القائمة الرئيسية

الصفحات

سينستيزيا: يرى المصاب الأرقام ألوانا ويتذوق الأصوات


 "سينستيزيا"Synesthesia كلمة مركبة من مفردتين  (syn), "together," αἴσθησις (aisthēsis), "sensation) تعنيان باللاتينية "اتصال الحواس" والوصف 

الأدق بالعربية "تشابك الحواس"، وعلى الرغم من أن عوارض هذه الحالة كانت 



معروفة للأطباء منذ أمد بعيد الا أنه لم يتم التركيز عليها ومحاولة تحليلها علميا الا في 

السنوات الأخيرة، ولهذا فإن الاحصاءات بشأن نسبة الإصابة بها ليست دقيقة تماما اذ 

تقول بعض الدراسات أنها تُصيب شخصا واحدا بين ألفين بينما تذكر دراسات أخرى أنها 

تُصيب واحدا لكل خمسة وعشرين ألفا، وقد كان لتردد المصابين في عزوف العلماء عن 

دراستها بشكل مستفيض اذ كان معظمهم يحاول تجنب تأكيدها بشكل قاطع حتى لا يُتهم 

بالإختلال العقلي.

 فعندما كان يُسأل المصاب مثلا هل ترى الرقم "كذا" فعلا أحمر عندما تنظر اليه أم أنه 

مجرد صورة من ذاكرتك ؟ كان قليل منهم يؤكد أنه يراه فعلا كذلك 

ولكن الأغلبية كانت أجوبتها مترددة كأن يُجيب المصاب "كأني أراه هكذا وكأني لا أراه 

"أو" نعم أراه أحمر ولكني أعلم أنه ليس كذلك إذن لا بد أن يكون من ذاكرتي"

واستنادا الى ما سبق عمد العلماء الى تفسير هذه الظاهرة من زاوية علم النفس أو العلوم 

الانسانية الأخرى.

يقول أحد هذه التفاسير مثلا ان المصاب كان يلعب في طفولته بأرقام ملونة ولهذا ارتبط 

في ذهنه اللون بالرقم وثبت هذا الارتباط في عقله الباطن فأصبح لا يستطيع الفصل بين 

لاحقا بين الرقم ولونه فإذا رأى أحدهما رأى الآخر في الوقت نفسه 

وهناك تفسير آخر وضع الحالة في ظل الاستعارة اللغوية كأن تقول مثلا يوم أسود 

وتفكير أسود فترى اللون عندما تسمع الكلمة لارتباط الاثنين في ذاكرتك 

وربط تفسير ثالث حالة التشابك هذه بالعقاقير خاصة اذا كان فيها نوع من أنواع 

المخدرات والتي قد لا يذكر المصاب أنه يتعاطاها وهذه تخلق لديه نوعا من الهلوسة 

فيرى من خلال دماغه لا من بواسطة عينيه.

 ظلت هذه النظرية سائدة حتى عام 1999، حين قرر العلماء أن يولوا ظاهرة تشابك 

الحواس عناية أكبر ويخضعوها بالتالي للدراسة العلمية 

كان السؤال الذي عليهم الاجابة عنه هل يرى بالفعل هؤلاء الناس ما يزعمونه حسيا أم 

أن الموضوع لا يتعدى الوهم أو تلاعب العقل بالحواس ؟؟

وللإجابة القاطعة عن هذا السؤال عمد الباحثون الى اجراء نوع من الاختبارات على المصابين يستعملها المحللون 

النفسيون عادة تسمى اختبارات الفصل أو البروز

تعتمد اختبارات الفصل أو البروز على مبدأ بسيط ألا وهو أنه إذا رسمت شكلا مختلفا 

على خلفية متجانسة فإنك تراه فورا وبوضوح بشكل منفصل إذ أنه يبرز ويراه الناس من 

دون حاجة الى تأمل طويل.

 لنقل مثلا انك رسمت مثلا على صفحة بيضاء خطوطا عمودية متقاربة ثم رسمت فوقها 

خطين مائلين فإن الخطين سيبرزان فورا بشكل منفصل وستراهما دون عناء 

وكان التصميم للاختبار الأول الذي قام به الباحثون للإجابة عن السؤال المطروح فعالا 

تماما مع أنه كان بسيطا ومباشرا فقد أنتجوا بواسطة الكمبيوتر صفحة مليئة بالرقم 5 

بحجم صغير ثم أدخلوا بين الأرقام الرقم 2 بالحجم نفسه بحيث انتشر بين الرقم 5 وهو 

الغالب في الصفحة على شكل مثلث فإذا نظر الانسان الطبيعي الى الصفحة فإنه سيحتاج 

الى تدقيق طويل ليرى الرقم 2 المدسوس داخل الخلفية من الرقم 5 علما بأن الأرقام 

جميعها باللون الأسود العادي.

أما إذا نظر شخص آخر يدعي أنه يرى من دون عناء أو تدقيق المثلث المؤلف من 

مجموعة الرقم 2 لأنه سيظهر له لون مختلف عن الخلفية المؤلفة من الرقم 5 أي أن هذا 

المثلث سيبرز أمامه بوضوح تام 

بعد اجراء الاختبار على عدد من المصابين جاءت النتيجة مدهشة تماما فقد أصاب 

تسعون بالمائة منهم بشكل فوري وقاطع أنهم يرون المثلث !

إذن الموضوع ليس وهما ولا تخيلا وهؤلاء الناس يرون فعلا ما لا يراه العاديون!

أمام هذه النتيجة غير المتوقعة كان لابد للباحثين أن يعيدوا النظر في موقفهم المشكك في 

هذه الظاهرة والاعتراف بخطأ نظرياتهم في تفسيرها 

وهكذا فبدلا من أن يجيب الاختبار على السؤال فتح الباب أمام أسئلة جديدة وعديدة :

للإجابة عن تلك الأسئلة كان لابد للباحثين من تصميم اختبارات جديدة وتكرار اجرائها 

على المصابين للخروج بأجوبة قاطعة وكان لابد أيضا من العودة الى الملفات القديمة 

لأصحاب هذه الحالة وفهمها بصورة مختلفة بدل التشكيك فيها 

بعد اجراء الاختبارات المستفيضة جاءت الأجوبة أكثر اثارة من الأسئلة 

تأكد مثلا أن المصابين لا يجمعون على لون واحد لنفس الرقم فقد يرى أحدهم رقم 2 

بلون أحمر بينما يراه الآخرون بلون أزرق ، لكن الشخص الواحد يرى الرقم نفسه 

باللون نفسه في كل مرة يخضع فيها للاختبار، أي أنه يرى الرقم 2 مثلا أزرق وبشكل

 ثابت، والطريف أنه اذا عرض على الشخص الرقم بلون مختلف عما يراه فإنه يطيل 

النظر فيه مليا وكأن هناك خطأ ما كمن ينظر الى شخص ارتدى قميص بالمقلوب! 

في اختبار أجري على أحد هؤلاء عرض عليه رقم 5 بالحجم الكبير مكون من تجمع 

لرقم 2 وطلب اليه أن يذكر أي لون يرى ، في العادة فإن الرقم 5 لهذا الشخص كان يعني دائما اللون الأحمر بينما الرقم 2 يقترن بشكل ثابت باللون الأصفر فكان المصاب إذا 

نظر الى الشكل بمجمله يرى الرقم أحمر بينما كلما دقق النظر فيه رآه أصفرولكن ماذا 

عن الأصوات وما تثيره في هذه الفئة من الناس ؟ 


لقد جاءت النتائج ايجابية بخصوص الصوت فعندما طلب من المصاب أن يرسم ما يراه 

فعلا عندما يُسمعه الباحث صوتا معينا قام أحدهم برسم مجموعة من المثلثات عند سماعه 

جرس الباب بينما رسم آخر دائرة محاطة بالنقاط لدى سماعه نباح كلب

أما الذين أُسمعوا معزوفات موسيقية متقدمة فقد رسموا أشكالا فيها من التناسق والألوان 

ما يمكن اعتباره لوحات تجريدية رائعة 

وربما كان من التجارب الطريفة ما تعلق بالصلة بين الأصوات والأشكال وحاسة الذوق 

فقد أكد مصاب أجري عليه البحث أنه يتذوق نكهات محدودة عندما تُلفظ أمامه كلمات 

بعينها فهناك كلمة يتذوق عند سماعها طعم المشمش وأخرى حساء الطماطم 

ولا شك أن القاريء يلاحظ أن رجل الشارع العادي يصف الكلام التافه بأنه - بدون طعم-

 أليس من الجائز أن يكون أول من استعمل هذا التعبير شخص مصاب بتشابك الحواس 

تثير فيه الكلمات احساسا بنكهات مختلفة وعندما سمع كلاما لم يُثر فيه أي احساس وصفه 

بشكل تلقائي بأنه -بدون طعم- بمعنى أنه سخيف ولا ردة فعل له بالنفس ؟!

ألسنا أيضا نصف الكلام بأنه - مر وحلو-

بعد الكم الكبير من التجارب ذات النتائج الواضحة والقاطعة أصبح الموضوع الذي يجب 

على الباحثين دراسته هو أنه اذا لم يكن أساس هذه الظاهرة نفسيا ولا لغويا وليس ناشئا 

عن استعمال العقاقير والمخدرات فما هو إذن ؟

ما هو التفسير العلمي لأن يرى الانسان الموسيقى ويتذوق طعم الكلمات ويلون الحروف؟

إن فهم هذه الظاهرة تطلب من العلماء دراسة دقيقة لكيفية تعامل الدماغ مع المادة التي 

تصله عن طريق الحواس والتي يعتمد عليها ادراك الإنسان الحسي لعالمه الخارجي

وقد وجدوا أن الرسائل القادمة من الحواس لا تسير في قنواتها المنفصلة داخل الدماغ كما 

يحصل في الانسان الطبيعي وانما تختلط هذه القنوات وبذلك لا يستطيع الدماغ استيعاب 

خصائص الشيء كلا على حده فيأتي الشكل مثلا ملازما دائما للون 

هذا ما يفسر رؤية المصاب للأرقام بلونها دائما

وقد لاحظ العلماء أن هذا الاتصال قد لايكون اتصالا فعليا وإنما قد يتأتى بسبب اختلال 

المادة الكيماوية بين الخلايا مما يؤدي الى خلق حالة من التماس تماما كالاتصال

وقدم العلماء تعليلين لذلك :

 الأول هو العامل الوراثي غذ لاحظ الباحثون أن أطفال المصابين يحملون الحالة مثل والديهم 

 أما التحليل الثاني فيرجع سبب الاتصال الى خلل جيني يبقي القنوات على اتصال دائم





Reactions

تعليقات