أننا نأكل حتى نتزود بالطاقة اللازمة للحياة ، وبالأصل فإننا نتناول كمية من الطعام تلبي حاجاتنا في النمو ، واستخدام الطاقة المحترقة للمشي والعمل والكلام وبذل الجهد بشتى صوره ،مما يجعل هناك في النهاية محصلة بين الطعام والطاقة المبذولة وهي تتبلور في وزن الإنسان ، وقد لوحظ أن غالبية الناس لا تعاني من مشكله في هذا السياق طالما أنهم لا يعانوا من أية أمراض تؤثر على الطعام والوزن ولكن إضطرابات الطعام معروفه في الطب النفسي و من أكثر هذه الإضطرابات شيوعاً هي السمنة الزائدة ، والتي لا تكون ناتجة عن مرض في الغدد أو لا يكون لها أساس عضوي ، بل إن السمين يكون ميالاً لتناول كمية من الطعام أكبر من حاجته ، مما يؤدي إلى تخزين الدهون وارتفاع الوزن ، وفي بعض الأحيان تكون كمية الطعام ليست زائدة بصوره ملحوظة إلا إن النشاط يكون قليل أو شبه معدوم والسمنة بأشكالها البسيطة تتطلب تنظيماً للطاقة المصروفة ، وذلك بالرياضة والمشي ،وتنظيماً لتناول الطعام ، ففي بعض أحوال الكآبة يكون هناك ميل لزيادة الطعام والنوم خصوصاً في الإكتئاب الشتوي أو الإكتئاب أللا نمطي .
من إضطرابات الطعام النادرة ولكنها خطرة إنعدام الشهية العصبي ، الذي يمسى ( القهام) ، وهو يحدث في الإناث أكثر من الذكور وغالباً في سنين المراهقة الأولى ، إذ تبدأ الفتاة بالحمية والرجيم بالرغم من إن وزنها في الحدود الطبيعية ، هدفها وزناً معيناً أقل بكثير من الوزن الطبيعي لها ، وقد يصل الأمر بالبعض إلى الإمتناع عن الطعام نهائياً ، أو تناول ربع تفاحه في اليوم وقطعة بسكوت في يوم أخر ، ويسيطر على الفتاه رعب شديد من البدانة ، وبرغم نزول الوزن تبقى مقتنعة أن هناك طبقات من الشحوم يجب إزالتها وتستعمل مدرات البول والمسهلات ، حتى تتأكد من نزول وزنها للرقم المطلوب والذي غالباً ما تغيره بعد أن تصل إليه ، وهذه الحالة يرافقها العديد من الأعراض والإضطرابات الجسدية كإنقطاع الدورة الشهرية ً ، وبعض هذه الحالات تتعرض للوفاة إذا استمرت دون علاج ، وهن في العادة يرفضن العلاج ، وقد يتطلب الأمر العلاج الإجباري لإنقاذ حياتهن من الموت ، ويبدأ العلاج بإستعادة الوزن المعقول ثم المعالجة النفسية والسلوكية والأسرية . وثالث إضطرابات الطعام وهو منتشر إلا انه خفي وأقل خطورة من القهام وهو ( النهام العصبي ) ما تصاب به الإناث في العقد الثالث والرابع من العمر ، ويكنّ عادة معتدلي الوزن ، ولكن يداهمهن خوف دائم من السمنة فيتخذن قرارات بعمل رجيم قاسي جداً ، ما يلبث أن ينكسر وتلتهم السيدة كل الطعام الموجود ، وخصوصاً الحلويات والشوكولاته وغيرها من الأشياء التي يحاولن الإمتناع عنها ، وبعد أن تأكل كمية كبيرة تشعر بتأنيب ضمير ، وتلجأ للقيء ، وقد تستعمل مسهلاً ومدراً للبول ، وتتكرر عمليات القيء والمسهلات كلما شعرت أنها قد تجاوزت الحدود ، ويكمن الخطأ الأساسي في هذه الحالة أن السيدة تصر على رجيم قاسي جداً فهي تريد أن تنقص وزنها 10كغم مثلا ً في أسبوع ، مما يجعلها تشرب شاي فقط بلا سكر ، أو كوب حليب في اليوم وهذا بالطبع سيؤدي إلى إرهاق في الجسم ، وجوع شديد ، ونقص السكر ، وبشكل مفاجئ تفقد السيطرة وتأكل كمية من الطعام قد تزيد عما يمكن أن تأكل بشكل طبيعي في أسبوع ، وفي كثير من هذه الحالات تتلاقى الحالة مع الإكتئاب النفسي ويلعب كل منهما دور في زيادة الأخر ، ولا شك أن القيء المتكرر والإسهال وإدرار البول يؤدي إلى مشاكل صحية كثيرة ، أحداها إضطراب الأملاح في الجسم كالصوديوم والبوتاسيوم ، مما قد يكون له عواقب وخيمة على الصحة . وهذه الحالات تتطلب معالجه رغم أن معظم السيدات اللواتي بعانين منها يبقين الأمر سراً ، إلا أنه في لحظة ما تصبح الأمور فوق الإحتمال وتبلغ زوجها أو صديقتها أو أقرب الناس لها ، وتكون بحاجة لمعالجة نفسية سلوكية ودوائية ، بالإضافة إلى تدريب على أسلوب صحيح للأكل مع المحافظة على الوزن المعقول .
من الملاحظ أنه في العقود الأخيرة إزدادت مشاكل إضطرابات الطعام وانتشرت الوصفات الغذائية المختلفة للحمية ، ولا يكاد يخلو مجلس فيه سيدات إلا وتطرقن للحديث عن الحمية والوزن و أنواعها وإشكالها ، وقد لعب الإعلام دوراً كبيراً في تصوير الجمال على أنه الطول والنحافة على الرغم إن هذا ليس واقعياً عند سؤال الناس من كافة الأعمار، ولابد من القول أن الرأي الطبيعي في الوزن الطبي والحمية المناسبة يبقى هو الأصح وليس ما يتناوله الناس دون رقابه طبية .
د. وليد سرحان
تعليقات
إرسال تعليق