الغد- الشكر كلمة رقيقة ولطيفة، تدل على اعترافنا بجميل الآخرين وتقديرنا لجميع الجهود التي تبذل من أجل تقديم المساعدة لمن يحتاجها، وهي ذات سحر غريب، تمنح متلقيها شعورا بالراحة والسعادة والرضا.
لكننا وللأسف لم نعد نسمعها كثيرا، ربما لأنه أصبح هنالك ميل للجحود ونكران الجميل، نتيجة لاختلاف طباع البشر، فمنهم من يعتبر الشكر تصرفا راقيا ينم عن نبل أخلاق الشخص المتمسك به وتواضعه وامتنانه، وهذا ما يجعله أقرب من الناس، فالشكر طريق يوصلنا لمحبة الناس وكسب قلوبهم، ومنهم من يرى في الشكر إهانة لكرامته وإنقاصا من قيمته، وأن ما يقدمه له الآخرون واجب عليهم وليس معروفا، وقد يكون ذلك صحيحا، لكن استخدامنا لكلمة الشكر لا ينقص من قدرنا، بل يزيدنا احتراما لأنفسنا ويعطينا فرصة لنحظى باحترام الآخرين.
ولأن الشكر كلمة تعبر عن القيم السامية وعن شدة إخلاصنا ووفائنا للجميل، فلا بد أن يكون نابعا من القلب حتى يستطيع زرع ابتسامة صادقة في أعماق أناس ليس لهم هدف سوى مساعدة المحتاجين وإسعادهم.
وأحيانا قد تكون كلمة الشكر مجرد كلمة عادية خالية تماما من الإحساس والصدق، لذلك لا يمكنها أن تؤثر فينا، لأنها لن تصل إلى قلوبنا أبدا، رغم أنها الكلمة نفسها، إلا أن الطريقة التي تقال بها تختلف من شخص إلى آخر، فقيمة الكلمة بتأثيرها سواء كان ذلك التأثير إيجابيا أم سلبيا.
وكلمة الشكر ذات أهمية كبيرة؛ إذ تعمل على نشر روح الألفة والمودة بين الناس، واستخدامنا لها باستمرار يدخل البهجة إلى نفوس من حولنا، ويشعرهم بقيمة ما قدموه، فيؤدي ذلك بالطبع إلى الشعور بالرضا، لذلك من الجميل أن تكون هذه الكلمة ملازمة لنا في جميع الأوقات لنستشعر أهميتها وقدرتها على تبديد جميع الحواجز التي يخلقها الجحود.
اليوم أصبحنا نلحظ أن البعض لا يولون كلمة الشكر أي اهتمام، لدرجة لم تعد موجودة في قاموس حياتهم، لأن كثرة النعم أحيانا تجعل الإنسان يعتاد على وجودها، ويظن أن فقدانه لها أمر مستحيل، إلا أن الحياة متغيرة لا تبقى على حالها، فهناك الكثير من النعم التي قد تزول بسبب نسياننا لكلمة الشكر، ولو أننا تخيلنا للحظة أنه سيأتي يوم ونفقد واحدة من هذه النعم، فحتما لن نستطيع نسيانها أو تجاهلها، وكلما حاولنا التعبير عن مدى شكرنا وامتناننا لأشياء كثيرة موجودة في حياتنا، فإن ذلك سينعكس بالتأكيد على نفسيتنا وعندها فقط سنشعر بالسعادة.
وكلمة الشكر ليست محصورة بفئة معينة أو أشخاص معينين، وإنما هي كلمة تقال لمن يستحقها بجدارة بدون النظر إلى عمله أو مكانته، والهدف منها هو التعبير الصادق عن مدى إخلاصنا للجميل واعترافنا به، وشكرنا للآخرين ليس بالضرورة أن يكون كلمة، فأحيانا قد نعبر عن امتناننا للناس من خلال هدية بسيطة أو رسالة قصيرة كعربون وفاء لأشخاص يعجز عن شكرهم اللسان.
ولكي نستطيع ترسيخ هذا الأسلوب وجعله جزءا لا يتجزأ من شخصيتنا، فلا بد من غرس بذوره في عقول أطفالنا، عندها فقط سيدركون أهمية التمسك بهذا الأسلوب الرفيع، فينشأون على حبهم له والتعود على استخدامه، فيصبح طبعا من طباعهم الراسخة المتأصلة.
ولأن الأسرة هي المعلم الأول للطفل، فمن الضروري أن تكون قدوة حسنة لأبنائها، تعلمهم القيم السامية، وتعمق فيهم تلك المشاعر النبيلة التي تجعلهم أكثر سعادة واستقرارا وتعودهم على الاعتراف بفضل الآخرين وعدم إنكارهم له والآباء دائما ما يكونون المثل الأعلى لأولادهم، والتزامهم بالمثل العليا وتطبيقهم لها على أحسن وجه سيؤدي بالطبع إلى صناعة جيل يحترم بعضه بعضا، ويرى أن الشكر قيمة عظيمة تنشر المحبة بين الناس وتزيدهم ترابطا.
تعليقات
إرسال تعليق