رقصة التنورة التراثية
رقصة التنورة التراثية تجمع بين روعة الأداء وتنوع الأزياء وثراء ألوانها على خلفية من الإنشاد والأدعية ومدح النبي صلى الله عليه وسلم وتقوم رقصة التنورة على أداء تشكيلات فنية بديعة من خلال الحركة الدائرية للراقصين مصحوبة بجمل موسيقية ذات إيقاع متنوع وغنائيات تضفي حالة من الصفاء والمتعة على المشاهد وهي من أصعب الرقصات المصرية والتي تضم: التحطيب – الحجالة – التربلة – الأراجيد وغيرها لكن التنورة هي الأصعب لأنها تحتاج لراقص ذي قدرات خاصة وهي أحد أهم مظاهر احتفالات العرس في الوجه البحري والقبلي وأحيانا يرقصها الراقص فوق جواد مستعرضا مدى مهارته على التحكم في تنورته وكثير من الأسر تحرص على وجود راقص التنورة ليضفي على كافة الاحتفالات جواً استعراضياً شائقاً كما برزت التنورة في كل الاحتفالات العربية والعالمية واشتهرت مصر بفرق التنورة على مستوى العالم بالأداء المتميز.
قصة التنورة
التنورة رقصة تركية الأصل ويرى الباحث الفولكلوري محمد أمين أن قصتها بدأت بالتكايا حيث كان كل أمير أو شيخ طريقة صوفية ينشئ تكية وهي مكان يعتبر مضيفة لأبناء السبيل والفقراء والغرباء والدراويش وداخلها كانت تقام حلقات الذكر ولقد تميزت من بين تلك التكايا تكية الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي(ولد 1207هـ - توفى 1273 هـ) أو "مولانا" لقبه التشريفي الذي أعطاه له والده في قونية بتركيا حيث كان يبدأ الذكر بعمل حلقة لا تقل عن أربعين دوريشاً بملابسهم المختلفة الألوان ما بين الأخضر والأحمر والأسود والأبيض ولا يدري الباحثون أسباب اختلاف هذه الألوان – بداية كان الدراويش يرددون لفظ الجلالة ومع كل ترديدة يقومون بإحناء رؤوسهم وأجسادهم ويخطون في اتجاه اليمين فتلف الحلقة كلها بسرعة وبعد فترة قصيرة يبدأ أحد الدراويش بالدوران حول نفسه وسط الحلقة وهو يعمل برجليه معا ويداه ممدودتان ويسرع في حركته فتنتشر ملابسه (تنورته) على شكل مظلة أو شمسية ويظل يدور حوالي عشر دقائق ثم ينحني أمام شيخه الجالس داخل الحلقة ثم ينضم إلى الدراويش الذين يذكرون إسم الله بقوة تتزايد درجة درجة لعشر دقائق أخرى ثم يجلسون للراحة وبعد ربع ساعة ينهضون للذكر ثانية وينضم هذه المرة شخصان يرقصان بالدفوف وجدير بالذكر أن طائفة المولوية كان لها تقاليدها الخاصة في طريقة لبسها وفي طريقة توظيف حركاتها التعبيرية المصاحبة لآلات موسيقية بعينها هذه التقاليد ثابتة ولم تتغير ولم يمحها الزمن ولقد استطاع الفنان المصري في أوائل الدولة الفاطمية أن يؤسس على الفكرة التركية – بناء فنيا مصريا متكاملاً بآلات شعبية أصيلة وغنائيات تراثية مصرية خالصة كالربابة والمزمار والصاجات والطبلة فضلا عن تصميم الملابس المميز القائم على ثراء ألوان " التنانير" مما أتاح قدرا كبيرا من التفاعل مع المشاهدين. كان الفن التركي الأصلي عبارة عن تنورة فقط يلف الراقص بها إضافة لارتدائه غطاء رأس " طربوش" وجلبابا يغطيه من أعلى صديري يليه جيب من الوسط إلى أسفل القدم وبقي هذا الزي باللون الأبيض إلى أن دخلت الرقصة إلى مصر في العصر الفاطمي لتصبح من أشهر الفنون الاستعراضية المتكاملة بعد أن أضافوا لها الدفوف والفانوس وتعتبر الرقصة وسيلة تعبير وتجسيد للتصوف وهيام الروح بالخالق عز وجل وسموها كلما طالت فترة دوران مؤديها ومن مصر انتشرت إلى تونس والمغرب والجزائر حيث تطورت على يد المصريين لتصبح تنورة حرة بدون جلباب رسمت عليها الأشكال الإسلامية الفرعية ثم وضع الحبل ثم السير لرفع الدائرة السفلية من التنورة.
فلسفة الرقصة
تقوم فكرة التنورة على اللفيف أو الدوران حول النفس كأن الراقص يحتفي بالكون وبدورة الحياة وكأنما يهمس من أعماق " أنت كهبة الأرواح فلأقم بالطوف حولك فأنا كالفلك عملي ليل نهار هو الطواف ولا ترتعد في جواد الجسد وترجل سريعا فالله يهب جناحا لمن لا يمتطي الجسد" وهذا يلفت انتباهنا إلى قيمة وأهمية الفكرة التي تقوم عليها الرقصة وموضعها الذي يأخذنا من حياتنا الاعتيادية إلى التفكير والتأمل في أبعاد الكون اللانهائية فلا تخلو الرقصة من متعة رغم بساطة فكرتها وموضعها وعلاقتهما بحركة الكون, إن أصل فكرة الدوران تنبع مما يحدث في الكون والأرض, الذرة تدور في دوائر والأجرام السماوية تدور حول نفسها وحول الشمس وهاهم البشر أيضا يدورون حول الكعبة فما أسرار حركة الدوران؟ يكشف المخرج المصري عزالدين سعيد في فيلمه الوثائقي "اللفيف" عبر إجابات مدققة وتفصيلية ومعلومات متدفقة تؤازرها الموسيقى والصور البصرية وأشعار جلال الدين الرومي أن الأصل في تلك الحركة مستوحى من الحركة المعمول بها في الطرق الصوفية وخاصة الطريقة المعروفة بالمولاوية, والحركة القائمة على الذكر أي تلك الحركة البندولية التي تختلف باختلاف الطرق الصوفية حدثت واقعة شهيرة لجلال الدين في القرن الثالث عشر عندما كان يدرس علوم الشريعة والفقه كان يسير في أحد مواكبه فاعترضه درويش إسمه شمس الدين التبريزي وهمس في أذنه ومنذ ذلك صارا صديقين فأنشد جلال الدين قائلا: "يا أيتها الشمس هذا هو فلكي تعلمته من هذا القمري الوجه وأنا ذرة للشمس تعلمت منها هذا الرقص" ولقوة صداقتهما أوغر الشيطان صدور تلاميذ جلال الدين فقتلوا صديقه فحزن كثيرا وكان يخرج إلى ساحة داره وينظر إلى الشمس ويظل يدور ويدور إلى أن يسقط مغشيا عليه بعدها كان يشعر بارتياح فكتب يقول:" وكما يقوم الحاج العاقل بالطواف يقوم به سبعة وأنا حاج مجنون فلا أحصي الطواف كل ذرة في الأعالي ولماذا لا يرقص الصوفي كأنه الذرة في شمس البقاء حتى لذلك فاستخدام هذا الدوران هو لإجهاد الجسد فتسمو الروح لذلك أدخل على المولاوية فكرة الرقص وأبدعوا فكرة الدراويش الدوارة فكانوا يرتدون الثوب الأسود وتحته لباس أبيض وكانوا يشبهون الثوب الأبيض بالكفن والغطاء الأسود بالقبر والقبعة الطويلة هي الشاهد الموجود على القبر، كان كل طقس في المولاوية يرمز إلى ما بعد الموت ولكن عندما استلهم الفنان المصري رقصته أجرى عليها بعض التعديلات والإضافات إرضاء للجميع أما زي التنورة المصري فأخذ الجزء الأبيض وقام بتلوينه بالألوان التي اشتهرت بها الطرق الصوفية المصرية فالرفاعية لها لون والأحمدية لها لون وكذلك الحامدية الشاذلية لكن التنورة لا تنتمي إلى طريقة بعينها وفي محاولة لإرضاء كل الطرق الصوفية حتى عقائديا استحضر الفنان المصري كل هذه الألوان وجمعها ووضعها علي تلك التنورة وبذلك فإن راقص التنورة عندما يؤدي يحمل في طيات ذلك الأداء الحركي كل رموز الطرق الصوفية المصرية. تطور آخر على زي الراقص كان في البداية تنورته واحدة فجعلها اثنين، اخترع التنورة الثانية وجعلها عندما تنفصل عن الأولى تجعل الراقص يبدو خلالها وكأنه كالفانوس كأنه شمعة تحترق فلكأن الجسد يحترق فتسمو الروح ويتكون اليونيفورم الخاص بالراقص من جلباب واسع ثمانية أمتار وبنطلون وطاقية ولاسة وثباته تعلق على الصدر.
ويبلغ قطر التنورة سبعة أمتار وطولها حوالي 105سم ووزنها يتراوح بين 10 و15 كجم ولا يرتدي الراقص تنورتين بل ثلاثة وأحيانا أربعة يتم صنعها من القماش الخشن الذي يصنع منه الخيام ليحتمل الاستخدام الشاق وتيارات الهواء المتدفقة أثناء الدوران ويرى الراقص سيد إسماعيل أن التنورة تصنع من قماش عادي مع الشيفون واللامية ويوجد بداخلها سير دائري عند الأطراف وهو الذي يسبب الانفراج أثناء الدوران فتقدم شكلا جماليا مشيرا إلى أن سعرها يتراوح بين 700 إلى 1600 جنية ويتوقف على نوعية الأقمشة وجودة وجمال أشكالها ويوجد صناع في منطقة الحسين بالقاهرة لصناعة التنورة والخيامية وكل مستلزمات الفنون الشعبية أما التنورة السورية فلونها أبيض وتتكون من طبقة واحدة لا يمكن نزعها يتوسطها حزام أحمر وعلى الرأس يلبس طربوش يصنع من وبر الجمل أما المصرية فملونة بعدة ألوان وتتكون من أكثر من طبقة كما ألمحنا قد يصل عددها إلى أربع طبقات بعدد فصول السنة ويمكن نزع كل طبقة بغرض الاستعراض أثناء الدوران4 والآن يصحب الرقصة موسيقى وأغان حديثة إيقاعها سريع كما أدخلت مصابيح كهربائية صغيرة تحيط بأجزاء التنورة وتعمل ببطارية يتم تشغيلها بزر صغير فتضفي مظهرا جميلا أثناء الاستعراض يجذب الأنظار ويرجع الفضل في إدخال هذه التقنية لمخرج إنجليزي أخرج حفل افتتاح إحدى البطولات الرياضية بقطر قبل سنوات شارك فيه أكثر من 20 راقص تنورة جدير بالذكر أن الباحثة سنية خميس قدمت دراسة وافية بعنوان "الزي التقليدي المؤدي رقصة التنورة في مصر5"
تبدأ الرقصة فيدور الراقص حول نفسه من الشمال إلى اليمين ويكون الذراع الأيمن متجها إلي السماء والأيسر إلى الأرض وكلما زادت سرعة صوت الإيقاع زادت سرعة دوران الراقص فيشعر بارتفاعه عن الأرض فيخلع سترته العلوية (الصديري) وغالبا يكون أحمر أو أخضر من الستان ثم بعد يبدأ في فك التنورات وكل واحدة يقوم باللعب بها بكافة الأشكال حول خصره وبكلتي يديه وإلى اليمين وإلى اليسار وأعلى وأسفل وهكذا حتى يتجرد منها جميعا ومع التنورة الأخيرة يقوم بتطبيقها على شكل مولود إشارة إلى ميلاد العالم وبداية الخليقة بانفصال الأرض عن السماء ثم يتناول خمسة دفوف ملونة يلعب بها بين يديه ويشكلها تشكيلات مختلفة وهو مستمر في الدوران دون توقف ولكن بسرعات مختلفة ويمكن أن يكون بجواره اثنان من الراقصين الأصغر سنا وغالبا لا يشعر الراقص بما يدور حوله بل تصبح الرقصة أشبه بالشكل الآلي لأنه وقتها يبتعد تماما عما يدور من حوله حتي لفظ الجلالة في نهاية الرقصة يتحول إلى آه ممدودة من فرط الانتشاء والذوبان في حب الله إن الراقص هو رمز الأرض مركز الكون وهي تدور حول نفسها بينما تدور الكواكب الأخرى حولها وتتمثل الكواكب في الراقصين اللذين يرقصان بجانب الراقص الأكبر وهما (الشمس والقمر) وخلفه الدراويش ينقرون الدفوف بعدد كواكب المجموعة الشمسية وتصبح الحركة من اليسار إلي اليمين حركتي الشروق والغروب أما عن الذراعين فأحدهما سماوي والآخر أرض وهنا يكون الراقص هو (الإنسان) نقطة التقاء الأرض بالسماء قبل الخليقة وقبل انفصالها فالتنورة دائما تصنع من طبقتين يقوم بفصلها أثناء اللف والطبقتان هما الأرض والسماء والتنورة في بداية الرقصة تغني العالم قبل انفصال الأرض عن السماء وقبل بداية الخليقة وبوصول الراقص لمرحلة خلع التنورات يرتقي وكلما تخلص من تنورة تخلص من تعلقه بالأرض ليتخلص تماما من الشق الأرضي ويرقى إلى الشق السماوي والنقاء التام وصفاء الروح ولذا فمن الصعب بل من المستحيل أن يستطيع إنسان عادي أن يمارس رقصة التنورة6 حيث تعتمد على عنصر التلقائية في الأداء مما يتيح فرصة أكبر للإبداع من جانب الراقصين ويجعلها دائما متجددة كما أن الموسيقى المصاحبة للرقصة من الموروث الشعبي المصري أما الغناء فيعبر عن موضوعات شعبية هامة تدور حول المحبة والصداقة والسلام وكل جزء من أجزاء العرض يسبق بمقطوعة موسيقية تتجلى من خلالها روعة الآلة الشعبية المصرية .
تنورة هاواي
قيل إن أول من رقص رقصة التنورة المزينة بالورود والأغصان هي آلهة الرقص المعروفة باسم"لاكي" حيث كانت ترقص لاستقبال وتكريم أختها "بيلي" التي أعجبت بهذه الرقصة التي شاهدتها بينما كانت تشعل نيران المعسكر لإضاءة كل الفضاء ومنذ ذلك الوقت أصبحت رقصة التنورة المزينة بالورود في جزيرة هاواي تقليدا فنيا ودينيا يؤديه الناس تعبيرا عن تقديسهم واحترامهم للآلهة ويمكن للزائر أن يتعرف عبر هذه الرقصة على عادات وتقاليد وثقافة سكان هاواي بما فيها اللغة والعلوم والفنون والفلسفة والثقافة الدينية والقصائد والأشعار الشعبية ويرى كثيرون أن رقصة التنورة تمنح الراقصين القوة والنشاط والسعادة واللياقة البدنية والنفسية والروحية كما تسهم في غرس مفاهيم المحبة والصبر والاحترام ورغم أنها تشمل تحريك كافة أطراف الجسم لكن حركات الأيدي تلعب دورا رئيسيا للتعبير عن أهم مضامين الرقصة المتمثلة في طموحات الناس وآمالهم في السلام والإنتاج. الجيل الأول من راقصي التنورة في هاواي كانوا يلفون حول خصورهم حزاما من القماش فقط عند الأداء أما الراقصات فكن يرتدين تنورات قصيرة بدون ثياب على الصدر الأمر الذي أغضب رجال الدين الغربيين الذين زاروا هاواي وشاهدوا الرقصة فمنعوها لكونها تكشف عن أجزاء حساسة من أجسام الفتيات لكن السكان المحليين داوموا عليها سرا حتي عام 1974م حيث تولى الملك كاراكوا حكم هاواي وأمر باستئناف الرقصة بشرط أن ترتدي الراقصات صدريات وزيادة طول تنوراتهن ومن الممكن أن يتعلم كل فرد هذه الرقصة إذا تلقى سلسلة من التدريبات البدنية والعقلية والعاطفية والروحية ولكنه لن يبدع فيها إلا بعد أن يتقن هذه التدريبات المعقدة لأن الرقصة لا تعبر عن الفرح والسرور فحسب بل تعطي الراقص أيضا قوة وتشجيعا وسعادة لذلك يلتحق كثير من عشاق هذه الرقصة بالمدارس الخاصة لتعلم رقصة التنورة ويوجد في جزيرة هاواي حاليا العديد من المدارس لتعليم التنورة ويحظى المعلمون والمعلمات باحترام كبير من الجميع وفي الوقت نفسه يوجد بين هذه المدارس منافسة عنيفة وفي أبريل من كل عام يقام كرنفال احتفالي ضخم (كرنفال الملكة ماري) لإحياء ذكرى الملك كاركوا كما يطلق الناس على هذا المهرجان أيضا إسم (اوليمبياد رقصة التنورة) حيث يحضره كبار الراقصين والراقصات بالجزيرة وليس من السهل على السياح حضور هذا المهرجان إلا بعد حجز التذاكر قبل الافتتاح بعدة أشهر لا تخضع بعض حركات رقصة التنورة في العصر الحديث لنظامها ومعيارها التقليدي القديم الذي كان محكما دقيقا نسبيا ولكنها تعبر الآن عن نفس الموضوعات التقليدية كالترحيب بالضيوف القادمين إلى الجزيرة أو للإشادة بالوطن وبمناظره الجميلة واطلاع الضيوف على أحوال الحياة في الجزيرة أو للتعبير عن آمال سكانها وتطلعهم إلى حياة سعيدة وغيرها7 كان الملك كاراكوا حاكم جزيرة هاواي والذي كان الناس يطلقون عليه لقب الملك المرح يرقي رقصة التنورة إلى مكانة الكنوز الوطنية والتراث الشعبي المحلي في جزيرة هاواي وهي بمثابة رقصة المينويت في بريطانيا ورقصة الفلامنكو في إسبانيا8 كما تشتهر هاواي برقصة الهولا9 .
تعليقات
إرسال تعليق