الرحمن سبحانه وتعالى هو المتّصف بالرحمة العامة حيث خلق عباده ورزقهم، وهداهم سبلهم، وأمهلهم فيما خولهم، واستخلفهم في أرضه، واستأمنهم في ملكه ليبلوهم أيهم أحسن
عملا، ومن ثم فإن رحمة الله في الدنيا وسعتهم جميعا؛ فشملت المؤمنين والكافرين.
والرحمة تفتح أبواب الرجاء والأمل، وتبعث على صالح العمل، وتدفع أبواب الخوف واليأس وتشعر الشخص بالأمن والأمان.
ومن حديث أبي هريرة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: (جَعل الله الرَّحمةَ مائَةَ جُزْءٍ فأمْسَكَ عِندَهُ تِسْعة وَتِسْعِين جُزْءًا وَأنزَل فِي الأرضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فمن ذلِكَ الجُزْءِ يَترَاحَم الخَلق حَتى ترفع الفرَس حَافِرَهَا عن وَلدِهَا خَشيَةَ أن تصِيبَهُ).
الرحمن في اللغة صفة مشبهة وهي أبلغ من الرحيم، والرحمة في حقّنا رقة في القلب تقتضي الإحسان إلى المرحوم وتكون بالمسامحة واللطف أو المعاونة والعطف.
والرحمن اسم يختص بالله سبحانه وتعالى، ولا يجوز إطلاقه في حقّ غيره، وتوحيد الله في اسمه الرحمن يقتضي امتلاء القلب بالرحمة والحب والإيمان، فيحرص المسلم على ما ينفع أخاه الإنسان، سواء كان من المؤمنين أو غيرهم، فيحب للمؤمنين ما يحب لنفسه؛ يوقر كبيرهم ويرحم صغيرهم ويبقي رحمته موصولة إليهم، يفرح بفرحهم ويحزن لحزنهم . أما رحمته بالكافرين فيحرص على دعوتهم ويطفئ النار التي تحرقهم، ويجتهد في نصحهم والأخذ على أيدهم، وقد ثبت أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:"الرَّاحِمون يَرحَمهُم الرَّحمنُ، ارحَموا أهْل الأرضِ يَرحَمْكُمْ من فِي السَّماءِ".
والله سبحانه وتعالى سبقت رحمته غضبه، ولم يجعل من واسع رحمته إلا جزءا يسيرا في الدنيا يتراحم به الناس ويتعاطفون، رُوى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنّه قال:"جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ"، وفي رواية أخرى للحديث النبوي:"إِنَّ اللهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ".
وعن عُمَر بن الخطاب أَنّه قال:" قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام: أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لاَ وَاللهِ وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: لَلهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا".
ولما كانت الرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن رحمة عامة بالناس أجمعين فإنّ الله خصّ هذا الاسم ليقرنه باستوائه على عرشه في جميع المواضع التي وردت في القرآن والسنّة قال تعالى:"الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" [طه:5]، وعن النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام قال:"فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ". وذلك لأن الله سبحانه وتعالى فوق الخلائق أجمعين؛ سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، فحياتهم قائمة بإذنه، وأرزاقهم مكنونة في غيبه، وبقاؤهم رهن مشيئته وأمره، ومن ثم فإنّه لا حول ولا قوة لهم إلا بقوّته وحوله.
ومن الرحمة العامة التي دل عليها اسمه الرحمن قوله تعالى:"وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ" [القصص:73]، فالليل والنهار من رحمته تعالى وينتفع بهما جميع المكلفين، إمهالا وابتلاء من رب العالمين، ومن ثم تتحقق فيهم مشيئته، وتتجلى فيهم حكمته، وتستقيم الشرائع والأحكام ويتميز الحلال من الحرام.
ومن الدعاء الثابت باسمه الرحمن: اللهم إني أعوذ بِكَلِماتِ اللهِ التامةِ من شرِّ ما خَلق وَذَرَأ وَبَرَأ، وَمن شرِّ ما يَنزِل من السَّماءِ، وَمن شرِّ ما يَعْرُجُ فِيهَا، وَمن شرِّ فِتنِ الليْلِ وَالنهَارِ وَمن شرِّ كُل طَارِقٍ إلا طَارِقا يَطرُق بِخَيْرٍ يَا رَحمنُ.
تعليقات
إرسال تعليق