات من تناوله .

فعل الهيروين

إن فعل الهيروين على المتعاطي يعتمد على أمور عدية منها شخصية الفرد ، ووضعه النفسي ، وتوقعاته من الإستعمال ، والظروف التي يتم فيها التعاطي ، وأسلوب التعاطي ومقاديره ، والدرجة التي وصل فيها المتعاطي في سلم الإستعمال ، هل هو مبتدئ أم مدمن ؟.

وعند التعاطي ولمدة خمسة عشر دقيقة يشعر المتعاطي باللذة الغامرة للجسم ، ويلي هذا فترة من النشوة قد تستغرق خمس ساعات ، يكون فيها إرتفاع الثقة بالنفس والهدوء ، ويقل فيها الألم والشعور بالجوع والعطش والرغبة الجنسية ، ويميل المتعاطي للخمول و الإنزواء والنعاس و الإرتخاء ، ويلاحظ تضيق حدقات العين ، والزيادة في التوتر العضلي وهبوط في حركة الجهاز الهضمي مما يؤدي إلى الإمساك ، كما تتوقف حركة العين السريعة أثناء النوم ، أما إذا أستعمل الهيروين بجرعات كبيرة فإن تثبيطه للجهاز العصبي قد يكون خطيراً وقاتلاً ، والسبب هو التأثير على مراكز التنفس وهو ما يؤدي للوفاة ، وأما مع إستمرار التعاطي والإدمان فإن المدمن يفقد قدرته الجنسية ، ويصاب بالوهن والضعف والإعياء .

طرق تناول الهيروين

يتوفر الهيروين عادة ً بتداوله على صورة مسحوق أبيض على الغالب ، غير أنه قد يتفاوت في اللون ، تبعاً لصفاء صنعه وللمواد التي يخلط معها من ناحية أخرى ، ومنها السكر والكينا والنشاء وبعض المهدئات ، وقد لا يتجاوز الهيروين فيما يباع بالأسواق السوداء نسبة 6-8% ، وبعض العينات قد تحتوي على مواد خطرة مثل أدوية الصرع ، وأدوية السكري والتي قد يكون لها أخطار أكثر من الهيروين لوحده . ويتم التعاطي إما عن طريق الفم وتحت اللسان والتدخين و الإستنشاق ، والحقن تحت الجلد وفي العضل وفي الوريد .

التعاطي والتعود و الإعتماد 

عادة ً ما يبدأ التعاطي في حفلة ومع رفاق في جو إجتماعي مرح ، ويشعر المتعاطي باللذة والنشوة والراحة فيعاود الإستعمال ، ومن المؤسف أنه بعد تكرار الإستعمال لبضعة أيام ، يبدأ المتعاطي بالشعور بأعراض التوتر العصبي و الإنزعاج والرغبة الشديدة في جرعات أخرى ، مما يدفعه للحرص الشديد على توفير الجرعات لشكل دائم لتجنب الأعراض الإنسحابيه المزعجة ، وقد يكون المتعاطي يتناول الهيروين على إنفراد وهذا نادر ، وعلى الأغلب فأنه يكون ضمن مجموعة من الأصدقاء لها طقوسها وعاداتها وعلاقاتها ، وأماكن تواجدها ، ومع إستمرار التعاطي فإن الجرعة المعتادة تتوقف عن إعطاء الشعور بالنشوة واللذة والراحة ، كما أنها تفشل في إزالة الأعراض الإنسحابيه ، وهذا يدفع المتعاطي إلى زيادة الجرعة بصورة مضطردة للحصول على نفس التأثيرات ومنع الأعراض الإنسحابيه ، وهذا يؤدي بالمتناول إلى حالة التحمل لجرعات كبيرة ومتزايدة .

أعراض الإمتناع عن الهيروين 

تختلف هذه الأعراض في الشدة بين متعاطي وآخر ، كما تعتمد على الجرعات التي أعتاد عليها الفرد ومدة التعاطي وأسلوب الإستعمال ، وفي الحالات الخفيفة من التعاطي هناك شعور بالتوتر و الإنزعاج وعدم الإرتياح عند فقدان الهيروين ، أما في التعاطي بمقادير كبيرة فإن الأعراض إنسحابية تشتمل على القلق والتثاؤب وسيلان الأنف ، وتوسع حدقات العين و التعرق ، والإسهال والقيء والوهج الحار والبارد في الجسم ، وزيادة التنفس وسرعة ضربات القلب ، والتقلصات وآلام مبرحة في كافة أنحاء الجسم .

تبدأ أعراض الإنسحاب غالباً بعد 5-6 ساعات من الجرعة الأخيرة ، وتزداد تدريجياً لتصل أوجها بعد ثلاثين إلى أربعين ساعة ، وتتواصل لمدة تصل إلى خمسة أيام ، وقد تزيد عن ذلك خصوصاً إذا كان الهيروين مخلوط بمواد أخرى لها أعراض إنسحابية أيضاً كالمهدئات ومضادات الصرع .

أخطار تعاطي الهيروين 

يعتبر الهيروين من أخطر المخدرات ، وأسرعها إحداثاً للإدمان ، وأكثرها سرعة ً في الإنتشار ، ويمكن إيجاز أخطار الهيروين بما يلي : 
1. خطر التسمم : ويحدث عند سوء تقدير الجرعة أو تغير مصدرها وتركيزها ، أو العودة للجرعة كان قد أعتاد عليها المدمن بعد فترة إنقطاع ، وفقد قدرته على تحملها مما يؤدي إلى توقف التنفس والوفاة .
2. خطر التسمم بالمواد المضافة للهيروين : وقد سجلت حالات وفات نتيجة هبوط السكر أو الضغط ، أو الدخول في غيبوبة ، أو حدوث تغيرات فسيولوجية خطيرة في الدم تؤدي للوفاة .
3. الإلتهابات الناتجة عن تلوث المستحضر نفسه أو الإبر المستعملة : مما يؤدي إلى إنتشار إلتهاب الكبد الوبائي والإيدز ، كما يمكن حدوث تسمم بكتيري إذا كانت المادة التي حقنت في الدم ملوثة .
4. نقص المناعة البسيط الناتج عن الضعف والإعياء العام ، أو النوع الشديد الناتج عن مرض الإيدز .
5. التغيرات الخطيرة في شخصية المدمن : إذ تتدهور القيم والأخلاق والثقة بالنفس ، و يهمل في واجباته وعمله وغالباً ما يصبح عبئاً على الأسرة وغير منتج .
6. النقص في مقدرة الفرد الجسمية والجنسية والفكرية .
7. الإتجاه نحو الجريمة : للحصول على المال لضمان توفير الهيروين ، أو اللجوء للترويج في الحصول على الجرعة مجاناً .
8. الإنتحار : يرتفع معدل الإنتحار لدى المدمنين ، وذلك عندما تضيق فيهم السبل ويشعروا بالندم على ما وصلوا إليه من دمار وهلاك بسبب هذا السلوك .
9. الأخطار الجسدية على الصحة العامة : الناتجة عن سوء التغذية وعدم الإكتراث إلا لمتطلبات الهيروين دون الغذاء أو المتطلبات المختلفة للفرد .
10. تأثير إنتشار تعاطي الهيروين : إن تأثر تعاطي الهيروين لا ينحصر بالفرد نفسيه بل يتعداه ويؤثر على الأسرة بكاملها ، وعندما يرتفع الإستعمال في المجتمع فإن هناك تأثيراً على أمن المجتمع و إقتصاده وأمن الدولة كاملة .

مصير المدمنين على الهيروين 
أولاً : في دراسة عن مصير متعاطي الهيروين في أمريكا ، تمت متابعة المدمنين لمدة عشرين عام ، بعد أول إدخال لهم للمستشفى ، وذلك لكونهم تحت تأثير جرعة زائدة من الهيروين ، وتوصلت الدراسة على مائة مدمن إلى ما يلي :
• أن ربع المدمنين قد دخلوا السجن ، وأنهم قد عادوا لتناول الهيروين بعد إطلاق سراحهم .
• وأن 57% من المدمنين قد توفوا قبل أوانهم ، ولأسباب تناول الجرعات المفرطة ، الإلتهابات المرتبطة بالإدمان ، تعاطي الكحول ، والإنتحار أو القتل ، والحوادث وغيرهم .

ثانيا ً : في دراسة قام بها ثوغلي تبين أن 3% من المتعاطين يتوفون في كل عام من سنوات الإدمان بسبب يتعلق بالمادة المدمن عليها ، وبأن 10% منهم يتوفون بعد مرور خمس سنوات على الإدمان ، و40% بعد مرور عشر سنوات .
ثالثاً : في دراسة قام بها ستمبسون على عينة من المدمنين في إنجلترا بلغ عددهم 128 مدمن ، أفاد بأن 36% قد توقفوا كلياً عن التعاطي خلال سبعة سنوات من بداية الإدمان ، ومن مجمل الملاحظات على مدمني الهيروين أن معظم حالات التوقف عن الإدمان تحدث خلال السنوات الخمسة الأولى من الإدمان ، كما لوحظ بأن الإتجاه نحو ترك التعاطي يكون واضح في منتصف الثلاثينات من العمر ، ومن الملاحظ أيضاً أن الذين يدمنون على تعاطي الهيروين في ظروف طارئة من الشدة ، بأنهم يتجهون إلى التخلي عن إدمانهم بزوال هذه الظروف وبتغيير نمط حياتهم ، ومثال ذلك الذين أدمنوا خلال حروب معينة .

تأثير الإدمان على السلوك 

يمكن النظر في التأثيرات السلوكية من أربع إتجاهات :
1 – الفئة الأولى : والتي أطلق عليها فئة المستقرين والتي تصل إلى ثلث المدمنين ، هم أولئك الذين يستطيعون الإستمرار في العمل وتجنب غيرهم من المتعاطين وتكون مشاكلهم الطبية والإجتماعية والإجرامية قليلة نسبياً .
2- الفئة الثانية : فئة المدمنين الذين يشكلوا 17% ويكونوا عاطلين عن العمل ومرتبطين بمجموعة الإدمان ، وترتفع بينهم نسبة الجريمة وخصوصاً الإتجار بالمخدرات .
3- الفئة الثالثة : وهي الفئة ذات العالمين ، وقد يصلوا إلى خمس المدمنين ، ويستطيع هؤلاء الإستمرار بالعمل والحياة مثل الفئة الأولى ، إلا أن لديهم ممارسات إجرامية و إنحرافية من جانب آخر .
4 – الفئة الرابعة : فئة الانفراديين ويصلوا إلى 29% ويتميزوا بقلة مخالطتهم مع غيرهم من المحيط الإدماني ، غير أن حياتهم تتسم بعدم الإستقرار ، و إنخفاض في سلوكهم الإجرامي .

معالجة الإدمان على الهيروين 

إن الإدمان على الهيروين سلوك إختاره الفرد بإرادته ضمن ظروف ومعطيات معينة ، وحتى يخرج منه لا بد أن يتخذ القرار القطعي والحاسم بالإمتناع ، وأن يكون على يقين بأن الإقلاع أمر في غاية الخطورة والأهمية ، وهو مهمة طبية حساسة ، يقوم بها الطبيب النفسي المختص صاحب الخبرة وحسب القانون الأردني للمخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988 ، فإن من يتقدم للعلاج من الإدمان ، لأي مركز طبي لا يجوز الإبلاغ عنه للجهات الأمنية ، بل إن القانون قد أعتبر إفشاء سرية المدمن من قبل الأطباء والعاملين في المستشفيات جريمة يعاقب عليها بالسجن ستة شهور وبغرامة خمسمائة دينار ، وذلك حماية للمدمن من الخوف من عواقب وصوله للعلاج ، حتى أن المدمن الذي يتقدم للجهات الأمنية معترفاً بإدمانه طالباً العون ، فعلى الجهات الأمنية أن تساعده للوصول إلى العلاج ، وتسقط عنه تهمة التعاطي ويكتفي به شاهد .

وينقسم العلاج لمدمني الهيروين إلى مرحلتين :

الأولى : هي مرحلة الفطام والتي يتم فيها إيقاف الهيروين والتعامل مع أعراضه الإنسحابيه بوسائل علاجية مختلفة ، داخل مستشفى وتحت إشراف طبي ونفسي وتمريضي مكثف ، للخروج من الأعراض الإنسحابيه بأقل درجة من الألم والأضرار والمضاعفات ، وإجراء الفحوصات الطبية الكاملة لأي أثار أو إلتهابات حدثت نتيجة التعاطي . وتتراوح فترة الفطام من مريض لآخر ولكنها تتراوح على الأغلب بين أسبوعين إلى أربعة ، و يجدر الذكر هنا أن كثير من المدمنين يتعاطون أكثر من مادة في آن واحد ، مما يجعل التكهن في الأعراض الإنسحابيه صعباً وقد يتطلب أحياناً التخلص من الأعراض الإنسحابيه لكافة المواد المستعملة ، ما يزيد عن ستة أسابيع ، يكون الأسبوع الأول فيها متميزاً بالمظاهر الجسدية للإنسحاب ، وفي الأسبوع الثاني يكون هناك ميل شديد للإشتهاء والرغبة الملحة في التعاطي ، وغالباً ما يدخل المدمنين في حالة من القلق والإكتئاب النفسي بعد ذلك .

الثانية : وهي مرحلة التأهيل ، وتتفاوت هذه المرحلة من مدمن إلى آخر وحسب درجة الدمار التي أصاب شخصيته وحياته العملية والأسرية ، فقد يكون كافياً لبعض المدمنين أن يتابعوا العيادات الخارجية لعدة شهور بعد خروجهم من المستشفى بينما يحتاج البعض الآخر وخصوصاً الحالات الشديدة والطويلة من الإدمان إلى فترة من التأهيل داخل مركز متخصص يتراوح بين شهرين إلى ستة شهور ، وقد تصل في أحوال خاصة إلى سنة ، والخبرة المتراكمة لدى العاملين في هذا المجال ، تربط مصير المدمن وعلاجه في الدرجة الأولى بقراره وجديته واستعداده للتعاون ، ووجود وسائل الدعم الإجتماعي والنفسي في بيئته ، إضافة إلى ضرورة توكيل مهمة العلاج للفريق الطبي النفسي صاحب الخبرة في هذا المجال .
د. وليد سرحان
Reactions

تعليقات