القائمة الرئيسية

الصفحات

السلطان الذي اطاح بنظام حكمه بنفسه: قصة للكاتب التركي عزيز نيسين



تبدأ االقصص والحكايات عادة بالقول (في احدى البلدان كان هناك سلطان) , وفي بعضها يكتب في مقدمة الحكاية (كان يا ماكان ملك يحكم احد البلدان) او هناك من يبدأ بجملة (في قديم الزمان كان هناك بلد يحكمها رئيس) ,, 

وهناك من لايذكر لا سلطان ولاملك ولا رئيس ,,ويقول في احد الازمان كان هناك بلد تحكمها مؤسسة او جماعة او ائتلاف , ومهما كان الاسم سواء كان سلطان , ملك , رئيس, اومؤسسة او جماعة فانه من المؤكد هناك على رأس كل بلد من يحكمها , ولكي لا نطيل الحديث سنطلق اسم السلطان على من هو على رأس هذا البلد

كان ياما كان في احد البلدان سلطان شديد المكر والذكاء ولانه ماكر ومحترس ,,, لم يكن يغلق عليه باب قصره وينسى نفسه ويغرق في اللهو والملذات والعبث ,,ولم يقطع تواصله مع شعبه , كان يبدل ملابسه وهيئته ويتخفى ويختلط بالناس ويتحادث معهم وينصت الى ما يقولو عنه ومايفكرو بحقه ,,
ولانه لاحظ انه في المدة الاخيرة ان ادارة الدولة قد ساءت, والناس بدأت تتذمر ,, فتخفى و اختلط بين الناس , ليرى رد فعلهم, وليعرف الاسباب ,, فكان كلما تكلم مع شخص عن السلطان بدأ الرجل بسب السلطان وشتمه ولعنه , وكلما دخل احد المقاهي وهو متخفي لم يكن يسمع غير الشكوى والتظلم , وذم السلطان والدعاء عليه بالزوال والموت ..., 
وكان السلطان الماكر يجاري الناس في ادعيتهم فيقول داعيا على نفسه 
- عساه بالمرض الشديد الذي يعذبه ويقتله لنخلص منه هذا اللعين ,
وفي احد الايام كان السلطان كالعادة متنكرا ,, ولما رأى الناس تشتم وتذم بالسلطان سالهم :
-ما الذي يغضبكم منه لهذه الدرجة ؟ 
فقال احدهم = وكيف لانغضب ,, اكثر الناس عاطلة عن العمل ,, وابناء الوطن اكثرهم سافروا الى خارج البلد سعيا ورا الرزق الذي لم يجدوه في بلدهم,,اصبحنا نعمل خدم في بلدان الغربة ,, ولو ان هذه الدول الاجنبية تسمح لنا بدخولها بسهولة لهرب الكل من هنا للعمل في تلك البلدان, ولن يبقى هنا سوى كبار السن ومن لايستطيع العمل بسبب مرضه والاطفال .
وقال اخر : كل شي غالي مثل النار اصبح من الصعب العيش و الاسعار ترتفع يوما عن يوم 
وبدأ الموجودين في التذمر والكلام الواحد بعد الاخر,
= انتشرت الرشوة واصبح من المستحيل ان ينجز احد من الموظفين معاملة اوعمل لك بدون من ان ياخذ منك رشوة , ويدعي انها هدية يجب ان تقدمها له 
= اصبح من المستحيل ان تتعين في وظيفة بدون واسطات ومعارف
= حتى عملتنا الوطنية انخفض سعرها امام العملة الصعبة واصبحت لاقيمة لها
= باعونا بالرخيص ,, وغرق البلد في الديون واصبحنا مديونين لكل العالم حتى للطير الطائر 
=اما الماء !! فالماء مقطوع عنا ولا يجري من الحنفيات في كثير من الاحيان لاسبوع او لعشرة ايام متواصلة ,, احترقنا من الحر,, وفاحت رائحتنا من عدم الاغتسال
= اما الكهرباء فحدث ولا حرج ,, فهي في انقطاع مستمر ,, نمضي ساعات طويلة من دون كهرباء ,, مكائننا والاتنا لاتعمل تعطلت اعمالنا ,, ومع هذا لايخجل السلطان من مطالبتنا بالضرائب واخذها منا بالقوة,,
= واشياء كثيرة لاندري ماذا نقول وماذا نعد ,, ليس هناك لا غاز الانابيب( الغاز الطبيعي الذي يصل الى المنازل عن طريق انابيب مثل انابيب الماء) ولا غاز معبأة
باسطوانات والتي اكثرها لاتعمل جيدا وبعضها تنفجر نتيجة التعبئة االخاطئة للغاز في الاسطوانة,,
= اما ايجارات البيوت فيصعب الاقتراب منها لارتفاعها
كانو الناس يذكروا اسباب سوء ادارة الدولة التي كانت لا تنتهي من كثر عددها ,, ولان السلطان خاف ان يظهر عليه شيئا وينكشف ,, اشترك مع الناس في الشكوى والتذمروقال هو الاخر: 
-ان شاء الله يصيبه العمى هذا اللعين!!
ولان السلطان كانت يشتم ويذم نفسه بهذا الشكل ضن الناس انه واحدا منهم ,,
وفي يوم اخر عندما كان السلطان متنكر بهيئة اخرى وبين الناس سمع بعض الشباب يتحدثون قائلين :
= لايمكن ان تستمر الحال على هذا المنوال
= ان الحال يزداد سؤا
= يجب ايجاد حل
= يجب ان نجد طريقة
وفي احدى الليالي تنكر السلطان وخرج بصورة سرية من قصره ودخل الى احدى الخانات واختلط بين الناس هناك ,, فرأى بعض الشباب مجتمعين يتناقشون لايجاد حل للتخلص من السلطان ,, وكان السلطان قد عقد صداقة مع صاحب الخان سابقا اذ انه كان يدفع له الحساب بسخاء شديد,,
لكن صاحب الخان لم يكن يعرف انه السلطان,,ولما طلب منه السلطان ان يعرفه بهؤلاء الشباب لم يتردد صاحب الخان لحظة في ذلك ,و فاختلط السلطان بالشباب الثائر وكان هو اكثر واحد بينهم يذم ويشتم ويلعن السلطان ويعدد مساؤه واخيرا
قال لهم : يا اصدقائي ,, انتم على حق ويجب علينا عمل شيء لان الكلام فقط لن يكون كافي لتغيير الوضع ابدا.
فسأله الشباب = وما علينا عمله ؟
فجاوب السلطان – علينا ان نقلب نظام حكم هذا السلطان السيء لذلك علينا تشكيل تنظيم سري 
فوافق المجتمعون من شباب عمال , طلاب و مدرسين ,, على هذا الاقتراح
واسسوا في الحال تنظيم سري لقلب نظام حكم السلطان واختاروا بالاجماع العضو الاكثر ثورية وحماس لقلب النظام ليكون رئيسا للتنظيم السري , وكان العضو هوالسلطان المتخفي في هيئة واحد من عامة الشعب يعني ان السلطان سيقلب نظام حكمه بنفسه !!
فقال السلطان مخاطبا المجتمعين – لان التنظيم في حاجة الى المال, علينا اولا ان نقوم بسرقة البنوك,, وعلينا القيام بالضغط على الاغنياء واخذ المال منهم بالقوة لدعمنا..
بدأ الشباب بتطبيق ما طلب منهم رئيس التنظيم ( السلطان المتخفي) فسرقوا البنوك واختطفوا الاغنياء واخذوا اموالهم عنوة ,, ولان السلطان كان رئيس التنظيم استطاع دس بينهم عملائه وكلابه التي كانت على هيئة انسان ,,

وكان السلطان بصفته رئيس التنظيم يعرف اي بنك سيسرق ومتى سيسرق واي شخص غني سيؤخذ كرهينة ومتى سيحصل هذا ,, ,, فكان يجري ترتيبات حتى يتم ضبط بعض اعضاء التنظيم متلبسين في السرقات والخطف والقبض عليهم وبعضهم تم قتله اثناء الضبط .
وبعد هذه الحوادث بدأ الشعب يغضب من هذا التنظيم الذي كان يحقد على الاغنياء ويسرق البنوك ويخّل بنظام البلد ,, وبالنتيجة حوّل الشعب غضبه من السلطان الى العمال والطلاب ومن انتمى الى هذا التنظيم ,,
فكر السلطان في طريقة يخلص بها من كراهية الشعب له ويحوّلها الى غير اتجاه ,, فاجتمع باعضاء التنظيم في احد الليالي وقال لهم:
-يجب ان نجد طريقة للاطاحة بهذا السلطان الخائن
فقال الشباب الذين كانو متحمسين لخدمة هذا البلد بارواحهم
= ماذا علينا ان نفعل؟
-عليكم القيام باعمال تخريبية ,, عليكم باشعال الحرائق,, تدمير مؤسسات ,, مكتبات وقتل كل من هو يحمل افكار ضدنا وتخالفنا ,,
مع انه كان هناك بعض العقلاء بين اعضاء التنظيم الذين ارادو الاعتراض على هذه الطرق التخريبية , الا ان الاعضاء العملاء الذين دسهم السلطان بين اعضاء التنظيم حرضوا باقي الاعضاء وجعلوهم يتقبلوا الامر ,, فبدأ اعضاء التنظيم باشعال الحرائق وبتدمير المؤسسات في البلد وبقتل المعارضين ....
ماجرى من الفوضى واعمال العنف جعل الناس تنسى غضبها ضد السلطان , وازداد غضبها وتضاعف ضد التنظيم السري واعضاؤه لكن مع هذا كله , لم ينتهي وينطفي غضب الناس على السلطان كليا ..
كان السلطان اثناء تواجده في قصره يتصرف حسب موقعه كسلطان البلد ويصرح بانه سيوجه ضربة قاضية ويسحق كل من كان السبب في هذه الفوضى 
ولكنه بعد ماكان يغير ثيابه ويتنكر كان يتصرف كزعيم التنظيم , وفي احد الاجتماعات كان يحرض الشباب اعضاء التنظيم ويقول لهم :
-اصدقائي , لم يعد لدينا غير حل واحد, علينا القيام باغتيال السلطان !
فبادر احد الشباب قائلا = لكن هناك حماية شديدة لهذا السلطان الحقير كيف سنستطيع الدخول الى قصره ؟
قال له السلطان
-اتركوا هذا الامر علي انا ,, انا ساتكفل بادخال الشخص الذي سيغتال السلطان الى القصر
بدأ الشباب بعمل خطة والتحضير لاغتيال السلطان وفي نفس الوقت كان السلطان قد طلب من احسن نحّات في البلد عمل تمثال له من الشمع ,, ولما انجز النحات عمله كان التمثال يشبه السلطان بالضبط ,,
البس السلطان تمثاله ملابسه وعبائته المطرزة باللؤلؤ ووضع على رأس التمثال عمامته ذات الرتبة السلطانية الثلاثية,, واجلسه على العرش, فاصبح يبدوا كانه هو بالضبط ولم يهمل مليء التمثال بدم الدجاج ..
وفي اليوم المقرر تم تحضير كل شيء ,,الطريق المؤدي الى القصر كان ممهد لدخول الشخص الذي سيغتال السلطان فلم يترك السلطان حسب الخطة اي حارس او اي حماية في هذا الطريق وكذلك كانت حديقة القصر وكل الطرق التي تؤدي الى مدخل القصر فارغة من الحراس .
تنكرالسلطان وانظم الى كتيبة اغتيال السلطان وتولى قيادتها بصفته رئيس التنظيم وخاطبهم قائلا:
-هيا يا اصدقائي ! لنذهب ونقتل السلطان الخائن !..
دخلو الى حديقة القصر ولم يقاومهم احد ثم فتحوا باب غرفة السلطان ودخلو,, كان السلطان يجلس على العرش ..
فصرخ السلطان المتخفي في هيئة رئيس التنظيم في تمثال السلطان الجالس على العرش : 
-قم ايها الخائن !! وسحب سيفه وهجم عليه ,,
وضرب عنقه بسيفه ضربة قوية اطاحت التمثال ارضا وانفصل رأسه عن جسده من شدة الضربة وسال دم الدجاج من داخله على الارض,,
هتف الشباب – خلصنا , خلصنا !!!
اجلس الشباب رئيس تنظيمهم على عرش السلطان الفارغ وبهذا كان السلطان قد اغتال نفسه ,, وجلس على عرشه الذي فرغ 
انتشر الشباب في المدينة يهتفون بفرح ويقولون
= خلصنا من السلطان الخائن الحقير سياتي نظام جديد الى بلدنا !!
وبهذا تحول السلطان عدو الشعب الى السلطان حبيب الشعب ..
هذه القصة حصلت مرة على الاقل في تاريخ كل بلد ,, والعبرة التي يمكن ان نتعلمها من هذه القصة ونكتبها كدرس في التاريخ ونقول
( يا ايها الناس !! لا تحاولو تغيير القديم بالجديد قبل ان تعرفوا ما هو اصل وفصل الجديد . لانه يمكن ان يكون الشخص الجديد الذي ستنصبونه على رؤسكم هو نفس الشخص القديم ولكن بحلة وهيئة جديدة وبذلك الوقت سيتحول كل شيء من السيء الى الاسوء)

ترجمة عبير الياسمين

Reactions

تعليقات