المراق HYPOCHONDRIASIS
يعرف المراق بأنه خوف أو تفكير بصورة غير طبيعيةً أو منطقية في الأمراض وأعراضها. ويصاحبها إعتقاد شبه جازم من المريض بأنه مصاب بمرض خطير سيؤثر على صحته ، ويستمر المصاب بهذه الحالة في تفسير كل ما يشعر به أو يطرأ عليه من إحساس جسدي طبيعي أو بسيط ، بأنه علامة من علامات المرض الخطير ، فإذا شعر بوخز خفيف في الصدر أو خفقان في القلب ، أو توعك عابر في المعدة ، اعتقد أن ذلك علامة على أنه مصاب بمرض صعب وخطير ، هذا على الرغم من توالي تأكيدات الأطباء خلاف ذلك . فالتحاليل شغله الشاغل ، يمضي فيها أوقاتاً طويلة وينفق عليها أموالاً طائلة ، ويصبح المرض هو نمط حياته ، فإذا أصيب بالرشح البسيط زار عدة أطباء وأخذ العديد من العلاجات بعد قراءة وتمحيص النشرات الواردة بها ، ثم بقي خائفاً من مضاعفات العلاج وأعراضه الجانبية ، ويطمئن هؤلاء الأشخاص ، لوجود طبيب يسكن في الحي أو نفس العمارة ، ويزداد اطمئنانهم لو توفر مستشفى قريب ، وبعد الكشف عليهم وطمأنتهم عادة ما يمروا بفترة راحة مؤقتة ، سرعان ما تثور أفكاره من جديد عند أول عارض بسيط يشعر به ، حتى لو كان عدم إنتظام في الإخراج ، أو بعض عسر الهضم بعد أكلة دسمة ثقيلة ، وهذا الشك قد يتصاعد في بعض الأحوال ليصبح وهماً ، ويكون المريض على يقين مطلق بوجود سرطان في رأسه ، أو ديدان في أمعائه فلا يقتنع ولا يطمئن . ومن النادر أن تكون هذه الحالة منفردة لوحدها كحالة مراق ، و الأغلب أنها تكون مختلطة مع حالة من القلق والإكتئاب النفسي ، وفي الحالات النادرة ترافق حالة ذهانيه عقلية ، كالفصام ، والإكتئاب الذهاني . أما في الحالات الشائعة فهي جزء من حالات القلق والإكتئاب ، فيكون المزاج متكدر ، و هناك خوف وقلق وأرق ، وفقدان الشهية للطعام ، والإستغراق في التفكير بالذات ، والأعراض الجسدية للقلق النفسي كلما حدث أحداها كلما زاد الخوف وزاد القلق وزادت الأعراض من صداع إلى دوخه ، فصنين إلى غباش عيون ، فجفاف حلق وضيق تنفس ، وألم صدر مع غثيان ، فانتفاخ وغازات ، وألم في العضلات والمفاصل ، وأما الكآبة فتؤدي لعدم القدرة على الإستمتاع بالأشياء ، وفقدان الحماس للعمل والترفيه ، ويصحو المريض مرهق متعب في الصباح ، ويقل تركيزه في العمل ، ويقل إنتاجه ، وكل هذا يؤكد هاجسه أن هناك مرضاً خطيراُ يكمن في أحد أجزاء جسمه ولا يستطيع الأطباء اكتشافه ، وأن هذا يؤدي إلى موته ، ويصبح الموت نصب عينيه صباحاً و مساءاً ، ويأسه يتفاقم إلى درجة أنه يمل إنتظار الموت ، فيصبح مطلباً له بعد أن كان رعباً .
إن المشكلة الكبرى في هذه الحالات أن يقتنع المريض بأن مرضه نفسي وليس عضوي ، ولكن كيف يتقبل هذا وهو يقول بصراحة لولا ألم صدره وصداعه فهو يعتقد أنه يكون سعيداً ، وهنا تكمن مهارة الطبيب في إقناع مريضه بأن ما يشعر به هو حقيقي وليس كذباً وهو ألم فعلي ، ولكنه ناتج عن شد عضلي وتوتر وقلق وبالتالي يندرج تحت المشاكل النفسية وعندما يقتنع المريض بذلك ، فعليه أن يتوقف فوراً عن زيارة الأطباء وإجراء الفحوصات ويتخلص من جهاز الضغط الذي اشتراه حتى يقيس ضغطه يومياً ، ويمتثل لتعليمات الطبيب المعالج ، من علاج دوائي أو نفسي ، وقد يطلب منه تخفيف التدخين والقهوة والشاي وممارسة الرياضة والإسترخاء ، وغالباً ما يتحسن هؤلاء المرضى ، رغم أن بعضهم لا يتعاون ، وكل بضعة شهور يعاود الأخطاء ينقض وعده للطبيب ويعود للفحوصات ، أو يترك علاجه بحجة الخوف من الإدمان ، ويكرر الحلقة المفرغة ، وأما الذين يتم شفاؤهم ، فقد يظل بعضهم متحفزاً لأي عرض يصيب أحد أقاربه وأصدقائه ، فيبدأ الخوف منه وكأنه يستطيع رد القدر بهذا الحرص الزائد . ولكن المريض الذي يتعاون ولا يتراجع في كلامه فإنه يشفى ويخرج من هذه المشكلة بأذن الله د. وليد سرحان
تعليقات
إرسال تعليق