ليس من طبع الرجل الشرقي تحديداً، ولا من ثقافته الاعتذار عن الخطأ الذي ارتكبه بحق زوجته، كي لا تلومه على خطئه، ولا يُنظر له على أنه مكسور ومنهزم من جهة، وكي لا تتعالى زوجته عليه أو أنها انتصرت عليه من جهة أخرى، لذلك نجد أغلب الرجال لا يعتذرون.
وجد العلماء في إحدى الدراسات النفسية التي أجريت في كلية وركستر الطبية بجامعة مانسشتر، أن عدم اعتذار الرجل للمرأة بعد معاملتها بسوء وخشونة، يزيد من ضغط دمها، ما قد يؤدي إلى إصابتها بجلطة دماغية أو سكتة قلبية، كما أوضحت دراسة كندية أن النساء أكثر اعتذاراً من الرجال، بحكم أن المرأة عاطفية الطباع، ولا تتردد بالمبادرة بالاعتذار، تجنباً لتراكم المواقف السلبية والضغوطات النفسية بينها وبين زوجها.
لذلك، قد تكون كلمة “آسف” من أصعب الكلمات التي قد ينطقها الرجل تصحيحاً للخطأ الذي اقترفه بحق زوجته، إذ يعدّها امتهاناً له ولكرامته وانتقاصاً من رجوليته.
ليس من عموم الرجال أن لا يقولوا كلمة “آسف”، إنما يعود إلى طبيعة سماتهم النفسية أو “العملية” عند البعض منهم، وعادة مجتمع لا يهتم الرجل بالمشاعر والأحاسيس، لأنه شخص “عملي”، ولا يعتبر أن المواقف الانفعالية التي تستحق الاعتذار يمكن أن يُنظر إليها بالأصل، وقد يقوم أحياناً بتقديم أسفه واعتذاره على شكل تعديل في المهامّ العملية التي كان يؤديها، أي على شكل تصرفات وليس على شكل كلمات.
من الصعب على الرجل أن يقول ما لا يشعر به، وبالتالي إن لم يشعر بالحاجة للاعتذار، فمن المتوقع أن لا يُقدّم أي أسف على موقفه.
وفي بعض الحالات، يرفض الرجل طريقة طلب التأسّف، وهذا ما يخلق عنده ردة فعل عكسية يزيد في عدم قبول الفكرة من الأساس، في الوقت ذاته، هذا لا يعطيه الأحقية في طلب طريقة خاصة كي يقدم اعتذاره.
الاعتذار والأسف يُشعر الرجل أنه في موقف ضعف، والميل الطبيعي عند الرجال أن لا يكونوا في مثل تلك المواقف التي تُضعف من شخصيتهم، أو تضعهم في حالة من الهزيمة والإهانة.
هناك عدة أسباب وراء رفض الرجل الاعتذار لزوجته، يكمن أولها في التربية الاجتماعية التي تُبنى عليها المجتمعات العربية، والتي تؤسس أبناءها على التفرقة والتمييز بين الذكور والإناث، وأن القوامة والأفضلية والقرار دائماً بيد الرجل، وأن الاعتذار يُنقص من مكانته وهيبته في الأسرة وأمام الأبناء، ويُضعف من دوره التربوي والاقتصادي والاجتماعي.
أما السبب الثاني فيعود للفهم والتفسير الخاطئ للدين، مما يلعب دوراً كبيراً في تعزيز هذا السلوك، حيث إن تفسير القُوامة من قِبل أفراد المجتمع تقوم على أن الرجل هو صاحب الدور الأكبر في الأسرة ولا يجوز نهائياً أن تضعف شخصيته.
والسبب الثالث يقوم على منح الرجل الحق في تعدد الزوجات، وبالتالي فإن خوف الزوجة من زوجها وردات فعله يجعلها تتردد في طلب الاعتذار لها، لذلك لا تعطي لهذا الموضوع أولوية، إنما تتركه للرجل ومدى تفهّمه وذوقه وحُسن أخلاقه وتربيته.
الاعتذار يُعتبر جرأة ترفع من مكانة الرجل، ولا تُضعف من شخصيته على الإطلاق، إذ إن الاعتراف بالذنب فضيلة، ويساعد في إصلاح وتقويم أي خطأ في الوقت الحاضر تفادياً لعدم تكراره في المستقبل، والرجل الذي يعتذر جراء ارتكابه أي سلوك يتطلب منه الاعتذار، هو رجل صادق مع نفسه، ووفيّ للرابطة الزوجية، ويتحلى بالقيم والأخلاق الاجتماعية الصحيحة، فجميع الديانات السماوية شددت على سعادة البشرية وإيجاد الصور النبيلة والجميلة في المجتمع، والتسامح والمحبة بين أفراده.
تعليقات
إرسال تعليق