قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جواد يحب الجود، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها...)) <br/> رواه الترمذي (2799)، والدورقي في ((مسند سعد)) (1/71) (31)، وابن أبي الدنيا في ((مكارم الأخلاق)) (8)، والبزار (3/320) (1114)، وأبو يعلى في ((المسند)) (2/121) (790)، والدولابي في ((الكنى والأسماء)) (2/684)، وابن حبان في ((الضعفاء والمجروحين)) (1/279) (296)، والخطيب في ((الجامع)) (2/478) بألفاظ وأسانيد مختلفة، وإسنادُ كلِّ واحد منهم لا يخلو من مقال. والحديث حسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (1748) وصحح الألباني الشاهد منه كما في ((ضعيف سنن الترمذي)) (ص: 332). .
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – في نونيته:
(وهو الجواد فجوده عم الوجود
جميعه بالفضل والإحسان
وهو الجواد فلا يخيب سائلاً
ولو أنه من أمة الكفران) ((نونية ابن القيم)) الأبيات (3293-3294).
وتحدث – رحمه الله تعالى- عن آثار جوده سبحانه فقال: (إن الرب: هو القادر الخالق البارئ المصور؛ الحي القيوم؛ العليم السميع البصير؛ المحسن المنعم (الجواد)؛ المعطي المانع؛ الضار النافع؛ المقدم المؤخر الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء؛ ويسعد من يشاء ويشقي من يشاء؛ ويعز من يشاء ويذل من يشاء؛ إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى) ((بدائع الفوائد)) (2/212). .
كما قرر – رحمه الله تعالى- معنى هذا الاسم؛ وبين أن الله تعالى هو الجواد لذاته بقوله: (إنه يحب الإحسان والجود والعطاء والبر، وإن الفضل كله بيده؛ والخير كله منه؛ والجود كله له. وأحب ما إليه: أن يجود على عباده ويوسعهم فضلاً، ويغمرهم إحساناً وجوداً، ويتم عليهم نعمته، ويضاعف لديهم منته، ويتعرف إليهم بأوصافه وأسمائه، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه، فهو الجواد لذاته، وجود كل جواد خلقه الله، ويخلقه أبداً أقل من ذرة بالقياس إلى جوده. فليس الجواد على الإطلاق إلا هو، وجود كل جواد فمن جوده. ومحبته للجود والإعطاء والإحسان، والبر والإنعام والإفضال فوق ما يخطر ببال الخلق، أو يدور في أوهامهم.
... ولو أن أهل سماواته وأرضه، وأول خلقه وآخرهم، وإنسهم وجنهم، ورطبهم ويابسهم قاموا في صعيد واحد فسألوه فأعطى كل واحد ما سأله: ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة.
وهو الجواد لذاته، كما أنه الحي لذاته، العليم لذاته، السميع البصير لذاته. فجوده العالي من لوازم ذاته، والعفو أحب إليه من الانتقام، والرحمة أحب إليه من العقوبة، والفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع.
فإذا تعرض عبده ومحبوبه الذي خلقه لنفسه، وأعد له أنواع كرامته، وفضله على غيره، وجعله محل معرفته، وأنزل إليه كتابه، وأرسل إليه رسوله واعتنى بأمره ولم يهمله، ولم يتركه سدى؛ فتعرض لغضبه، وارتكب مساخطه وما يكرهه وأبق منه، ووالى عدوه وظاهره عليه، وتحيز إليه، وقطع طريق نعمه وإحسانه إليه التي هي أحب شيء إليه، وفتح طريق العقوبة والغضب والانتقام، فقد استدعى من الجواد الكريم خلاف ما هو موصوف به من الجود، والإحسان، والبر، وتعرض لإغضابه وإسخاطه وانتقامه، وأن يصير غضبه وسخطه في موضع رضاه، وانتقامه وعقوبته في موضع كرمه وبره وعطائه. فاستدعى بمعصيته من أفعاله ما سواه أحب إليه منه، وخلاف ما هو من لوازم ذاته من الجود والإحسان) ((مدارج السالكين)) (1/212، 213). .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: (الجواد: يعني أنه تعالى الجواد المطلق الذي عم بجوده جميع الكائنات، وملأها من فضله، وكرمه، ونعمه المتنوعة، وخص بجوده السائلين بلسان المقال أو لسان الحال من بر، وفاجر، ومسلم، وكافر، فمن سأل الله أعطاه سؤاله، وأناله ما طلب، فإنه البر الرحيم: وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [النحل: 53].
ومن جوده الواسع ما أعده لأوليائه في دار النعيم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) ((الحق الواضح المبين)) (ص: 66-67). .
وقال أيضاً: (والجواد الذي عم بجوده أهل السماء، والأرض فما بالعباد من نعمة فمنه وهو الذي إذا مسهم الضر فإليه يرجعون، وبه يتضرعون، فلا يخلو مخلوق من إحسانه طرفة عين، ولكن يتفاوت العباد في إفاضة الجود عليهم بحسب ما من الله به عليهم من الأسباب المقتضية لجوده، وكرمه، وأعظمها تكميل عبودية الله الظاهرة، والباطنة العلمية، والعملية القولية، والفعلية، والمالية، وتحقيقها باتباع محمد صلى الله عليه وسلم بالحركات والسكنات)
تعليقات
إرسال تعليق