قال تعالى: فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون: 116].
وقوله: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الانفطار: 6].
قال ابن جرير: ("كريم" ومن كرمه إفضاله على من يكفر نعمه، ويجعلها وصلة يتوصل بها إلى معاصيه) ((التفسير)) (19/104). .
وقال الحليمي: ("الكريم" ومعناه: النفاع، من قولهم: شاة كريمة، إذا كانت غزيرة اللبن تدر على الحالب، ولا تقلص بأخلافها، ولا تحبس لبنها).
ولا شك في كثرة المنافع التي منَّ الله تعالى بها على عباده، ابتداء منه وتفضلاً، فهو باسم الكريم أحق من كل كريم ((المنهاج)) (1/201)، وذكره ضمن الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه، وكذا البيهقي في ((الأسماء)) (ص: 73). .
وقال القرطبي بعد أن ذكر أن الكريم له ثلاثة أوجه هي: الجواد والصفوح والعزيز: (وهذه الأوجه الثلاثة يجوز وصف الله عز وجل بها، فعلى أنه جواد كثير الخير، صفوح لابد من متعلق يصفح عنه وينعم عليه.
وإذا كان بمعنى العزيز كان غير مقتض مفعولاً في أحد وجوهه.
فهذا الاسم متردد بين أن يكون من أسماء الذات، وبين أن يكون من أسماء الأفعال.
والله جل وعز لم يزل كريماً ولا يزال، ووصفه بأنه كريم هو بمعنى نفي النقائص عنه، ووصفه بجميع المحامد، وعلى هذا الوصف يكون من أسماء الذات، إذ ذلك راجع إلى شرفه في ذاته وجلالة صفاته.
وإذا كان فعلياً كان معنى كرمه ما يصدر عنه من الإفضال والإنعام على خلقه.
وإن أردت التفرقة بين (الأكرم) و(الكريم)، جعلت الأكرم الوصف الذاتي، والكريم الوصف الفعلي) ((الكتاب الأسنى)) (ورقة 268ب – 269أ). اهـ.
وقد حكى ابن العربي رحمه الله في معنى (الكريم) ستة عشر قولاً، نوردها باختصار:
الأول: الذي يعطي لا لعوض.
الثاني: الذي يعطي بغير سبب.
الثالث: الذي لا يحتاج إلى الوسيلة.
الرابع: الذي لا يبالي من أعطى ولا من يحسن، كان مؤمناً أو كافراً، مقراً أو جاحداً.
الخامس: الذي يستبشر بقبول عطائه ويسر به.
السادس: الذي يعطي ويثني، كما فعل بأوليائه حبب إليهم الإيمان وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ثم قال: أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحجرات: 7-8].
ويحكى أن الجنيد سمع رجلاً يقرأ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ [ص: 44]، فقال: سبحان الله! أعطى وأثنى، المعنى: أنه الذي وهب الصبر وأعطاه، ثم مدحه به وأثنى.
السابع: أنه الذي يعم عطاؤه المحتاجين وغيرهم.
الثامن: أنه الذي يعطي من يلومه.
التاسع: أنه الذي يعطي قبل السؤال، قال الله العظيم: وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا [إبراهيم: 34].
العاشر: الذي يعطي بالتعرض.
الحادي عشر: أنه الذي إذا قدر عفى.
الثاني عشر: أنه الذي إذا وعد وفى.
الثالث عشر: أنه الذي ترفع إليه كل حاجة صغيرة كانت أو كبيرة.
الرابع عشر: أنه الذي لا يضيع من توسل إليه ولا يترك من التجأ إليه.
الخامس عشر: أنه الذي لا يعاتب.
السادس عشر: أنه الذي لا يعاقب) اهـ ((الكتاب الأسنى)) (ورقة 269أ – 270ب).
أما (الأكرم)، فقال الخطابي: (هو أكرم الأكرمين، لا يوازيه كريم، ولا يعادله نظير، وقد يكون (الأكرم) بمعنى: الكريم، كما جاء: الأعز والأطول، بمعنى العزيز والطويل) ((شأن الدعاء)) (ص: 103-104)، ونقله البيهقي في ((الأسماء)) (ص: 75).
قال القرطبي: (إن "الأكرم" الوصف الذاتي و"الكريم" الوصف الفعلي وهما مشتقان من الكرم، وإن اختلفا في الصيغة) ((الكتاب الأسنى)) (ورقة 275أ). .
تعليقات
إرسال تعليق