حكمت الملكة اليزابيت الأولى انكلترا بيد من حديد لمدة 45 عاماً ولم تتزوج قط ولم تترك من يخلفها وبها انتهى عهد سلالة تيودور.
قرارات تعسفية وعقل حاد وفطنة غير معهودة للنساء تم الكشف عنها بفضل الكاتب برام ستوكر الذي نشر كتابه "قصة التبديل" والتي اجبرت الرأي العام للشك حول جنس الملكة اليزابيت
في بداية القرن العشرين بحث الكاتب برام ستوكر مع صديقه الممثل هنري ايرفينغ عن منزل صيفي في مناطق كوتسولد الخلابة، ولدى وصولهما إلى قرية بيسلي لرؤية منزل، صادف وجودهما عرض مسرحي بعنوان "يوم الملكة" حيث لعب أحد الصبية دور الأميرة الشابة وهو مرتدي زي من عهد حكم الملكة اليزابيت. وقد أثار الفنان الشاب اهتمام الكاتب وصديقه وسألا سكان القرية عن سبب قيام فتى بلعب دور الأميرة الفتاة!!؟ وجاء الرد بقصة مثيرة للاهتمام...
وفقاً للأسطورة فقد نقلت اليزابيت التي كانت في العاشرة من عمرها إلى قرية بيسلي عام 1543 بعيداً عن الطاعون الذي كان منتشراً آنذاك في لندن. ولكن ولسخرية القدر مرضت الأميرة..وتوفيت بعد فترة وجيزة. شعرن المربيات بخوف كبير لدى انتظارهن وصول الملك هنري الثامن من أن يكون العقاب صارماً، لذا قمن بإخفاء جثة الفتاة وهرعن للبحث في القرى المجاورة عن فتاة تشبهها تماماً.
كن يعولن على استبدال اليزابيت بطفلة تشبهها على أن يخبرن الملك بما حصل بعد رحيله في أمل أن يتجنبن العقاب الشديد. ولكن لم يؤت البحث ثماره ولم يتمكن من العثور على فتاة مناسبة لاستبدالها بالأميرة، لذا تقرر استبدالها بفتى من عمرها كان يعيش في المنزل نفسه.
لم يكن اختيار المربيات محض صدفة، فقد كان للملك جاريات يلدن منه أطفالاً غير شرعيين والذين كانوا محرومين من حقهم في العرش، وكان يسمح لهؤلاء الأطفال العيش مع أطفال الملك الشرعيين. ولهذا كان نيفيل، اسم الابن غير الشرعي لهنري الثامن، يشبه إلى حد بعيد اليزابيت بشعرها الأشقر وبعمرها وبطولها.
جدير بالذكر أن الملك هنري كان قد رأى ابنته آخر مرة وهي في الثالثة من عمرها وكانت تخاف منه كثيراً ولهذا لم تنشأ علاقة حميمة مع والدها. على كل حال لم يلاحظ ذلك الملك المتسلط عملية التغيير هذه ونجحت الخطة حتى أنه لم يعرف الحقيقة طيلة حياته.
ضم الكاتب برام ستوكر هذه القصة إلى كتابه "المحتالون المشهورون" الذي صدر عام 1910 والذي كان له صدى كبيراً في ذلك الوقت. وفي عام 1911 نشرت صحيفة نيويورك تايمز نبأ لاذعاً متهمة الكاتب ستوكر بنشر الكذب والشائعات والهراء، ولكن الكثيرين لم يتفقوا مع ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية لأنه هناك أسراراً كثيرة كانت تحوم حول حياة الملكة اليزابيت الأولى.
فقد أكدت حاشية الملكة أن المربيات كن يحافظن، على خلاف ما كان متعارف عليه آنذاك، بعلاقتهن الوطيدة مع اليزابيت حتى بعد أن أصبحت بغنى عن خدماتهن. وقد كتب ألسير روبرت تيرويت لإدوارد سيمور عام 1549 قائلاً: "أنا واثق بأن هناك سراً بين السيدة كيت إشلي مربية اليزابيت والسيد توماس بيري وبلانش بيري لن يعترفوا به طيلة حياتهم". يشار إلى أن اليزابيت كانت تبقيهم إلى جانبها و تغدقهم بالأموال طيلة حياتهم.
الأمر الآخر الذي كان يثير تساؤلات كبيرة هو مظهر اليزابيت، فقد كان معروفاً أنها كانت تستخدم طبقة سميكة من مستحضرات التجميل، ربما لإخفاء بشرتها وأثار حلاقة ذقنها. كما كانت ترتدي شعر مستعار لأنها كما يشير البعض فقدت شعرها إلى حد الصلع عندما أصبحت في منتصف العمر، بالإضافة إلى أن اليزابيت نشرت موضة القبة الطويلة التي تتألف من عدة طبقات وكانت تخفي منطقة الكتفين. وعندما كان الفنانون يرسمون لوحاتها كانت الملكة ترتدي دائماً ملابس غير مكشوفة ومجوهرات ثقيلة حول عنقها، وبالمناسبة حظرت في وصيتها أن يتم الكشف عن جسدها بعد موتها.
يمكن القول أن الحجة الكبرى لمؤيدي الفرضية التي تقول أن الملكة كانت رجلاً مقنعاً هي عدم زواجها. فبعد اعتلائها العرش وهي في الخامسة والعشرين من عمرها كان بإمكانها اختيار زوجاً أجنبياً أو الزواج من أحد نبلاء انكلترا لتلد منه وريثاً لمواصلة حكم سلالة تيودور على الأقل هذه كانت رغبة والدها قبل وفاته. لكنها بقيت عزباء، ولهذا انتشرت شائعات في أوروبا تقول بأن اليزابيت لا يمكنها أن تنجب الأطفال. وفي شهر نيسان/أبريل من عام 1559 كتب مبعوث الأمير الإسباني فيريا عن لسان الأمير قائلاً: "إذا صدق جواسيسي، وأنا أعتقد بأنهم لن يكذبوا لسبب من الأسباب، فإن ما قالوا لي مؤخراً يثبت بأن اليزابيت لن يكون لها أطفالاً".
وفي عام 1588 عندما توجهت جيوش أرمادا الإسبانية التي لا تقهر باتجاه الجزر البريطانية، تحدثت الملكة اليزابيت لقواتها قائلة: "أنا أدرك بأن جسدي هو جسم امرأة ضعيفة، لكن قلبي قلب ملك انكلترا!".
وبعد عام 1543 تغير خط وأسلوب كتابة الأميرة. فقد كتب روجر ايشيما المربي والعالم ورئيس جامعة ستراسبورغ عام 1550 بأن عقل الأميرة تغير وتبدل وتحرر من التفكير الأنثوي بشكل عجيب فقد كانت تتمتع بإرادة الرجال، وقد لاحظ العالم نجاحات لا تصدق لتعلم اليزابيت اللغات الفرنسية والإيطالية واليونانية واللاتينية مؤكداً أن السيدة الشابة لا تبالي تماماً للزينة والمجوهرات ولا للمظهر الخارجي وكانت تتصرف أشبه بسلوك الفتيان من الفتيات.
في نهاية القرن التاسع عشر حدث شيء كان يجهله الكاتب برام ستوكر، ففي عام 1870 قرر المالكون الجدد لقصر أوفر كورت التخلص من الحجارة القديمة وأرضية القصر، ولهذا بدأت عملية الترميم قام عمال البناء خلالها بنشل صندوق لم تلمسه يد انسان منذ مئات السنين. وكان الصندوق مغطى بالطحالب، وعندما فتح فوجئ الجميع بوجود رفات لفتاة مراهقة كانت ترتدي ثياباً من الحرير والديباج الرقيق.
وبعد إجراء دراسات على هذه الرفات تبين أن الفتاة عاشت في عهد سلالة تيودور وأن عمرها كان 11 عاماً وقت وفاتها. جدير بالذكر أن التابوت الحجري كان مطموراً في الحديقة تحت نافذة غرفة الأميرة. وقد أكد القس توماس كيبل الذي حضر عملية تشريح الجثة وهو شخص في غاية من الجدية بأن الفتاة هذه هي ابنة هنري الثامن، ولذلك قام القس بدفن الرفات مرة أخرى لكن القبر الجديد فقد بشكل مقصود مع مرور الوقت.
بالمناسبة بعد إصدار برام ستوكر لكتابه هذا تعالت أصوات تطالب بنبش رفات الملكة اليزابيت التي ترقد في كنيسة ويست مينسيرسك لإجراء فحوص على الجثة، إلا أن العائلة المالكة رفضت رفضاً قاطعاً إجراء أي تحقيقات حول ذلك تاركة الباب مفتوحاً أمام الشائعات والتكهنات.
كان هناك قولاً مأثوراً يتداوله الشعب بعد وفاة الملكة واعتلاء ابن ماريا ستيوورات العرش مفاده: "اليزابيت كانت ملكاً وجيمس أصبح الملكة".
كل الدلائل التي تم ذكرها آنفاً والسمات التي اكتسبتها الملكة خلال حكمها تشير إلى أن اليزابيت الأولى لم تكن امرأة.
ربما بمساعدة كتاب "قصة التبديل" يحاول أتباع هذه النظرية شرح استحالة قدرة النساء على حكم البلاد بهذه الصورة التي تألقت بها الملكة؟. الزمن كفيل لاكتشاف هذا السر العميق، وحتى ذلك الحين يعتبر الكثيرون ما تم ذكره آنفاً هو عبارة عن محض خيال فاضح.
تعليقات
إرسال تعليق