ورد في أخبار المتصوفة العرب القدماء أن إبراهيم بن أدهم، وكان أميرًا مقبلاً على ملذات هذه الفانية، سمع ذات يوم وهو يمتطي حصانه في الصحراء، هاتفًا ناداه:
«يا إبراهيم! ما لهذا خُلقت، ولا بهذا أمرت»!
فمن ساعتها ترك كل الملذات التي كان منصرفًا إليها، ولبس المرقّعة، واعتزل الناس.
إلا أن المهم في حكاية إبراهيم بن فاتك هو صوت الهاتف الذي زلزل قلبه ووجدانه: أنه لم يُخلق لهذا الذي كان منصرفًا إليه، ولا أمر به. فكأن على طالب الأدب أن يُنصت أولاً إلى داخله، أي أن يتفحص أوراقه «الثبوتية»، المركوزة أصلاً في جبلته، ليعرف على سبيل اليقين، ما خُلق له وما أُمر به. فإذا لم يلتفت إلى «نقطة النظام» هذه، قطع الحياة الأدبية بغلّةٍ لم تُنقع، على حدّ تعبير الشاعر القديم.
ثمة بذرة أساسية واجبة الوجود في الكينونة ليستوي المرء شاعرًا أو مبدعًا، فإذا لم تتوافر هذه البذرة، فعبثًا يتعــب المرء ليكون هذا الشاعر أو المبدع.
ولكن على الرغم من أهمية هذه البذرة التي نسمّيها بالموهبة، فإنها غير كافية وحدها في صناعة الشاعر أو المبدع. فلا بد من أن يعبّ المرء من دنان الثقافة بلا حدود، وأن يظل يطلب المزيد نظرًا لأهمية الثقافة ومعها التجربة والروية.
ومن دون هذا الثلاثي مجتمعًا تضيع الموهبة سدى، ولا يمكن أن تعوّض عنها لا «التقدمية» ولا «موضوعات الساعة الملحّة»
تعليقات
إرسال تعليق