أما الـذين بـلا أعناق: الفيل والثعبان ومعظم رؤساء الوزارات الحاليين ونقـاد الأدب ولاعبـو الميسر وحمالو الحقائب وصـانعـو التمائم والأحجبة والرجل الثاني في أي موقع.
قد يعجبك ايضا
لكن بعض المخلـوقات تتصف بعنق خاص: كالسلاحف في عدم اتساق العنق مع حجم الجسـد، وكـالضبع الـذي تبرز من أعلى عنقه عظمتان تحولان دون تحريك الرأس إلى الجانبين بمرونـة كافية - حتى أنـه يحرك جسـده كله، وكالشاعر الحديث الذي ضمرت حنجرته ومعها رقبته بعد اندثار عصر الخطـابة المفعـم بالشعـر التقليدي الفخيم، وكـالمغنيات المحـدثات (عـدا وردة) الـلاتي تقلصت حنـاجـرهن لعـدم الاستعمال، وعنـد الـوشـاة والخباصين المضغوطة رءوسهم احتراما وامتثـالا لذوي الشأن، وعنـد لحادي المقـابر وحـراس المعابد من كثرة الوجل والهرع إلى الخلف خـوفـا من الأشبـاح والمخلـوقـات الغـامضة، وعند ضـاربي الودع ومدمني الإمعـان طـويلا في الرمل، وعنـد الـذين يحملون حـاجيات المهراجا فـوق رءوسهم ويسيرون خلف أفيـاله في الطقوس الهندية، وعند الزهور حيث يتسـم عنقهـا بجمال رفيع خاص وأخـاذ يكاد يلقي بأشعار الفتنة مع إيقاع النسيم، وفي القلة - القناوية الفخارية - حيث لايزال عنقهـا يـؤدي المهمـة الأصليـة للعنق: أن تلتف حـوله أصـابع العطشـان أو المشنقة، وهـو مـا انسحب بعـد ذلك على المصطلح الاستراتيجي: عنق الـزجـاجـة، حيث يمكـن التحكم في بـاقي تكـوينات الوطن عند الإمساك المتقن بهذا الحيز الضئيل: العنق، ولكل وطن عنقه الخاص.
ويطلق الجيد - اسحب الجيم جرا حتى تصطدم بالدال - على عنق أنثى الإنسان بالتحديد، وليست كل أنثى، فلا جيد للزرافة أو الناقة أو الزوجة الأم أو الجدة أو المرأة أو الغراب، لكل ذلك رقبة، تلك التي تختصر التعريف كله لبعض المخلوقات، لتصبح الرقبة تعني العبد مباشرة، وهو ما جاء في القرآن الكريم: فك رقبة في ومنه جاء تحرير الرقاب، ونحن الرقاب المعاصرون.
مجلة العربي
تعليقات
إرسال تعليق