القائمة الرئيسية

الصفحات

التضحية: قدمها فقط لمن يستحقها

د. خوله مناصرة - حضرت ورشة عمل حول الإيثار والتضحية، سمعت فيها آراء غاية في المثالية تدعو إلى التضحية غير المشروطة، وآراء ترفضها خارج نطاق الأسرة. وبغض النظر عن المثاليات...

د. خوله مناصرة - حضرت ورشة عمل حول الإيثار والتضحية، سمعت فيها آراء غاية في المثالية تدعو إلى التضحية غير المشروطة، وآراء ترفضها خارج نطاق الأسرة. وبغض النظر عن المثاليات التي طُرحت إلا أن هذا الحديث دفعني للكتابة عن الموضوع كما أراها بصورتها العقلانية.

التضحية هي بذل المال أو الوقت أو الجهد أو الحياة أو كلها معا  مجانا من دون توقع الحصول على مقابل، وقد تتطلب العلاقات الوثيقة التضحية.  فالكثير من الناس يربطون بين مفهوم التضحية والحب، وقد أثبتت الأبحاث أن الأشخاص المستعدون للتضحية من أجل بعضهم البعض أكثر سعادة من غيرهم، وعلاقاتهم أكثر استمرارية.

وقد تكون التضحية سببا في تغيير الحياة بشكل جذري، مثل اتخاذ قرار بالانتقال إلى دولة أخرى مع شريك الحياة من اجل العمل أو الدراسة، وقد تكون بسيطة، مثل تقبل مشاهدة مباراة كرة قدم بدلا من فيلم.

وبالرغم من أن التضحية  ليست سهلة، إلا أنها  قد تكون ضرورة ملحة لدعم استمرارية العلاقة وتوثيقها.

أن التضحية من أجل شخص تحبه سواء كان حبيبا أو صديقا أو قريبا، تظهر له اهتمامك، و تجعلك تشعر بالرضا عن نفسك. لكن أحيانا يجد الشخص انه الطرف الذي يضحي دائما مما يثير في أعماقه تساؤلات ومخاوف عن جدوى تضحياته، اسأل نفسك عند اتخاذ قرار ما إذا كان الطرف الآخر يستحق التضحية.

قبل تقديم أي تضحية عليك معرفة مدى التزامك بالشخص، وهل لديك تحفظات عليه؟ هل تعتبر علاقتك به علاقة دائمة وليست موضع تساؤل، فالالتزام هو أهم مبرر للتضحية. فيجب أن تكون التضحية الكبيرة في سبيل الشخص المناسب والذي يستحقها.

اسأل نفسك هل سيفعل الطرف الآخر نفس الشيء معك؟ هل يظهر لك  نفس الدرجة من الالتزام، ويفكر بطريقة التفكير ذاتها، هل كان على استعداد للتضحية من أجلك في الماضي، وهل أبدى استعداده للتضحية في المستقبل؟

 إذا كان الطرف الآخر يفترض أنك أنت الذي يجب أن تقوم بالتضحية، دون تحمل أية مسؤولية فكر مرتين قبل القيام بأي تضحية.

عندما يحتاج الموقف إلى تضحية من كلا الطرفين، فيجب أن يكون الطرفان واضحان فيما يتعلق برغباتهما وأولوياتهما، وبناء عليه يتم تحديد الطرف الذي يجب أن يقدم التضحية.

ليس من الضروري أن يشعر الطرف الآخر بأنك تضحي من اجله، تمنّ عليه وتبتزّه، ولا تحاول استخدامها ضده، أو استخدامها كورقة مساومة في علاقتك معه، أو تجعل علاقتك وكأنها سلسلة من المصالح الأنانية.

 ولكن إذا كان لا يعلم بأنك تضحي من اجله فلن يكون قادرا على تقدير نكرانك لذاتك. وقد لا يدرك كم تتحمل من المشقة من أجل استمرار العلاقة، وقد لا يفهم الطرف الآخر  دوره عندما يتطلب الأمر أن يقدم بالمقابل تضحية، فالتضحيات يجب أن تكون متبادلة، وإذا كانت من طرف دون الطرف الآخر فستكون سلسلة لا تنتهي من التنازلات وخيبات الأمل، ومن المهم أن نعرف إذا كان الطرف الآخر يختلف معك ولا يرى أفعالك كتضحيات.

إن إظهار الطرف الآخر للشكر والامتنان هو اعتراف بالتضحية، أما عدم إظهار الامتنان يعني انه يأخذ الأمر باعتباره أمرا مفروغا منه أو أن ذلك واجبك.

يجب أن تعمل مع الطرف الآخر لمعرفة ما إذا كان هناك حل لا يتطلب الكثير من التضحية من أي منكما. وهذا ليس خيارا بطبيعة الحال، ولكن حتى في الحالات التي لا يوجد فيها حل وسط، فسقد تكون هناك وسيلة للحد من صعوبة التضحية وقسوتها.

على الرغم من أن العلاقات الوثيقة تتطلب العطاء عند الحاجة، لكن هذا لا يعني أن لا تتم مناقشة الخيارات المتاحة لترتيب ما يناسب كلا منكما سواء بالنسبة للتضحيات الكبيرة أو الصغيرة.

كما قلت يدخل الناس في التضحية لأسباب مختلفة، وليس شرطا ان تؤدي كلها إلى سعادة دائمة.

فهل تضحي لجعل شريكك سعيدا ولتبقي علاقتك مستمرة، أم أنك تفعلها لمجرد محاولة لتجنب الصراع؟

التضحيات بدافع تجنب الصراع يمكن أن تقوض السعادة و القناعة في العلاقة. إذا كنت تضحي لتجنب الصراع فقد تكون مشاعرك سلبية ولكن قد تتجنب الصراع، بالتضحية لجعل شريك حياتك سعيدا وأكثر ثقة بك. والتضحية لتحقيق مكسب على المدى الطويل من أجل أسباب جماعية، أو المساعدة على تحقيق الأحلام.

تأكد من أن التضحية لا تكون إلا لأسباب وجيهة، فالتضحية لأسباب خاطئة قد تكون أسوأ من عدم التضحية على الإطلاق.

عندما تجد نفسك تقدم  التضحيات باستمرار لإسعاد الطرف الآخر، ويكون ذلك على حساب سعادتك وتقديرك لذاتك وصحتك النفسية على المدى الطويل. أعد النظر، فلا ينبغي أن يؤدي بك سلوكك الأخلاقي هذا إلى إهمال احتياجاتك.

Reactions

تعليقات