كلمة هستيريا مشتقة من كلمة هسترون في اللاتينية ، وتعني الرحم ، وقد اعتقد القدماء أن الرحم ينفصل من مكانه عند الأنثى ويتجول في الجسم فيؤدي لشلل أحد الأطراف أو فقدان أحد الحواس الخمس أو عدم القدرة على النطق ، وذلك إن هذا المرض عادة ما يصيب النساء ولو أنه لا مناعة عند الرجل من هذا المرض ، وكلمة ( مهتسر) يستعملها العامة بما يوازي كلمة مجنون أو مصروع أو غاضب أحياناً ، ولا توجد أي صلة لهذا المعنى بالتصنيف العلمي . والهستيريا أحد الإضطرابات النفسية ، التي تصيب الإناث في سن مبكرة ، وهي عبارة عن صراع نفسي يشتد ، ويتفرغ على شكل عرض جسدي أو نفسي ، فمثلاً عندما يضغط على الفتاه لتتزوج إبن عمها رغم حبها الشديد لإبن الجيران ولا تستطيع إن تبدي وجهة نظرها وتحقق هدفها ، يتولد لديها صراع داخلي رهيب ، يؤدي إلى شلل هستيري أو تفارقي في الأطراف السفلى وتفقد قدرتها على المشي ، وتكون قد حصلت على مكسب أولي وهو حل الصراع ومكسب ثانوي وهو الإهتمام والرعاية والشفقة من قبل الأهل ، وقد يؤدي هذا الشلل المؤقت للأخذ برأيها مثلا ً ، وهناك من يصاب بفقدان النطق لأنه يريد الإبلاغ عن شيء خاطئ قد رآه ولكن تبليغه قد يضر والده مثلا ً فتراه يفقد النطق . ومن أكثر أنواع الهستيريا شيوعاً ، النوبات الهستيرية وهي تشبه نوبات الصرع وفيها عادة تغمض المريضة عيناها وتتنفس بسرعة ، وترتمي على الأرض دون إن تؤذي نفسها ، وتصحو بعد إن يرش علها بعض الماء والكولونيا وأحياناً تعطى إبرة مهدئة ، ومن الحالات النادرة في الهستيريا حالة فقدان الذاكرة الهستيري ، وهذه تحدث عادة نتيجة التعرض لموقف مؤلم جداً كأن يذبح الرجل زوجته وأطفاله ثم يفقد الذاكرة لما فعل وهذا طبعاً لا يعفيه من العقوبة . وهناك حالات من الشرود الهستيري ، إذ تهيم المريضة على وجهها وقد تغادر مدينتها إلى مدينه أخرى لا تعرف فيها أحد ، ومن الأحوال النادرة جداً في الهستيريا تعدد الشخصيات .
التصنيف الحديث للإضطرابات النفسية لا تجد كلمة هستيريا فقد استبدلت بالإضطرابات التحويلية لما عرفت بالهستيريا ذات الأعراض الجسدية أو الإضطرابات التفارقيه لما عرفت بالهستيريا ذات الأعراض النفسية . وهذا الإضطراب أكثر إنتشاراً في الدول النامية ويقل مع إزدياد تطور المجتمعات إذ إن التعبير عن المعاناة يصبح له أساليب أخرى مثلما يحدث الأن في الغرب ، بأخذ جرعات دوائية زائدة عند التعرض لأي موقف للدخول للمستشفيات والحصول على المساعدة الطبية والنفسية والإجتماعية والمكتسبات الثانوية والأسرية .
إن الشخصية الهستيرية معرضة أكثر من غيرها لهذا الإضطراب ، وهذه الشخصية عادة لا تكون علاقات عميقة مع أحد ، متقلبة في العواطف والعلاقات ، تحب لفت الإنتباه ، وتميل للمبالغة في وصف الأحداث وترغب بإعطاء طابع لا أخلاقي لأي تصرف أو علاقة مع رجل ، ويكون هذا بعيد عن الواقع ، تميل صاحبة هذه الشخصية ، للألوان الفاقعة حتى لو لم تكن مناسبة للسن والظروف ، وتستطيع بدء علاقات كثيرة ولكن لا تستمر فيها ، والشخصيات المتطرفة في الإتجاه الهستيري سريعاً ما تنهار عندما تتعرض لمواقف صعبه ، وبالتأكيد فهي تعاني من تصرفاتها كما يعاني من حولها .
إن الهستيريا تلعب دوراً مهماً في الدعاية للمشعوذين ، إذ أن معظم أعارضها مخيفه ظاهرياً ولكنها مؤقتة وتزول بالإيحاء ، أو الأمر أو الضرب أحياناً و بإعطاء علاجات معينه ، وبحل الصراع الذي بدأ الحالة أصلاً ، وهذا بمقدور الكثير من المشعوذين ، مما يجعل لهم سمعه ودعاية بين الناس قد تتعدى حدود الدولة للدول المجاورة ، فإذا كان العمى هستيري ، وفقدت الفتاه اليافعة بصرها ، ووصلت للطبيب المختص وطمأن الأهل أن هذا شيء مؤقت وسيزول ، فلا يقتنع الأهل وينطلقوا بحثاً عن حل سريع وفعال ، فيبدأ احد المشعوذين بضربها حتى تستعيد نظرها وفي نفس الساعة ، ويحصل هو على خروف سمين هديه لما قام به من إنجاز ويذيع صيته .
إن معالجة هذا الإضطراب تكمن في الرجوع تدريجياً إلى الصراع الداخلي والتعامل معه بالإضافة إلى التخلص من الأعراض التي ظهرت ويكون العلاج النفسي على الأغلب هو الملائم لمعظم الحالات وقد تقترن الهستيريا مع إضطرابات القلق والإكتئاب وتتطلب معالجة لهذه الإضطرابات أيضاً ، وفي كل الأحوال فإن هذا الإضطراب عادة ما يكون قصير وعابر ويمكن إن يسوء الحال إذا كان التعامل معه يقوم على مكافأة السلوك بدلاً من علاجه وهذا يؤدي إلى إحتمال التكرار بشكل يعيق حياة المريض .
د. وليد سرحان
تعليقات
إرسال تعليق