تختلف نظم وقوانين قيادة السيارات في العالم، من حيث اتجاه السير على الطريق، من دولة إلى أخرى، ففي حين تسير السيارات في معظم الدول في الاتجاه الأيمن من الطريق، وبالتالي تكون عجلة القيادة ناحية اليسار، تلزم دول أخرى قائدي السيارات بالسير في اتجاه اليسار، وبالتالي تكون عجلة القيادة في ناحية اليمين.
وترجع أهمية رصد هذا الاختلاف في أن اتجاه السير على الطريق يترتب عليه تغيير اللوائح المرورية من دولة إلى أخرى، حيث تتطلب كل حركة مرور الحفاظ على خط محدد للسير، إما إلى جهة اليسار أو اليمين من الطريق، وهذا أمر أساسي لتدفق حركة المرور التي يشار إليها أحيانا باعتبارها حكما على الطريق، بالإضافة إلى التقليل من حجم الصدامات وحوادث الطرق.
كما يترتب على هذا الخلاف أيضا اختلاف المعايير الدولية في صناعة السيارات، حيث يوجد نوعان من السيارات، ذات المقود الأيمن وذات المقود الأيسر. (جعل عجلة القيادة على اليمين بينما تأخذ الجانب الأيمن من الطريق سيتسبب في مشكلة).
وحاليا يوجد نحو 66% من سكان العالم يعيشون في بلدان تسير جهة اليمين، أبرزها الصين والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا والبرازيل وجميع الدول العربية. بينما 34% فقط في البلدان جهة اليسار، أبرزها بريطانيا والهند وإندونيسيا واليابان وتنزانيا وأستراليا ونيوزيلندا.
ووفقا للكثير من الروايات فإن هذا الخلاف له جذور تاريخية ترجع إلى ما قبل صناعة السيارات. وتتلخص في أن معظم الناس كانوا يسيرون في الجهة اليسرى من الطريق، خاصة في المجتمعات الإقطاعية العنيفة التي تكثر بها نسبة الجرائم وقطاع الطرق. وترجع الفلسفة في ذلك إلى أن أغلب الناس يستخدمون يدهم اليمنى، وبالتالي كان من الضروري السير على الجهة اليسرى لكي يمسكوا أسلحتهم بأيديهم اليمنى، في حين يكون الخصم قادما من الجهة المقابلة، بالتالي تكون المنازلة بالسلاح أسرع والاستعداد على أتمه.
السبب الآخر لجعل القيادة ناحية اليسار هو أن الفارس عندما كان يريد أن يمتطي جواده فإنه يفعل ذلك من جهة اليسار، نظرا لأن سيفه يكون على الجهة اليسرى من الخصر، وبالتالي من الصعب امتطاء الجواد من جهة اليمين، وبالتالي أيضا فإن عملية الترجل من الحصان يجب أيضا أن تكون من الجهة اليسرى.
واستمر هذا الوضع في أوروبا ومعظم أنحاء العالم، إلى أن تغير تدريجيا في أواخر القرن الثامن عشر (1700 ـ 1799)، لعدة عوامل، أبرزها: قيام قائدي عربات الشحن الزراعية في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية بقيادة عربات تجرها الخيول، ولم يكن هناك مقعد للسائق على العربة نفسها، بل كان السائق يركب آخر حصان على الجهة اليسرى من العربة لكي يستخدم يده اليمنى في ضرب الخيول لكي تزيد من سرعتها، وبما أن الجميع يركب على اليسار، أصبح من الضروري أن يلتزم بالجهة اليمنى من الطريق لكي يستطيع رؤية العربات المقبلة وحتى لا تحجبها الخيول.
بالإضافة إلى أن الثورة الفرنسية كانت من أهم أسباب تغيير وتقنين القيادة جهة اليمين، فبينما كان الارستقراطيون يسيرون على الجانب الأيسر من الطريق وبالتالي يجبرون الطبقة الكادحة على السير على اليمين للترفع عنهم، أجبرت الثورة هؤلاء على مساندة الطبقة الكادحة والسير معهم ومنع السير على الجهة اليسرى من الطريق، وبعد ذلك بخمس سنوات صدر قانون المرور الفرنسي واعتمد الجهة اليمنى رسميا.
بعد ذلك بفترة، قام نابليون باحتلال الكثير من الدول الأوروبية (هولندا، بلجيكا، ألمانيا، بولندا، سويسرا، وأجزاء من إسبانيا والبرتغال)، وكان يفرض عليها القوانين الفرنسية ومنها الالتزام بالسير في الجهة اليمنى من الطريق.
ومن هنا، اتخذت القيادة على الاتجاه الأيمن صفة العالمية، غير أن بريطانيا العظمى قاومت هذه الاتجاه، وكانت أول إشارة قانونية لأجل أن تبقى حركة المرور على اليسار في عام 1756، ثم صدر قانون الطرق السريعة عام 1773 يتضمن توصية بأن حركة الحصان يجب أن تبقى على اليسار، وصدر قانون رسمي عام 1835 يلزم القيادة بالجهة اليسرى، وطبقت هذا القانون على جميع مستعمراتها في أنحاء العالم. وحتى الآن توجه نصيحة مباشرة لزائري بريطانيا بأنه «على الزائر إدراك أن سير المركبات داخل المملكة المتحدة يكون على الجانب الأيسر من الطريق».
وقد قام الإنجليز أثناء استعمارهم للولايات المتحدة بفرض عاداتهم في القيادة على اليسار، لكن ما إن تحررت الولايات المتحدة من الاستعمار الإنجليزي، حتى تحرر الأميركيون من كل ما فرضه الإنجليز، وكان للمهاجرين من بقية الدول الأوروبية الأثر في تغيير نظام القيادة من الجهة اليمنى إلى اليسار، حيث صدرت قوانين رسمية في ولايات بنسلفانيا عام 1793 ونيويورك عام 1804 ونيوجيرسي عام 1813 بجعل القيادة جهة اليمين.
وعلى الرغم من التطورات التي حدثت في الولايات المتحدة فإن بعض المقاطعات الكندية كانت تعتمد النظام الإنجليزي في القيادة على اليسار، حتى أصدرت الحكومة الفيدرالية نظاما بتوحيد نظام القيادة وجعله على اليمين ليتوافق مع الولايات المتحدة وباقي المقاطعات الكندية.
وفي بداية القرن العشرين أصدرت معظم الدول الأوروبية مثل إسبانيا والبرتغال وإيطاليا قوانين رسمية بجعل القيادة على الجهة اليمنى من الطرق، لكي تتماشى مع باقي الدول المجاورة، إلى أن أصبح الأمر الآن أنه لا توجد سوى أربع دول أوروبية فقط تعتمد القيادة على اليسار، وهي: بريطانيا واسكوتلندا وقبرص ومالطا.
آسيويا، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وبروز الولايات المتحدة كقوى كبرى، حيث كانت السيارات الأميركية تستحوذ على نصيب الأكبر من السوق العالمية وكانت هذه السيارات مصممة للقيادة على الجهة اليمنى بالطريق، اضطرت كوريا والصين عام 1946 إلى اعتماد النظام الأميركي.
لكنه وعلى الرغم من أن اليابان لم تكن مستعمرة بريطانية، فإن القيادة فيها كانت ولا تزال على اليسار، ويعود السبب في ذلك إلى القرن التاسع عشر حينما كانت اليابان بحاجة إلى بناء شبكة سكة حديد، ونظرا لافتقاد اليابانيين الخبرة في هذا المجال، اضطر اليابانيون إلى الاستعانة بالبريطانيين لبناء الشبكة الحديدية، وقام البريطانيون بجعل هذه الشبكة من الجهة اليسرى من الطريق، حيث القطار المقابل يكون قادما من اليمين، واستمرت هذه الحالة لمدة 50 سنة، إلى أن صدر قانون رسمي بالقيادة على اليسار عام 1924.
أما في إندونيسيا فعندما وصل الهولنديون إليها لاستعمارها عام 1596، قاموا بفرض قانونهم وعادتهم بأن تكون القيادة بالجهة اليسرى من الطريق (قبل أن تغير هولندا وتقرر القيادة جهة اليمين)، وبقيت إندونيسيا على هذه الحالة حتى يومنا، بينما غير الهولنديون اتجاه السير.
وفي باكستان كان النظام الإنجليزي بالقيادة على الجهة اليسرى من الطريق هو السائد، إلى أن قررت الحكومة الباكستانية في فترة الستينات من القرن العشرين تغيير نظامها إلى النظام العالمي الجديد وهو القيادة على اليمين، غير أنها تراجعت عن قرارها لسبب غريب، وهو أن قوافل الجمال كانت تسير في الجهة اليمنى، وتغيير هذا النظام يعني أن الجمال ستعاكس السير ومن الصعب تعليمها على النظام الجديد، بالتالي استمرت باكستان بالقيادة على اليسار والتخلي عن النظام العالمي.
واستمر هذا التحول التدريجي في جميع أنحاء العالم من القيادة على اليسار إلى اليمين، على مدى القرن العشرين، فكانت البرتغال عام 1928، وإيطاليا عام 1920. وبنما والأرجنتين تغيرت في عام 1943 و1945 على التوالي، والسويد عام 1967 وأيسلندا عام 1968.
كما تغيرت الكثير من المستعمرات البريطانية السابقة في أفريقيا، مثل جامبيا وسيراليون ونيجيريا وغانا، من القيادة على اليسار إلى اليمين، لأنهم جميعا لهم حدود مشتركة مع المستعمرات الفرنسية السابقة التي تتبع نظام القيادة على اليمين.
ويرجع السبب في هذا التحول إلى اليمين لضمان كل دولة تطابقها مع جيرانها، كما أنه يزيد من سلامة حركة المرور عبر الحدود، وهو ما أدى إلى تعالي الأصوات في بريطانيا في الستينات بتغيير النظام إلى القيادة على اليمين، لكن الجهات المحافظة رفضت هذا التغيير بحجة المحافظة على عاداتهم وتقاليدهم، بالإضافة إلى التكلفة الباهظة للتغيير.
يذكر أنه وعلى الرغم من أن البلدان الموقعة على اتفاقية جنيف بشأن حركة المرور على الطرق عام (1949) قد وافقت على اتجاه موحد للحركة في كل بلد، حيث تنص المادة 9 على أن «جميع المركبات تسير في الاتجاه نفسه على الطريق، أي تبقى على الجانب نفسه من الطريق، والذي يجب أن يكون موحدا في كل بلد لجميع الطرق». إلا أن الصين تسمح لكلا النوعين من المركبات بالسير على الطرق، حيث ما زالت المناطق الإدارية الخاصة في هونغ كونغ وماكاو تسير جهة اليسار.
الشرق الأوسط
تعليقات
إرسال تعليق