تمثل قدرة الجراثيم المتزايدة على مقاومة المضادات الحيوية (Antibiotics) أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الطب الحديث. لقد مثل اكتشاف المضادات الحيوية في المنتصف الأول من القرن الماضي نقلة هائلة في تطور العلاج والقضاء على العديد من الأمراض الجرثومية، إلا أن زيادة المقاومة للمضادات الحيوية دعت العديد من المنظمات والهيئات الصحية الدولية إلى إطلاق التحذيرات عن قرب نهاية حقبة المضادات الحيوية.
طورت العديد من سلاسل الجراثيم قدراتها على مقاومة المضادات الحيوية نتيجة الاستعمال غير الصحيح والمفرط لهذه المضادات من قبل الإنسان، مما أدى إلى ظهور ما يسمى الجرثومة الخارقة (Superbug) أو الجراثيم المقاومة للعديد من المضادات الحيوية (Multidrug Resistant (Mdr) Microorganism)، والتي يصعب في الكثير من الأحيان علاجها بالطرق التقليدية باستعمال المضادات الحيوية المستعملة بشكل اعتيادي، مما يؤدي إلى الحاجة إلى مضادات حيوية أقوى، مسببا ظهور الآثار الجانبية وزيادة فترة العلاج والتكلفة العلاجية، وفي بعض الأحيان يؤدي إلى فشل العلاج وعدم القدرة على السيطرة على الجراثيم.
القديم والحديث
إن الخوف من تطور مقاومة المضادات الحيوية هو ليس بالأمر الحديث، بل هو قديم مع بدء عصر استعمال المضادات الحيوية، حيث أشار الاكسندر فيلمنك، الحائز على جائزة نوبل لاكتشافه البنسلين، والذي كان فاتحة ثورة المضادات الحيوية، إلى وجود خطر حقيقي عند استعمال المضاد الحيوي من قبل شخص لا يعرف طريقة استعماله الصحيحة. ومثل هذا التحذير الذي جاء بعد أربع سنوات فقط من انتشار استعمال المضادات الحيوية كناقوس خطر، ولكن لم يأخذ هذا التحذير محمل الجد، مما أدى إلى تقليل قدرات العديد من المضادات الحيوية في القضاء على الجراثيم، نتيجة تطور مقاومة المضادات الحيوية.
تشير العديد من الإحصاءات والدراسات إلى تطور هذه المقاومة بشكل سريع جدا، مما ينذر بكارثة حقيقية، فعلى سبيل المثال وجدت في العام 1947 أولى مقاومة للبنسلين من قبل بكتيريا ستافيلوكوكس أيرس، التي تعيش بشكل طبيعي على الجلد والأغشية المخاطية، على الرغم من كونه لم يطرح للاستعمال بشكل عام إلا بعد الحرب العالمية الثانية في العام 1945. وفي العام 1959، تم اكتشاف دواء ميثيسلين (Methicillin) القادر على تجاوز هذه المشكلة، ولكن خلال سنتين سجلت مقاومة من قبل البكتيريا المذكورة لهذا المضاد في بريطانيا، وتحولت خلال العقود التالية إلى حالة شائعة الانتشار في المستشفيات البريطانية، وأحد المسببات الرئيسية للوفيات نتيجة تسمم الدم الجرثومي بنسبة 37 في المائة، ومن ثم استعمل دواء فانكومايسين (Vancomycin)، وظل لسنوات العلاج الفعال للقضاء على هذا النوع من البكتيريا المقاومة، ولكن ومع استمرار الاستعمال غير الرشيد للمضاد الحيوي، ظهرت العديد من السلاسل البكتيرية المقاومة للعقار الأخير. وفي العام 1990 تم إنتاج دواء لينزولايد (Linezolid) القادر على القضاء على هذا النوع من البكتيريا، ولكن في العام 2003 سجلت حالات مقاومة لهذا المضاد الحيوي. وهكذا نرى أن ظهور أغلب السلاسل المقاومة للمضادات الحيوية يكون خلال عقود قليلة من الزمن.
وخلال العقدين الأخيرين، أطلقت أغلب المؤسسات والمنظمات الصحية المحلية والعالمية تحذيرات من زيادة مقاومة المضادات الحيوية، وظهور سلالات بكتيرية مقاومة. فلا يخلو تقرير يتعلق بالمضادات الحيوية صادر عن منظمة الصحة العالمية، أو المركز الأمريكي للسيطرة ومنع الأمراض المعدية، أو المركز الأوربي للسيطرة والوقاية من الأمراض، من الإشارة إلى زيادة ظهور سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية، علما بأن منظمة الصحة العالمية صنفت مقاومة المضادات الحيوية في العام 2009 بالمرتبة الثالثة من حيث تهديدها لمستقبل البشرية. كما أعلن العديد من الخبراء عدم جدوى إنتاج مضادات حيوية جديدة من دون استعمال رشيد للمضادات الحيوية المستعملة حاليا، لكون تطور المقاومة للمضادات الحيوية سيكون أسرع في المستقبل القريب.
خوف مستمر
إحدى أهم مشاكل تطور المقاومة للمضاد الحيوي هي تقليل الخيارات أمام استعمال الأنواع المعروفة من المضادات الحيوية لعلاج أمراض بكتيرية يمكن اعتبارها بسيطة بمفهوم الطب الحديث، وهذا أدى إلى جعل الأمراض سهلة العلاج سابقا أكثر خطورة، لقلة المضادات الحيوية الفعالة ضدها، كما أن ظهور بكتيريا قادرة على مقاومة العديد من المضادات الحيوية أدى إلى جعل العلاج أصعب وأكثر تكلفة، مجبرا الأطباء على اللجوء إلى مضادات حيوية أكثر فعالية، ولكنها ذات تأثيرات جانبية أكثر. يمثل تطور مقاومة المضادات الحيوية كابوسا حقيقيا على مستقبل البشرية إن استمر الوضع كما هو عليه، فالعديد من الإحصاءات والدراسات تشير إلى زيادة صعوبة علاج العديد من الأمراض الجرثومية في الوقت الحاضر، زيادة أعداد المصابين بجرثومة السل (Mycobacterium Tuberculosis) المقاومة للعديد من المضادات الحيوية فتمثل خطرا حقيقيا محدقا بالبشرية، حيث وصل العدد إلى 450 ألف حالة سنويا، يموت منهم ما يقارب 150 ألف مصاب، كما أن ظهور 12 حالة مصابة بنوع من جرثومة السل المقاوم لجميع أنواع المضادات الحيوية على مستوى العالم، يشير إلى حالة من الرعب الحقيقي في حال انتشار مثل هذه الجراثيم التي لا ينفع معها أي من المضادات الحيوية المعروفة.
كما مثلت زيادة المقاومة لبكتيريا سيدومونس أرجينوسا (Pseudomonas Aeruginosa) ناقوس خطر آخر، لكونها أدت إلى عشرات الآلاف من الوفيات.
الأسباب
هناك العديد من المسببات لظهور وتطور مقاومة المضادات الحيوية، وتتعدد الأسباب فمنها ما يتعلق بسلوك الأفراد، ومنها ما يتعلق بمفهوم وطريقة تعامل المجتمع مع المضادات الحيوية، ومنها ما يكون على مستوى العالم أجمع. فعلى صعيد الأفراد، يمكن تلخيص الأسباب وراء زيادة مقاومة المضادات الحيوية إلى الاستعمال غير الرشيد المتمثل في الحالات التالية:
- فرط الاستعمال (Overdose): نتيجة تناول المضاد الحيوي بجرعات عالية أكثر مما هو مطلوب أو لمدة طويلة. وقد أشارت إحدى الدراسات التي جرت في أسكتلندا، من خلال مراجعة السجلات الطبية، إلى أن نسبة كبيرة من المرضى (55 في المائة) قد وصفت لهم المضادات الحيوية بمعدل 23 مرة خلال فترة طفولتهم من عمر 5 – 18 سنة.
- قلة الاستخدام (Underuse):
نتيجة التوقف عن إكمال فترة العلاج المطلوبة أو استخدام جرعات أقل من المطلوب. ويرتبط هذا الموضوع بشكل مباشر بالالتزام الدوائي لدى المرضى، حيث يعمد العديد من المرضى إلى ترك العلاج عند الشعور بالتحسن، أو قلة الالتزام بأخذ الدواء كلما طالت فترة العلاج. وتشير العديد من الأبحاث العلمية إلى أن التزام المرضى بتناول المضادات الحيوية يقل بشكل ملحوظ قد يصل إلى أكثر من 50 في المائة مع طول فترة العلاج.
- سوء الاستخدام (Abuse):
وهو أحد أكثر الأخطاء الشائعة والمتمثل باستخدام المضاد الحيوي لعلاج أمراض غير صحيحة مثل استخدام مضاد البكتيريا لعلاج أمراض فيروسية كالرشح والزكام، أو إعادة استخدام المضاد الحيوي مرة أخرى من دون استشارة الطبيب.
أما على صعيد سلوك المجتمع، فقد يعمد الكثير من المرضى، نتيجة تأثرهم بمعتقدات منتشرة في بيئتهم، إلى الطلب وبإصرار من الطبيب لوصف مضاد حيوي.
أما على صعيد العالم، فإن الاستخدام السيئ للمضادات الحيوية في الماشية والدواجن (بإضافتها إلى العلف) كوقاية ضد الجراثيم أو لأسباب أخرى تتعلق بتجنب إصابتها بالأمراض وبالتالي عدم التأثير في معدل نموها، قد يؤدي إلى تطور مقاومة المضادات الحيوية بشكل كبير، والتي تنتقل إلى الإنسان عن طريق تناول لحوم هذه الحيوانات أو الطيور أو منتجاتها الأخرى كالحليب والبيض.
كما أن التخلص من بقايا المضادات الحيوية من مصانع الأدوية والمخازن والصيدليات والمختبرات بشكل غير صحيح قد يؤدي إلى تطور مقاومة المضادات الحيوية. بالإضافة إلى أن الصناعة الدوائية غير الدقيقة أو التي تخلو من المواصفات المطلوبة للمضادات الحيوية كالنقص في كمية المادة الفعالة أو سوء نوعيتها، والتي تعاني منها العديد من الأنظمة الصحية في الدول الفقيرة نتيجة الغش الدوائي، قد تؤدي إلى ظهور أكثر لمقاومة المضادات الحيوية.
هجرة المقاومة
تمثل مقاومة المضادات الحيوية مشكلة حقيقية في العالم أجمع، سواء النامي منه أو المتطور. فتطور طرق السفر الذي سهل انتقال البشر بين الدول، مكن من انتقال العديد من البكتيريا المقاومة، من خلال المسافرين، من دول تقل فيها الرقابة على استعمال المضادات الحيوية إلى دول لا تنتشر فيها السلاسل البكتيرية المقاومة. فعلى سبيل المثال أصيب العديد من المرضى الذين سافروا للعلاج في الهند بأمراض جرثومية أثناء وجودهم بالهند، بسلاسل بكتيرية تمتلك مادة وراثية تسمى (New Delhi Metallo-betalactamase (Ndm-1، قادرة على مقاومة العديد من المضادات الحيوية، والتي انتقلت بشكل كبير إلى أوربا، حيث لا يوجد حاليا سوى مضادين حيويين قادرين على القضاء على السلاسل البكتيرية الحاملة لهذا النوع من المادة الوراثية، والتي يراقبها العديد من مراكز الأبحاث لما يمثله هذا الأمر من تهديد حقيقي.
كما أدى سفر العديد من المرضى الذين يحملون طفيلي الملاريا المقاوم أو مرض السل المقاوم للمضادات الحيوية إلى انتشار هذه الأمراض إلى دول عديدة مع صعوبة في علاجها. وكذلك تصدير منتجات حيوانية حاملة للبكتيريا المقاومة يمثل سببا مهما لانتشار هذه السلاسل المقاومة.
الآليات
تختلف آليات مقاومة المضادات الحيوية باختلاف السلاسل البكتيرية. ولكن دعنا في البدء نوجز آليات عمل المضادات الحيوية، فمنها ما يعمل على تحطيم أو إخلال عمل غشاء الخلية، ما يؤدي إلى عدم قدرة البكتيريا على التكاثر، ومنها ما يعمل على منع الخلية من تكوين البروتين الأساسي لتكاثر وانقسام البكتيريا، وقد تعمل أنواع أخرى على إحداث خلل في المادة الوراثية (Dna أو Rna) وبالتالي التأثير على انقسام الخلية خلال عملية التكاثر، وأخرى تعمل على التقليل من حصول البكتيريا على المواد الأساسية من محيطها وبالتالي موتها أو عدم قدرتها على الانقسام.
أما الآليات الخاصة التي طورتها العديد من السلاسل الجرثومية فتنوعت باختلاف السلسلة البكتيرية، وباختلاف نوع المضاد الحيوي. وقد طورت سلاسل بكتيرية عدة آليات مقاومة فتكون بذلك مقاومة للعديد من المضادات الحيوية. علما بأن مقاومة المضاد الحيوي يمكن أن تنتقل بشكل كبير وسريع بين السلاسل البكتيرية المختلفة. أولى هذه الآليات التي عرفت هي إفراز إنزيم محدد يمنع عمل المضاد الحيوي وبالتالي يفقده مفعوله. وتعتمد أنواع أخرى على تقليل نفوذ المضاد الحيوي إلى داخل الخلية البكتيرية وبالتالي عدم وصوله إلى هدفه وضياع تأثيره. وقد طورت البكتيريا قدرة على زيادة نفوذ المضاد الحيوية، وبالتالي لا يظهر تأثير المضاد الحيوي لعدم قدرته على التجمع بكميات كافية داخل الخلية البكتيرية.
التكلفة العلاجية
أشارت الكثير من الدراسات الطبية إلى العديد من الآثار السيئة لتطور مقاومة المضادات الحيوية، وأولها زيادة حالات الوفاة نتيجة عدم جدوى المضادات الحيوية بسبب مقاومة أنواع من الجراثيم. كما أدى ذلك إلى صعوبة العلاج، وزيادة فترته، والحاجة إلى استعمال مضادات حيوية أقوى، مترافقا بظهور أكثر للأعراض الجانبية، والحاجة إلى البقاء فترة أطول في المستشفى للعلاج، ما يؤدي إلى زيادة التكلفة العلاجية. كما أن ذلك سيؤدي إلى زيادة مراجعة الأطباء واستعمال كميات أكبر من الدواء وضياع أيام كثير يعاني خلالها المرضى من تأثير المرض.
وتعاني الأنظمة الصحية في العديد من دول العالم التي تفتقد إمكانيات مراقبة وتحديد المقاومة البكتيرية أكثر من عدم جدوى المضادات الحيوية، وبالتالي زيادة التكلفة العلاجية مع زيادة في عدد الوفيات. وقد يظهر ذلك جليًا مع سلاسل السل والملاريا المقاومة للمضادات الحيوية.
وسجلت العديد من الدراسات ظهور البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية لتأثيرها بشكل أكبر وأسوأ لدى الأطفال ومرضى الأمراض المناعية كالإيدز والسرطان والسكري والذين يتعالجون بأدوية مهبطة للمناعة مثل الكورتيزون، مما يؤدي إلى زيادة الوفيات نتيجة البكتيريا المقاومة.
القضاء على الأصدقاء
ساعدت البكتيريا المستوطنة في الأمعاء أو على الجلد بشكل طبيعي، والتي تسمى بالبكتيريا النافعة أو الصديقة على مقاومة الجراثيم بشكل كبير، مقدمة حماية للبشر لآلاف السنين سبقت اكتشاف المضادات الحيوية، ممثلة أحد الخطوط الدفاعية ضد الجراثيم، بالإضافة إلى أنها تلعب أدوارًا أخرى خاصة بالعملية الهضمية وإنتاج فيتامين هـ (Vitamin K).
إلا أن الاستعمال السيئ للمضادات الحيوية وتطور المقاومة ضدها من قبل أنواع من الجراثيم قد يشكل خطرا حقيقيا يتمثل في ظهور بكتيريا يمكنها القضاء على البكتيريا النافعة، من خلال تطوير طرق جديدة قادرة على القضاء على البكتيريا النافعة، بالإضافة إلى قتل وإضعاف هذه البكتيريا نتيجة الاستخدام السيئ للمضادات الحيوية، والذي لا يميز بين الأنواع البكتيرية، وتكاثر أنواع منافسة لها كالفطريات.
أخطار أخرى
لا توجد حاليا أي علاقة بين استعمال التلقيحات وتطور أنواع مقاومة لها، لاختلاف آلية عمل التلقيحات تختلف عن آلية عمل المضادات الحيوية، من خلال تنشيطها لعمل الجهاز المناعي، إلا أن هناك خوفا من قبل بعض العلماء من تطور ذلك في المستقبل إن بقي استعمال المضادات الحيوية بهذا الشكل، والذي قد يؤدي إلى طفرات جينية أكثر قد تنتقل إلى الأنواع التي يقدر التلقيح في منعها، مما يفقد التلقيحات مفعولها، أو قد يؤدي الاستعمال السيئ إلى إحداث خلل في جهاز المناعة، مفقدا التلقيحات مفعولها.
من ناحية أخرى أشارت العديد من الأبحاث إلى ظهور سلاسل من البكتيريا مقاومة للمطهرات والمواد المعقمة المستخدمة في العمليات الجراحية وفي تعقيم المستشفيات، والتي قد تمثل في المستقبل مشكلة حقيقية على المرضى المقيمين في المستشفيات.
وفي موضوع آخر، فإن العديد من الدراسات أشارت إلى أن إيقاف استعمال الدواء لا يعني اختفاء المقاومة لهذا النوع من المضادات الحيوية، إن أعيد استعمال الدواء مرة أخرى بعد سنين. حيث إن انتقال المقاومة لهذا المضاد بين السلاسل البكتيرية يستمر إلى فترة طويلة جدا، وقد ينتقل إلى سلاسل بكتيرية لم يسبق لها التعرض للمضاد الحيوي المقاوم.
من جهة أخرى، فإن قلة استثمار شركات الأدوية حاليا في البحث والتطوير للمضادات الحيوية الجديدة قد يمثل مشكلة مستقبلية، لأن العائد المادي من المضادات الحيوية أقل بكثير من أدوية أخرى. مما دفع العديد من الشركات إلى عدم الاستثمار في هذا المجال، وبالتالي إنتاج أنواع قليلة من المضادات الحيوية في السنوات الأخيرة، أقل بكثير مما كان ينتج في العقود الماضية، على الرغم من المضادات الحيوية الموجودة في المختبرات أكثر مما هو مستخدم حاليا في العلاج، فإن البحث عن أنواع جديدة من المضادات الحيوية في العقود القادمة سيكون قليلاً جدا مقارنة مع العقود الماضية. كما أن العديد من المضادات الحيوية الجديدة تظهر والمقاومة الجرثومية موجودة لها سلفا، ما يعني نقص الفائدة من استعمال هذه المضادات منذ البداية.
نظرة مستقبلية
يمثل الوعي العالمي بهذه المشكلة أمرا مهما جدا في محاولة لتقليل مقاومة للمضادات الحيوية. فعلى الرغم من الاستعمال العشوائي الكبير المستمر للمضادات الحيوية، فإن ذلك يقابله تطور آخر متمثل في وجود وعي متزايد على جميع الأصعدة، متمثل في معرفة الأفراد لمضار الاستعمال السيئ للمضادات الحيوية، والذي سيؤدي إلى ظهور مقاومة ضدها. كما أن العديد من دول العالم شرّعت قوانين نظمت صرف المضادات الحيوية، بالإضافة إلى مراقبة المستشفيات بشكل دائم لاكتشاف الأنواع المقاومة للمضادات الحيوية، وبالتالي منع انتشارها. كذلك وجود قوانين منعت استعمال المضادات الحيوية في وقاية الحيوانات قد ساهم في منع انتشار هذه البكتيريا المقاومة.
العديد من المختبرات والأبحاث المتعلقة بتطوير وصناعة الأدوية تشير إلى أن ما يوجد من المضادات الحيوية قيد البحث والتطوير هو أكثر مما هو مستخدم حاليا في العلاج. إلا أن عدم الاستعمال الرشيد لهذه المضادات قد يؤدي إلى تقليل فرص استمرار النجاح في العلاج بالمضادات الحيوية.
كما أن الكثير من التطورات في مجال الجينات قد يعطي نظرة تفاؤل في إمكانية الوصول إلى معرفة أسرار مقاومة البكتيريا وتطورها، وبالتالي إعطاء فكرة عن كيفية منع هذه المقاومة.
وفي الختام فإن مشكلة مقاومة المضادات الحيوية هي مشكلة حقيقية لا يمكن التغاضي عنها، لأن تطورها قد يعني العودة إلى ما قبل زمن الطب الحديث المعتمد على المضادات الحيوية، وبالتالي خسارة ركيزة من أهم ركائز التطور الطبي الذي وصلت إليه الإنسانية. الحل الحالي في أيدينا هو نشر الوعي بأهمية الاستعمال الصحيح لهذه المضادات، والاعتماد على رأي الأطباء بشكل كامل في صرف المضادات الحيوية، مع تعاون كامل من جميع الفريق الطبي في عدم صرف المضادات الحيوية إلا من خلال أنظمة محددة. كما أن دور المنظمات الدولية مهم جدا في تقديم الدعم للدول النامية، والتي يمكن أن تتطور فيها مثل هذه المقاومة بشكل كبير نتيجة الاستعمال العشوائي الذي يترتب عليه انتشار مقاومة المضادات الحيوية.
مجلة العربي
تعليقات
إرسال تعليق