جلس محمد علي كلاي في الطائرة رافضاً أن يضع حزام الأمان بناء على طلب المضيفة. قال لها:" لا يحتاج سوبرمان إلى حزام أمان!". فأجابته:" ولا يحتاج سوبرمان إلى طائرة أيضاً!"
إنه الكبرياء، الداء الخفي الذي يتسلّل حتى إلى أكثر القلوب تواضعاً. فهل أنت متكبّر دون أن تعرف؟
كم من المآسي تحصل في العالم بسبب الكبرياء!
البعض يعتقدون أنهم آلهة فيحكمون على الآخرين ويقتلونهم إما بالجسد أو بالروح.
البعض يعتبرون أنهم أكثر علماً وفهماً وتقديراً لحقائق الأمور فيرفعون أنفسهم أمام الآخرين.
البعض يعتبرون أن الحقيقة ملك لهم وحكر عليهم وأما الباقون فمساكين.
البعض يجلسون في الصفوف الأولى أو يرتفعون على المنابر ويصدحون ويصيحون رافعين أصابعهم، واعظين البشر غافلين عن المسؤولية العظمى التي يحمّلونها لأنفسهم.
البعض يحسمون مصائر شعوب ويودون بحياة الناس لأنهم لا يتراجعون عن أخطائهم بسبب الكبرياء.
حتى البعض القليل الذي يعتبر أنه متواضع أو يسعى ليكون متواضعاً قد يصبح متكبّراً في تواضعه. يتباهى به دون أن يعلم.
الكبرياء داء ملازم لنا في طبيعتنا ولا يفارقنا حتى نموت. نحن نصارعه ويصارعنا طوال حياتنا. يغلبنا حينا ونغلبه أحياناً.
هل هذا يعني أن نستسلم له بما أنه جبّار إلى هذا الحد؟
ثمة وسائل يمكننا من خلالها أن نخفت صوته. ومن تلك الوسائل أن ندرك أننا لسنا مصدر أي شيء. وأن الله يعمل فينا ومن خلالنا لخدمة خلقه. وأن نعتمد المشورة وعدم التشبث بآرائنا. وقبول الآخر ورأيه. والأخذ بالنصح والتفكير بأي اقتراح ولو جاء من شخص بسيط. فلنجتنب السعي إلى الأضواء، وهذا لا يعني طبعاً ألا نشكر الله على نعمه علينا سواء أكانت جمالاً أو مالاً أو علماً أو مواهب خاصة أو ألا نستثمرها. لكن أن نعتبر أن هذه المواهب أعطيت لنا لنخدم الآخر بفضلها. السرّ هنا هو في عدم التركيز على التفكير بأنفسنا بل بالآخر. وحذار التواضع الغاش. لأنه غالباً ما يجعلنا أكبر المتكبّرين.
في معظم الأحيان، حين نبلغ مرتبة ما من العلم أو الثروة أو الرفعة الاجتماعية تأخذنا الخيلاء وننسى أن كل هذا مجد باطل يُنزع منّا في لحظ غفلة. كم من عالم انتهى به الأمر مصاباً بداء الألزهيمر حيث لم يعد يذكر شيئاً مما حصّله طوال حياته؟ وكم من ثري فقد ثروته أو أصيب بمرض لم يعد فيه ماله ينفعه بشيء؟ وكم من زعيم جبّار انقلب الدهر عليه فأضحى مسخرة للجميع؟
العمل الفاعل كلّ في مجاله هو من أهمّ الوسائل للتكفير عن كبريائنا. فكلما كان كلامنا أقل وسعينا أكبر كلما انحسر الكبرياء أمام الجهد المبذول لتقديم الأفضل للمحيطين بنا سواء أكان كتاباً أو خدمة أو عملاً سياسياً أو إنجازاً فنّياً أو سعياً إلى رزقنا ورزق أولادنا.
ولنبتعد عن مقارنة أنفسنا بالآخرين. فهذه المقارنة ستظهر لنا دائماً أننا إما أفضل منهم أم أنهم أفضل منّا فنقع في خطيئة الحسد. فلنقارن أنفسنا فقط بالصورة الأسمى المطلوب منّا أن نكون عليها إنسانياً. هذه الصورة مغايرة لصورة الإنسان الذي ابتلي بالكبرياء الذي أغشى بصره وبصيرته فخرج من النعيم الحقيقي.
نحن في معظم الأحيان نتكلّم عن أمور نعرفها ونتباها بمعرفتنا حتى دون أن نختبر أو نعيش ما نعرفه. إذا ظلّت هذه المعرفة في العقل فهي ستكون خامدة ككتاب قيّم نضعه في مكتبتنا ونتباها به دون أن نفقه شيئاً منه. أما إذا انتقلت تلك المعرفة إلى القلب فسوف تتحوّل إلى نبع للنور فتشع لتضيء لنا وللآخرين طريقة الخدمة بصمت وتواضع. وفي ذلك فرح حقيقي عظيم!
تعليقات
إرسال تعليق