ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: ((اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب)) رواه أبو داود (1495)، والترمذي (3544)، والنسائي (3/52)، وابن ماجه (3858) واللفظ له، وأحمد (3/120) (12226)، والحاكم (1/683). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: حديث غريب. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجة)): حسن صحيح.
وورد في التنزيل فعلاً، قال الله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ [آل عمران: 164].
وقال: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ [الحجرات: 17].
... قال الزجاجي: (المنان) فعال من قولك: مننت على فلان، إذا اصطنعت عنده صنيعة وأحسنت إليه.
فالله عز وجل منان على عباده بإحسانه وإنعامه ورزقه إياهم.
وفلان يمن على فلان: إذا كان يعطيه ويحسن إليه ((اشتقاق أسماء الله)) (ص: 164).
وقال الخطابي: وأما (المنان) فهو كثير العطاء ((شأن الدعاء)) (ص: 100)، وبنحوه قال البيهقي في ((الاعتقاد)) (ص: 67).
وقال الجوهري: و(المنان) من أسماء الله تعالى ((الصحاح)) (6/2207). .
وقال الحليمي: ومنها: (المنان) وهو عظيم المواهب، فإنه أعطى الحياة والعقل والنطق، وصور فأحسن الصور، وأنعم فأجزل، وأسنى النعم، وأكثر العطايا والمنح، قال - وقوله الحق -: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا [إبراهيم: 34] ((المنهاج)) (1/203) وذكره ضمن الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواهن ونقله البيهقي في ((الأسماء)) (ص: 65). .
وقال أبو بكر -هو الأنباري-: وفي أسماء الله تعالى الحنان المنان، أي الذي ينعم غير فاخر بالإنعام.
وقال في موضع آخر في شرح المنان: (معناه: المعطي ابتداء ولله المنة على عباده، ولا منة لأحد منهم عليه، تعالى الله علواً كبيراً) ((اللسان)) (6/4279). .
وقال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى (المنان): (هو المنعم المعطي، من المن: العطاء، لا من المنة. وكثيراً ما يرد المن في كلامهم بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه.
فالمنان من أبنية المبالغة، كالسفاك والوهاب) ((النهاية)) (4/365). .
وقال القرطبي: منها المنان جل جلاله وتقدست أسماؤه.
قال: يقال منه: من يمن منا فهو المنان، والاسم: المنة واشتقاقه في موضوع اللسان من المن وهو العطاء دون طلب عوض.
ومنه قوله تعالى: فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ [ص: 39] في أحد وجوهه.
ويكون أيضاً مشتقاً من: المنة، التي هي التفاخر بالعطية على المعطى، وتعديد ما عليه.
والمعنيان في حق الله تعالى صحيحان.
ويتصف أيضاً بهما الإنسان، لكن يتصف بالمعنى الواحد على طريق المدح، وبالمعنى الثاني على طريق الذم.
فالأول: الذي هو ممدوح، نحو أن يكون عطاؤه أو منه لوجه الله تعالى، ولا لنيل عوض من الدنيا.
ومن هذا القسم قوله عليه السلام: ((وإن من أمن الناس علي في ماله أبو بكر)) <br/> رواه البخاري (3654) ، ومسلم (2382) ولفظ البخاري: ((إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر)). .
وقوله: ((ما أحد أمن علي من ابن أبي قحافة)) رواه البخاري (467) بلفظ: ((إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر)) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
والقسم الثاني: وهو أن يمن الإنسان بالعطية، أي: يذكرها ويكررها، فهو المذموم.
ومنه قوله تعالى: لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى [البقرة: 264].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)) رواه مسلم (107). .
والمنان: الذي لا يعطي شيئاً إلا منه، كذا جاء مفسراً في كتاب مسلم رواه في ((الإيمان)) (1/102)، من حديث أبي ذر.
والمنان أيضاً: الذي يمن على الله بعمله، وهذا كله في حق المخلوق حرام مذموم.
وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة منان)) <br/> رواه النسائي (8/318) ، وأحمد (2/201) (6882). من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. قال البخاري في ((تهذيب التهذيب)) (2/37): لم يصح، وقال صلاح الدين العلائي في ((تحفة التحصيل)) (121): قيل إنه عن سالم عن نبيط عن جابان، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (11/99)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (8/318). .
ولما كان البارئ سبحانه يدر العطاء على عباده مناً عليهم بذلك وتفضلاً، كانت له المنة في ذلك.
فيرجع المنان إذا كان مأخوذاً من المن الذي هو العطاء إلى أوصاف فعله.
ويرجع المنان إذا أخذته من المنة التي هي تعداد النعمة وذكرها والافتخار بفعلها في معرض الامتنان، إلى صفة كلامه تعالى ((الكتاب الأسنى)) (2/ورقة 318ب – 319ب). .
تعليقات
إرسال تعليق