القائمة الرئيسية

الصفحات



الأول سبحانه هو الذي لم يسبقه في الوجود شيء، وهو الذي علا بذاته وشأنه فوق كل شيء، وهو الذي لا يحتاج إلى غيره في شيء، وهو المستغني بنفسه عن كل شيء، 



فالأول اسم دل على وصف الأولية، وأولية الله تقدمه على كل من سواه في الزمان، فهي بمعنى القَبلية خلاف البعدية، أو التقدم خلاف التأخر، وهذه أولية زمانية، ومن الأولية أيضا تقدمه سبحانه على غيره تقدما مطلقا في كل وصف كمال وهذا معنى الكمال في الذات والصفات في مقابل العجز والقصور لغيره من المخلوقات فلا يدانيه ولا يساويه أحد من خلقه لأنه سبحانه منفرد بذاته ووصفه وفعله، فالأول هو المتصف بالأولية، والأولية وصف لله وليست لأحد سواه.

والأول لغويا بمعنى الذي يترتب عليه غيره، والله الأول بمعنى الذي لم يسبقه في الوجود شيء، هو المستغني بنفسه، وهذه الأولية ليست بالزمان ولا بالمكان ولا بأي شيء في حدود العقل أو محاط العلم، ويقول بعض العلماء إنّ الله سبحانه ظاهر باطن في كونه الأول أظهر من كل ظاهر لأن العقول تشهد بأن المحدث لها موجود متقدم عليها، وهو الأول أبطن من كل باطن لأن عقلك وعلمك محدودان بعقلك وعلمك، فتكون الأولية خارجة عنه، أما الآخر فهو الباقي سبحانه بعد فناء خلقه، الدائم بلا نهاية، وعن رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا الدعاء: يا كائن قبل أن يكون أي شيء، والمكون لكل شيء، والكائن بعدما لا يكون شيء، أسألك بلحظة من لحظاتك الحافظات الغافرات الراجيات المنجيات. 

ومن الدعاء باسمه الأول ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا آوى إلى فراشه قال: (اللهم رَبَّ السَّموَاتِ وَرَبَّ الأرضِ وَرَبَّ العرشِ العظِيم، رَبَّنا وَرَبَّ كُل شيء، فالِق الحَبِّ وَالنوَى، وَمنزِل التورَاةِ وَالإنجِيلِ وَالفُرقانِ، أعوذُ بِكَ من شرِّ كُل شيء أنت آخِذ بِناصِيَتِهِ، اللهم أنت الأوَّل فليْسَ قبلكَ شيء، وَأنت الآخِرُ فليْسَ بَعْدَكَ شيء، وَأنت الظَّاهِرُ فليْسَ فوقكَ شيء وَأنت البَاطِنُ فليْسَ دُونكَ شيء، اقضِ عنا الدَّيْن وَاغنِنا من الفقرِ).

ومن آثار توحيد المسلم لله في اسمه الأول معرفة العبد أن الله عزّ وجل هو الأول الغني بذاته وصفاته، فلم يكتسب وصفا كان مفقودا أو كمالا لم يكن موجودا، كما هو الحال بين المخلوقات في اكتساب أوصاف الكمال، فإذا علم المسلم أن أصله من طين وله بداية ونهاية، وحياته إلى وقت وحين أيقن أنّ ما قام به من الكمال مرجعه إلى رب العالمين، وأن طاعته تعود إلى توفيق الله وفضله، وأن الفرع لا محالة سيرجع إلى أصله.

أما أثر اسم الله الأول على سلوك العبد فيظهر من محبة الأولية في طلب الخير، وطلب الأسبقية في التزام الأمر، وحرصه على المزيد والمزيد من الأجر، فتجد توحيد الله في اسمه الأول باديا عليه عند مداومته على الصلاة في أول وقتها، وحرصه على الصف الأول، ومجاهدة الآخرين في استباقهم إليه، وكذلك يفعل في سائر العبادات أو المسارعة في الخيرات.
Reactions

تعليقات