من منا لم يعش إحساس العجز وهو يحاول تذكر كلمة عالقة على طرف لسانه، في المقابل قد نخلط بين الكلمات ونذكر كلمات أخرى شبيهة لما كنا نريد قوله أو قد نتعثر في كلمة ما فننطقها على وزن كلمات أخرى تشبهها بينما نعتبرها زلة لسان وتلك حيلة الدماغ لسد الفراغ.
تعرف هده الظاهرة باسم "ليثولوجيكا" (lethologica) وهي كلمة يونانية الأصل، فالجزء الأول (LETH) تعني النسيان والجزء الثاني (LOGICA أو LOGOS)، بالإغريقية: (Λούος)، تعني اللغة أو الخطاب وعند بعض الفلاسفة تعني العقل، ففي الأسطورة اليونانية كلمة (LETH،Λήθη) هي أحد الأنهار الخمسة المتواجدة بالعالم السفلي، تحكي الأساطير الرومانية والإغريقية أن الشُّرب من هذا النهر يجعل أرواح الموتى تتقمص أجسادًا جديدة تجعلها تنسى ما حدث لها في حياتها السابقة في العالم السفلي. ومن ثم فإن هذه الأنهار الخمسة تشكل حدودًا فاصلة بين أرض الأحياء وأرض الأموات.
ليثولوجيكا أو متلازمة طرف اللسان، هي الوصف الأدق لشعورنا بأن الكلمة هنا على طرف لساننا لكنها تأبى الخروج، وتجعلنا نفقد أعصابنا ونحن نحاول تذكرها وكأننا نود الدخول لذاكرتنا والبحث عنها كما نبحث عن أغراضنا، فنحس بأن عقلنا يلعب معنا "الغميضة" ويخبئ الكلمات ليستفزنا معلقا لافتة "سنعود بعد قليل".
صاغ مصطلح ليثولوجيكا كإشارة لظاهرة نسيان الكلمات عالم النفس كارل يونغ وأدرج في معجمِ دورلاند الأميركي الطبي المصور، عام 9151 بأنه العجز عن تذكر الكلمات المناسبة. ذكر عالم النفس توم ستافورد أن ذاكرتنا تستجيب بحسب ارتباط المعلومة بمعلومات أخرى في إطار نسق متكامل وليس بحسب درجة الحاجة التي تذكرها، يعني أن الذاكرة البشرية تعمل بأسلوب شبكي نسقي، ويقترن تذكر الكلمة بمدى ارتباطها بعدد أكبر من المعلومات.
تناولت بعض الدراسات ظاهرة ليثولوجيكا من بينها دراسة براون وماك نيل 1966 اللذان اعتبرا أن ظاهرة ليثولوجيكا تمر من مرحلتين، الأولى تتمثل في إدراكنا بأننا نسينا الكلمة ومحاولتنا استرجاعها أما المرحلة الثانية تكمن في أساليب المحاكاة العقلية والحوار الداخلي الذي نلجأ إليه أثناء محاولتنا التذكر، وهذا ما يدخل ضمن علم النفس الإدراكي ونظريات الذاكرة وتكوين اللغة لتجاوز مشاكل التعلم واضطرابات الذاكرة، فنحن لا نعلم الكم الهائل الذي تخزن ذاكرتنا من المعلومات والكلمات وكيفية ترتيبها، ولو أدركنا مدى تعقيد عملية استرجاع المعلومات لما أحسسنا بالعجز عند نسيان أحدها.
آلاف الكلمات التي لا نستخدمها والمخزّنة في أدمغتنا بالفعل، قد يكون من الصعب استرجاعها في وقت قصير للغاية، لأنّنا لم نكن قد شكّلنا بعد الروابط الضروريّة التي تربط بينها وبين معلومات أخرى مهمّة.
قد يستغرب البعض من هذا العجز في محاولة لفهم أسبابه أو كيفية التقليل من حدوثة، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل تساهم في نسيان الكلمات، كتأثير اللغة فالأشخاص اللذين يتحدثون أكثر من لغة واحدة يجدون صعوبة في تذكر كلمات اللغة الأقل استخداما، كما يواجهون مشكلا في ترجمتها من لغة لأخرى رغم تمكنهم من اللغتين، ذلك أن هناك بالطبع المزيد من الكلمات التي يفهمها المرء، لكنّه لا يستخدمها في حديثه أو كتاباته بشكل يومي وبالتالي تشكّل تلك المفردات، غير المستغلة، إطاراً كبيراً للكلمات التي نحاول تذكّرها فلا نستطيع، وهي التي تجعلنا نمرّ بتجربة النسيان.
فالكلمات التي نادراً ما نستخدمها، والتي تشمل أسماء الأشخاص أو الأماكن، هي الكلمات التي ننساها غالباً. ولأن الدماغ البشري ذو طبيعة تربط الأشياء بعضها ببعض، تعتمد القدرة على تذكّر الأشياء بشكل جيّد على تلك الأنماط أو الروابط ذات الصلة بالمعلومات الأخرى المهمة التي نريد تذكّرها، وبالتالي، فإنَّ آلاف الكلمات التي لا نستخدمها والمخزّنة في أدمغتنا بالفعل، قد يكون من الصعب استرجاعها في وقت قصير للغاية، لأنّنا لم نكن قد شكّلنا بعد الروابط الضروريّة التي تربط بينها وبين معلومات أخرى مهمّة تجعل من السهل على الذاكرة استدعاء مثل هذه الكلمات.
لذلك وجب مراجعة ومطالعة كتب من جميع اللغات التي نتقنها وذلك تجنبا لنسيان العديد من المصطلحات، كما ينصح بشرب القهوة والشاي وذلك لاحتوائها على المادة الكافيين التي تعمل كمنبه للجهاز العصبي المركزي، وتساهم في نشاطه ويقضته مع الأخذ بعين الاعتبار عامل السن الذي يلعب دورا كبيرا في إيجاد صعوبات لتذكر بعض الكلمات، ذلك أن الذاكرة تضعف مع التقدم في السن. كما لوحظ أن حالات ليثولوجيكا، تحدث تحت تأثير المشاعر، وعادة ما ترتبط بحالات الحزن والارتباك أو الخوف لذلك لا تقلق إن كنت تعاني من هذه الحالة فهي تساعدك على تثبيت الكلمات وتخزينها في الذاكرة بشكل أفضل.
تعليقات
إرسال تعليق