القائمة الرئيسية

الصفحات


"الخوارق"- العالم الموازي  Paranormal



إعداد: مدني قصري- العالم الموازي عالمٌ منفصل عن عالمنا المادي، له أبعاده الخاصة، وقوانينه الزمانية والمكانية التي تختلف عن الزمان والمكان في العالم المادي، ولا تخضع في غالب الأحيان لأيّ قياسات مخبرية علمية. 
ولذلك كثيرًا ما يُطلِق العلمُ على هذه العوالم، إسمَ "الخوارق"، ويضعها تحت تصنيفات عديدة. ونستنتج من ذلك أنّ العلم، بهذه التسمية يقرّ بوجود هذه العوالم، ويقرّ في الوقت نفسه بعجزه عن تفسيرها، ويصفها بـ "العالم الخيالي" أحيانا. 
ولذلك سُمّيت هذه العوالم بـ "الخوارق" Paranormal، وهي مصطلح يُستعمَل لوصف مجموعة من الظواهر، أو الميكانيزمات التي لا يمكن تفسيرها، وفقًا للقوانين العلمية المتعارف عليها. فالظاهرة الخارقة ظاهرة قد نخبرها أو نراها، لكننا لا نستطيع أن نشرحها بواسطة القوانين الطبيعية المعروفة، ولذلك تُحال هذه الظواهر باستمرار إلى أبحاث تجريبية جديدة، ولتفسيرات مستمرة، ولافتراضات متعددة ومثيرة للجدل أيضا. 
الهالة Aura مثلا، حقلٌ من الطاقة النفسية المتجددة التي تغلّف الجسم بكامله بصورة دائمة، وتُنبئ بحالته الصحية جسديا ونفسيا، وفقًا للألوان التي تحملها ومدى اتساعها، فضلا عن أنه بالإمكان التأثير فيها من خلال تغيير ألوانها، بما يتفق مع حاجة صحة الإنسان إليها. 
وإذا كان العلم بأجهزته المتطورة غير قادر على رؤية الهالة وقياسها بواسطة أجهزته المتطورة، فإن الإنسان المؤمن بوجودها قادر على رؤيتها والاستفادة منها، بالاعتماد على وسائل خاصة يستطيع بالممارسة والتركيز، والرياضة الروحية، اكتسابها. 
والتخاطر telepathy حقلٌ آخر من حقول الخوارق التي لا ينكرها العلم، ولكنه ما يزال عاجزًا عن تفسيرها تفسيرًا علميًا. من المعروف أن التوأمين يتخاطران عفويا حتى عن بعد. فالتخاطر نمط تواصل شمولي قائم على بث واستقبال الأفكار، ومن ثم فهو القدرة التي يمتلكها الشخص على إرسال واستقبال المعلومات انطلاقا من مقرّ وعيه. فالأمهات عادة يمارسن التخاطر مع أطفالهن، ويطلقن على هذه الظاهرة اسم الحدس الأمومي، ولكنها في غالب الأحيان معلومات يتلقينها بواسطة وعي الأطفال، فيستقبلنها في شكل إيحاءات جوانية. فالرسائل التخاطرية قد تأتي من طرف أفراد من العائلة، أو من شخص من معارفنا، أو من صديق الطفولة، أو غيرهم. فالعملية التخاطرية متواجدة في كل الأوقات، لكنها تتم بصورة لاشعورية. 
والاتصال بالعالم الآخر جزء من هذه الخوارق، التي ما يزال العلم حائرًا أمامها، رغم عدم إنكاره لوجودها كظاهرة يمكن مشاهدتها بواسطة وسطاء روحيين، من دون تفسيرها. 
والعلاج عن بعد وجه آخر من أوجه العوالم الموازية، لأن هذا العلاج ثبت "علميا" حتى وإن لم يكتشف العلم قوانينه الدقيقة لحد الآن، رغم وجوده منذ ظهور الإنسان الأول قبل ملايين السنين. 
ولنا في تاريخ البدائيين أمثلة كثيرة عن هذه القدرات الخارقة؛ فيعالج السكان الأصليون في أستراليا، مثلا، تسوّسَ الأسنان بإدخال دودةٍ صغيرة في السنِّ حتى تقضمَ الالتهاب، ثم يُغلَقُ الثقبُ بعد تطهيره بعجينةٍ هي عبارة عن مزيج من الصلصال والنباتات. ناهيك عن طرق العلاج عن بعد بواسطة رسوم خاصة توضع على صورة المريض (إن وجدت) أو على قطعة من أغراضه الخاصة. 
والرحلات الكوكبية astral travel حقلٌ مثير من حقول العوالم الموازية، بما يوفره للإنسان من إمكانية التنقل "روحيا" عبر العوالم، سواء عوالمنا المادية، كالانتقال إلى بلد بعينه لم نره من قبل، أو العوالم الكونية الواقعة خارج نطاق الأرض.
وقانون التزامنية synchronicity قانون لا يعرفه العلم كثيرًا، ولكنه ثابت في عالم التجربة الشخصية لكل واحد منا. وتعني التزامنية حدوث حَدث مادي معين، وآخر نفسي مطابق له، في الوقت نفسه، من دون ارتباط الحدثين بقانون السببية المعروف، كأن تفكر عفويا في سيارة حمراء اللون، فإذا بها تطل عليك بعد لحظات من أحد الشوارع الفرعية. 
والأحلام عالم من العوالم الموازية، حظي منذ أكثر من قرن بعناية علماء النفس، لكنه رغم ما يحمله من أسرار ما يزال يلقَى المعارضة من الأوساط العلمية، إذ لا يعتبر عِلما أكاديميا، وما من جامعة في العالم تدرّسه ضمن مناهجها. 
ودلالات الأرقام Numerology والحروف عالم أيضا من العوالم الخارقة. فأرقامنا الشخصية، كتاريخ ميلادنا، تحمل أسرارنا عن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وهي الأسرار التي يمكن أن تُغيّر حياتنا رأسا على عقب، لو فهمناها، وبإمكاننا أن نتأكد منها بقليل من الخبرة، أو بعرضها على مختص، وهي بحق تَحَدٍّ حقيقي للعلم الذي ما يزال عاجزاً عن تفسيرها. 
ناهيك عن أن علم الأرقام أضحى وسيلة ناجعة في علاج معظم الأمراض، لما تحمله الأرقام من ارتجاجات وطاقات "كونية" لا شك فيها. وهذا ما يؤكده لنا العالم الروسي غريغوري غرابوفوي Grigory Grabovoï في مذهبه عن علاج الأمراض بواسطة سلاسل الأرقام، وهو يقدم لنا في هذا الصدد دلائل قاطعة وشهادات ثابتة. 
والسحر Magic، بشقيه الأبيض والأسود قائم على قوانين غير علمية، لكن لا أحد يستطيع إنكار تأثيره، خيرا كان أو شراً. فالسحر إذن وسيلة من وسائل التأثير عن بعد، وهو قائم على تأثير حقيقي، وقد ورَد ذكره حتى في الأديان السماوية، وهو يتم بالاعتماد على طاقات لا تُسيَّر إلا عبر عوالم موازية لا يجد العلم تفسيرا شافيا لها. 
ويظل الحدس، أو ما يسمى عادة بالحاسة السادسة، أو العين الثالثة (ومقرها في وسط الجبين) هو أفضل وسيلة للولوج إلى هذه العوالم. فالعوالم الموازية عوالم لا يمكننا الوصول إليها بالعقل وحده، فالعقل لا يفسر كل الأشياء، ولأنه عاجز عن تفسير الكثير من الأسرار المحيرة فهو يحيلها إلى سلة المهملات، أو يُصنّفها ضمن "الخوارق"، مؤجلا أمرها إلى أجل غير مسمى. 
وأعود إلى حاسة الحدس لأقول إن هذه الحاسة "اللاعقلانية" الكامنة في أعماق اللاشعور الجمعي (راجع كارل غوستاف يونج) ما تزال موضوع جدل واسع، لأن العلم القائم على قوانين العقل والملموس وحدها، لا يؤمن إلا بما تراه عيون مجاهره المخبرية.
للدماغ شقّان، الفصّ الأيسر وهو الذي نستند إليه ونرتكز عليه في حياتنا اليومية، والفصّ الأيمن الذي عطّله العقل منذ آلاف السنين. فهذا الشق من الدماغ لا يهتم بفرز الأشياء "منطقيا" أو وفقا للتصنيف العلمي العقلاني، بل يبدو كأنه يميل إلى الالتباس والمفارقات. ولذلك من الصعب وصف هذا الفكر العفوي بسبب تعقده وطريقته السريعة في معالجة المعلومات. ولذلك أيضا ارتبط هذا الشق من الدماغ بالعملية الإبداعية عند الإنسان. (من قال إن الإبداع وظيفة العقل؟). فهذا الشق يشتغل في مجال التصورات والحدس. فالفكرة عنده ليست خطيّة (أي مستقيمة)، وجدّ سريعة. فهو يحلل الأشياء بصورة شاملة، ويحدد بسرعة متناهية العلاقات الحيزية ما بين مختلف أجزاء المجموعة، كأن الحقيقة عنده جاهزة ولا تحتاج إلى أي جهد فكري على الإطلاق. 
الباراسيكولوجيا - أي علم ما وراء النفس - علم يدرس كافة الظواهر التي ترتبط بالعقل البشري. ويقع هذا العلم طبيًا بجوار علم النفس ويدرس الطاقات النفسية البشرية، بل وحتى الحيوانية. هناك في كثير من أنحاء العالم، ولا سيما في روسيا، باحثون متخصصون في هذا العلم، ومنهم باحثو المعهد الميتافيزيقي الدولي في فرنسا. فهؤلاء الباحثون الذين كثيرا ما يعانون الازدراء من قبل باقي رجال العلم "العقلانيين" ابتكروا وسائل لا جدال فيها لإثبات ما توصلوا إليه من نتائج ملموسة. 
الابتعاد مؤقتا عن حيّز العقل ومنطقه (أو بالأحرى عن العقلانية العمياء)، وإطلاق العنان للعقل الباطن، شرط أساسي لبلوغ العوالم الموازية وخوارقها، وإمكاناتها الهائلة. لأن العقل الباطن هو موطن كل هذه الطاقات الكامنة التي لا حدود لها. 
فالإنسان البدائي، يقول فرويد، وتؤيده في ذلك أبحاث الأنتروبولوجيين وعلماء التحليل النفسي، كان قبل نشوء اللغات يتواصل مع الآخر بواسطة التخاطر. فكيف اكتسب هذه الملكة؟ إنه لم يكتسبها بل هي فطرية فيه، وملازمة له. أليست هذه الملكة الكامنة التي ما يزال الإنسان المعاصر يحملها عن غير وعي منه، تَحَدٍّيا عظيما للعلم المتعجرف اليوم بإنجازاته؟ من يدري، فقد نكتشف بعد مائة عام أو أقل، أو أكثر، أن الإنسان قد ضل طريقه، أو فقد الكثير، لأنه أهمل طاقات كامنة بسبب اعتماده على الجانب العقلاني وحده، حتى يُرضي غروره الضيق المحدود. 
فالإنسان العقلاني، مثله مثل الرجل الأعرج الذي يتكئ في مشيته على عصا من زجاج. فهو معرّض للسقوط في أي لحظة: حسبنا أن نتأمل العالم من حولنا، ونعي ونقدّر الكوارث "البيئية" التي تهدد كرتنا الأرضية بالفناء. وحسبنا أيضا أن نلتفت إلى سلوكات الحيوانات، فمعظمها تتنبأ بما قد يطرأ على الطقس من تطورات. بل إنها فوق ذلك قادرة على التنبؤ بما سيطرأ على أحداث العالم وعلى أقدارنا من تغيرات يمكننا أن نستفيد منها إن قلّ احتقارنا وازدراؤنا لها!
Reactions

تعليقات